تتضارب في الأيّام الأخيرة الآراء حول دعوة الحكومة للأحزاب المعارضة بما فيها الإسلامية إلى مشاورات تعديل الدستور التي اعتبرتها بعض أطياف المعارضة بمناورة من قِبل الحكومة، وبينما رحّب إسلاميون بإشراكهم في هذه المشاورات مثلما هو حال زعيم الجيش الإسلامي للإنقاذ (المحلّ) مدني مزراف تحفّظ آخرون بشأنها، فيما قدّمت شخصيات إسلامية اقتراحات مختلفة لإثراء الدستور. تباينت مواقف وآراء الإسلاميين من مشاورات تعديل الدستور، فبينما قاطعها بعضهم رحّب كثيرون بالمشاركة فيها بغض النّظر عن الحسابات والحساسيات. مزراف وسحنوني يرحّبان يرى مدني مزراف أن قيام السلطة بإشراك الإسلاميين في مشاورات تعديل الدستور أمر إيجابي جدّا، ورغم تحفّظه على شخصية أحمد أويحيى إلاّ أنه قال إن الأمر الإيجابي هو كونه أي أويحيى قريب من دوائر صنع القرار، وهو ما يجعل المشاورات ذات فعالية أكبر. ومن جانبه، أكّد القيادي في جبهة الإنقاذ المحظورة (الفيس) الشيخ الهاشمي سحنوني أن وزير الدولة ومدير ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى وجّه له دعوة للمشاركة في مشاورات تعديل الدستور المزمعة شهر جوان القادم، وأنه مستعدّ للانخراط فيها ل (الدفع على الأقل بملف المصالحة والعفو الشامل). وذكر الشيخ الهاشمي سحنوني في تصريح لموقع (الحدث الجزائري) أنه سيشارك في المشاروات بناء على ما يمليه ضميره دون أن يتّصل بأحد من رؤوس الحزب المحلّ على رأسهم الشيخ عباسي مدني ونائبه علي بن حاج ويقول: (لم أتّصل ببن حاج، أمّا عباسي فلن أكلّمه، استشرت بعض الإخوة المؤسّسين للفيس ونصحوني بالمشاركة) لكن دون أن يذكر أسماء هؤلاء، ويضيف: (ماذا سيستفيد الحزب المحلّ في حال لم أشارك؟ مشاركتي قد تفيد في الدفع بملف المصالحة الوطنية والعفو الشامل). سلطاني: "مسودة الدستور سقفها منخفض" اعتبر أبو جرة سلطاني العضو القيادي في حركة مجتمع السلم ورئيسها السابق، أن مسودة الدستور لم تقدّم أيّ تصوّر لنظام الحكم وأن سقفها منخفض جدّا. وجدّد سلطاني في تصريح ل (أخبار اليوم) قوله إن محتوى مسودة الدستور يغلب عليه الطابع ولا يصل، برأيه، إلى طموح الطبقة السياسية بصفة خاصّة ومستقبل الشعب الجزائري ككل. حديبي: "السلطة لا تثق في المعارضة" طالب محمد حديبي المكلّف بالإعلام في حركة النهضة بضمانات حوار (باعتبار السلطة غير مقتنعة في ذاتها بضرورة الحوار مع المعارضة)، مؤكّدا أن السلطة لم توفّر شروط برلمنة حوار حقيقي، معتبرا أن النّظام يمتلك سوابق سلبية في الحوارات الماضية التي أقيمت مع الأحزاب المعارضة والمشكّكة في أيّ عمل تقوم به المعارضة، على حد تعبيره. كما اقترح ذات المتحدّث لإثراء مسودة الدستور تحديد طبيعة نظام الحكم في البلاد، إضافة الى تحديد استقلالية القضاء والتوازن والفصل بين السلطات، مؤكّدا أن المعارضة تحتاج إلى التعريف بمحلّها من الإعراب في البلاد كحقّ دستوري وتكريس حرّية التعبير والصحافة وتوسيع رقابة البرلمان مراقبة فعلية وليس شكلية، على حد قوله. نعيمة صالحي: "مسودة الدستور فارغة" قالت نعيمة صالحي رئيسة حزب العدل والبيان إنها تفاجأت بفحوى مسودة الدستور بعدما توقّعت أن يمسّ الجوهر الحقيقي والمواد التي تعالج الأزمة السياسية والانسداد المؤسساتي. كما اعتبرت ذات المتحدّثة أن المسودة تتميّز بالسطحية ولا تعدو كونها تعديلا جزئيا محصورا في أمور تقنية لا تمتلك تأثيرا عدى المادة 74. وأكّدت نعيمة صالحي أن المواقف تعدّدت وتبقى متباينة بين الأحزاب المعارضة، منها التي ترى أن المقاطعة هي الحلّ الوحيد والأوحد، منتقدة في ذات الوقت مقاطعة المشاورات باعتبارها تعبّر عن انسداد سياسي يؤدّي إلى سقوط البلاد في منعرج سياسي خطير. كما قسّمت صالحي المحسوبة على التيّار الإسلامي المعارضة إلى قسمين، منها الوفية للوطن المبنية على أساس مبدأ واحد غير قابل للتغيير، إضافة إلى معارضة متغيّرة لا تملك أهدافا، بل تخدم مصالحها من الجهة التي ترى فيها منفعة، معتبرة هذا النّوع من المعارضة بالإقصائي ويمسّ بكرامة الطبقة السياسية ويصعب التعامل معها. كما صنّفت ذات المتحدّثة حزب العدالة والبيان بالحزب المعتدل الذي يتعامل مع الظرف المعيش، قائلة إن السلطة الفعلية واقع ويجب التعامل معه غير قابل للتغيير إلاّ من اختار التغيير بلغة السلاح أو القطيعة أو التعايش السلمي والحوار محبّذة هذا النّوع باعتباره معارضة عقلانية. في مقابل ذلك انتقدت نعيمة صالحي مