د. محمد بن لطفي الصباغ يا أشبال الأماجد من خلاصة البشر، يا أحفاد مُحرِّري الدنيا من ظلمات الجهل والظلم والطغيان والمهانة، يا أبناء بُناة الحضارة والمدنية، يا امتداد حمَلة رسالة الإسلام والسلام والعدالة، يا أحبابي أودُّ أن أتحدَّث إليكم حديثًا يُمليه عليَّ واجب الشعور بالمسؤولية. أيها الأبناء الأحبة، إن حضارة أوروبا غزتنا غزوًا كاملاً شاملاً لا يقتصر على شيء معين، بل شمل غزوها شتى شؤون الحياة مِن فكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية وعسكرية. لقد تعرَّضت بلاد إسلامية إلى حمَّى هذا الغزو في وقت مبكّر قبل حلول القرن الرابع عشر الهجري؛ كالجزائر، والمغرب، وتونس، والسنغال، ونيجيريا، وغيرها من البلاد الإسلامية، وعانى المسلمون في تلك الحقبة القاسية الكثير، وقد فوجئ الناس بهذا الغزو القوي الهمَجي مزودًا بالأسلحة الفتاكة، وكان المسلمون ضعفاء فانهزموا.. وا أسفاه!! لقد حصل هذا كله وما زالت المرحلة مُستمرة حتى الآن، نسأل الله المَعونة والسلامة، وقد غرس هؤلاء الغُزاة المعتدون دولة لليهود في قلب العالم الإسلامي، وإنا لله وإنا إليه راجعون، نعم؛ لقد فتح أبناء المسلمين في البلاد المغزوَّة أعيُنهم على احتلال هؤلاء المُستعمرين لبلادهم، وكانوا متقدِّمين في مجال العلوم الطبيعية والرياضية والفلَكية والهندسية والاقتصادية وغيرها، وكانوا مزوَّدين بالأسلحة الفتّاكة المدمِّرة، وبأدوات الترفيه من السيارة والطيارة والثلاجة والغسالة، وغيرها. فوقف الناس أمام هذا الواقع المواقف المختلفة الآتية: 1- موقف الفئة المُحافظة: كان موقفها سلبيًّا معارضًا، فقالت بتحريم كل جديد دون أن تَنظر فيه، ودون أن تَقف على صلاحه أو فساده، نبذت العلوم الجديدة عليها، واستمسكت بواقعها، وكانت الغلبة لهذه الفئة في بداية الأمر، ولكنها فيما بعد آلَت إلى الانقراض والهزيمة؛ لأن مقاليد الأمور بأيدي أعدائها من تلامذة تلك الحضارة. 2- موقف الفئة المُستسلِمة: كان موقفها مسايرًا للحضارة الأوروبية تَنقاد إلى تأييدها انقيادًا أعمى، ونادَت بأخذ هذه الحضارة بحُلوِها ومرِّها وخيرها وشرِّها، بل لم تكن ترى فيها مساوئ أبدًا، إن موقف هؤلاء جعلهم موثوقين عند الغزاة المستعمرين، فسلموهم مقاليد أمور البلاد تحت إشرافهم فحكَموها وفق أهواء سادتهم من المستعمرين، فأقصوا أي نفوذ للإسلام في الحكم والمجتمع والاقتصاد والمعاملات، وأقاموا أحزابًا تتنافَس وتتسابَق إلى كراسي الحكم، وكل منها يدَّعي خدمة الأمة وتحقيق مصالحها. 3- موقف الفئة غير المبالية: كانوا غير مبالين يُسايرون الوسط الذي يكونون فيه، ويؤيِّدون من كان في الحكم، سواء كانوا محافظين أم مُنقادين، ويراعون مصلحتهم الخاصة. وكان من ذلك أن نشأ قطاع من أبناء المسلمين محدود قليل مُزعزَع الثقة بأمته وعقيدته، قلقًا متأرجِحًا بين الإيمان والإلحاد، وقد كان دور للأحزاب العلمانية في نشر ذلك، لأنه أصبح لها مركز من مراكز القوة في الدولة، وأصبح لها شأن مدمِّر في وضع المناهج للمدارس على مختلف مستوياتها. وقد جرَّ ذلك على هذا القطاع العقد النفسية، وكان الطابع العام لهذا القطاع الإعجاب بحضارة أوروبا والعبودية لها وحدها، والعبودية الفكرية أشدُّ خطرًا وأسوأ أثرًا من العبودية المادية والعسكرية، واستمر الحال على ذلك يُسجِّل النصر لأوروبا وحضارتها حينًا من الدهر قدَّره الله - عز وجل - ثم نشأ في أعقاب ذلك جيل من الناس رأى الذلَّ الذي آلت إليه الأمة أمام اليهود، والفساد الذي انتشر في المجتمع، والضنك الذي حلَّ بالأمة، فتمرد على هذا الواقع السيئ المنحرف، وعرف عيوب هذه الحضارة وعرف أن فيها الضارَّ كما أن فيها النافع، وأرجع البصر في دينه العظيم فعرف مقوماته، ووقف على حقيقته الناصعة الجلية، وأدرك أن سعادته لن تكون إلا في هذا الدين والالتزام به والاحتكام إليه. نعم؛ وصل أبناء هذا الجيل إلى هذه الحقيقة فحمدوا الله الذي أنار بصائرهم وهداهم إلى الحق، وما كانوا ليهتدوا لولا أن هَداهم الله، وأشفَقوا على من ما زال مخدوعًا من أهلهم بذاك الواقع الأليم، ذاك الواقع الذي أفقدهم كرامتهم وتميزهم وأحلَّهم في الشقاء المادي والمعنوي. وأعلنوا بكل وضوح أن الإسلام هو المنقذ الوحيد لنا مما نعاني من ويلات، وأنه هو المصلح لأوضاعنا المتردّية، وأعلنوا أن أيَّ تنحية له عن الحكم هو قضاء على سعادتنا وكرامتنا، وأكدوا أن موقفهم من الحضارة الأوروبية هو موقف الاصطِفاء والاختيار، نأخذ منها ما يَنفعنا وما يتلاءم وقيمنا المُثلى، ونستخدم المخترعات والأدوات النافعة، أما فلسفة أوروبا ونظرياتها الفكرية والسياسية والاقتصادية من رأسمالية واشتراكية وشيوعية فلسنا بحاجة إليها، وكذلك فإننا نأبى الانهيار الخلقي الذي صارت إليه، ونأبى قبول تحطيم الأسرة الذي يقوم في حياتهم. ونادى هذا الجيل بأصوات مملوءة رجولة ونصحًا لهذه الأمة: أيها المظلومون من الرجال والنساء، تعالوا إلى ما ينقذكم في حياتكم الدنيا ويضمن لكم السعادة في حياتكم الآخرة، ألا فلتُطْوَ رايات الاستعمار ورايات الشرق، ورايات الغرب ورايات الاتجاهات المُنحرِفة، ولتَنتشِر راية الإسلام. أيها الأشبال الأشاوس، استفيدوا من وقائع التاريخ الحديث الذي حصل لأشقائكم في البلاد الإسلامية، واعلموا أن السعيد من اتَّعظ بغيره، واعلموا أنكم بمكان القُدوة من العالم الإسلامي إن عملتم بوعي وإخلاص، وأن إمكانية السيادة والزعامة مُتوافِرة لكم إن أنتم نصرتم الله وحملتم الأمانة التي حمَلها أجدادكم، وإن تنكَّبْتم طريق الإسلام خسرتُم الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين!