خاضت الجزائر مسيرة التنمية والرقي التي أطلقتها مباشرة بعد نيلها للحرية والإنعتاق من قيود المستعمر الفرنسي الذي استعبد الوطن لأكثر من قرن أين مارس سياسة القهر والإضطهاد على بلد المليون ونصف المليون شهيد المتمسك بمبادئ الروح الوطنية القاضية بإسترجاع حق الأرض والوطن. ورغم ثقل المخلفات الإستعمارية التي طالت جل الميادين الحياتية للجزائري سيما وأن السياسة الإستدمارية الفرنسية عزمت على تخريب البنى التحتة للبلد ونشر الأمية على نظاق واسع، التخلف، الجهل والمرض كسبيل لتقوقع الجزائر في تخلفها وصدها عن اللحاق بالركب الحضاري إلا أن عزيمة المواطن والمواطنة كانت أقوى آنذاك حيث صهرت الهمم والعزائم في شخص واحد عن حب الوطن لن يحيد، والجزائر اليوم تحيي الذكرى 51 لعيدي الإستقلال والشباب إذ تقف على ذكرى الشهداء الأبرار الذين ضحوا بالمال والنفيس من أجل صنع الوطن وتقف كذلك على جل الإنجازات والتطور الذي حققه المجتمع الجزائري عبر نصف قرن من الزمن دون إهمال الشوائب والنقائص التي ألقت بضلالها على متغيرات الحياة. وقد حقق المجتمع الجزائري تطورا ملحوظا في الخمسينية الحالية شمل مختلف المجالات على غرار الصحة، التعليم وما إلى ذلك. وقد تغير المجتمع الجزائري للأحسن بعد خمسين عاما بالنظر إلى إنخفاض نسبة البطالة وإرتفاع نسبة التعليم هذا وقد كان الشعب الجزائري يعاني من الأمية والفقر، إضافة إلى البنى التحتية والإنجازات المحققة مجالي في العمران وشبكة المواصلات، فقطع المجتمع الجزائري أشواطا كبيرة في مسيرة التنمية.
المجال الاجتماعي يحقق توازنا
وتدل جميع المؤشرات الاجتماعية بعد مرور مايفوق 50 سنة من إسترجاع السيادة الوطنية على إتخاذ الأمور النهج الإيجابي نتيجة للإصلاحات التي باشرتها الجزائر عبر مختلف القطاعات وكل ذلك لتحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة والرفع من مستوى الحياة الاجتماعية للمواطن من خلال إيلاء الأولوية لأساسيات السكن والصحة والتربية والموارد المائية والنقل والأشغال العمومية والفلاحة فقد بذلت الدولة الجزائرية مجهودات جبارة في مجال السكن من حيث البناء والتشيد وإعادة إسكان العائلات المتضررة، خصوصا وأن العديد من الجزائرين كانوا يعيشون ظروفا قاهرة في القرى الأرياف تطبعها البدائية والتخلف إلى جانب إنعدام المرافق الضرورية كالغاز، الماء، الكهرباء، فإعتمدت الجزائر برامج سكنية لترقية القطاع والتهيئة العمرانية إلى جانب سياسة تنويع وتطوير صيغ عروض السكن كالبيع عن طريق الإيجار ممولة من الخزينة العمومية، أو سكنات ممولة من طرف صندوق الاحتياط والتوفير، أو السكن الاجتماعي التساهمي، إضافة إلى السكن الاجتماعي المخصص للأسر ذات الدخل الضعيف والذي تموله الدولة كليا من ميزانيتها. كما علمت على ترقيةالمحيط الريفي من خلال تقديم إعانات مالية للبناء والتشييد للتخفيف من النزوح الريفي.
الصحة تحقق قفزات نوعية
تركة الاستعمار طالت المجال الصحي بدليل إكتساح الأوبئة والأمراض على نطاق واسع في ظل تدهور الأوضاع الإجتماعية من جهة والوضع الصحي الموبوء من جهة ثانية، فأدرجت الدولة الجزائرية سياسة وطنية لإنتشال الصحة بهدف القضاء على الأمراض المنتشرة آنذاك ومكافحة وفيات الأطفال وتعميم العلاج الوقائي كالتلقيح، نظافة المحيط وحماية الأمومة والطفولة، أين شهدت قفزة نوعية في المجال من حيث الكم والنوع وعرفت المؤشرات الصحية تحسنا ملحوظا عقب الإصلاحات المدرجة لتخطيط وتنظيم العلاج وتأمين الخدمات وعصرنة النشاطات العلاجية. وفي ذات الإطار عممت الدولة الجزائرية سياسة الطب المجاني وإصلاح التكوين الطبي وتحسين نوعية التدريس والتأطير. وأثبت الواقع نجاعة السياسية الصحية الرشيدة المتنهجة من قبل الدولة الجزائرية، في إنتظار تحسينات أخرى سيعرفها القطاع لاحقا.
خطوات ثابتة حققها مجالي التربية والتعليم
ألقت الأمية بضلالها على الحياة اليومية للمواطن الجزائري غداة الإستقلال خاصة وأن هذه الأخيرة قد حققت نسبة 85 بالمئة في سنة 1962 أين كانت فئة المتمدرسين تكاد تكون منعدمة مقارنة مع حاجيات المجتمع وتطلعاته، فإضطرت الدولة الجزائرية إلى إدخال برامج معمقة لإنتشال القطاع التعليمي تمثلت في تأسيس نظام تربوي يساير متطلبات التنمية وتعميم التعليم عن طريق انجاز منشآت تعليمية وتوسيعها، كما عملت الدولة على جزأرة إطارات التعليم، وتكييف المضامين التعليمية الموروثة عن النظام الفرنسي وجعلها منسجمة مع انشغالات المحيط، والتعريب التدريجي للتعليم، وبفضل الجهود المبذولة من طرف الدولة حقق قطاع التربية نتائج معتبرة على المستوى التنظيمي والكمي، تجلى في تنصيب منظومة تربوية عصرية وفعالة تسعى إلى تحسين النوعية والمردود البيداغوجي وتكوين مواطن الغد، مواطن مشبع بالقيم الحضارية الأصيلة. إلى جانب تحسينات تخللتها المنظمومة التربوية لتحسين مردور الأساتذة ومردودية التدريس بإدراج مزايا السكن، المخلفات الرجعية، المنح ومزايا أخرى إستفاد منها قطاع التعليم.
إقتصاد مفكك يرى النور غداة الاستقلال
واجه الاقتصاد الجزائري وضعا صعبا غداة الاستقلال حيث أن سبع سنوات من الحرب والتخريب الاستعماري دمرت بموجبه البنية التحتية والهياكل الاقتصادية لاسيما سنوات 61/62 وسياسة الأرض المحروقة، ناهيك عن أن الصناعة التي تركها المعمر تميزت بحجم صغير، لانعدام الترابط الخلفي والأمامي بينها، أما لمؤسسات التي يمتلكها الجزائريون فعموما تخص الصناعات الحرفية وتفتقر لرؤوس الأموال، في حين استمرت فروع الشركات المتعددة الجنسيات في النشاط، وكانت الزراعة والخدمات تمثل %73 من إجمالي الإنتاج، و%20 من الإنتاج الصناعي تمثل مدخلات للصناعات الثقيلة فورثت الجزائر اقتصادا مشوه، مفكك ومتناقص داخليا غير متوازن سواء بين فروع إنتاج القطاع الواحد أو بين القطاعات، قد انعكس عنه وضع اجتماعي أكثر تجسيدا للتخلف متمثل في الثالوث الجهنمي الجهل، الفقر والمرض. وأمام هذه الوضعية المتدهورة بادرت السلطات الوطنية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة تمثلت في إصدار قوانين ومراسيم تحاول تنظيم النشاطات الاقتصادية وقطاعاته غير أن بوادر الإقتصاد الوطني لاحت إلى الأفق وعرفت تطورا ملحوظا ترجمته أنواع الصناعات، الإكتفاء الذاتي والخبرة في المجال أين إستطاعت الجزائر لملمة إقتصادها من جديد. هذا وقد حققت الجزائز قفزة نوعية في شتى المجالات حتى السياسية والثقافية أين سطرت برامج تهدف بالنهوض بهذه القطاعات ضمن الجهود الجبارة التي سطرت الجزائر في مسيرة التنمية.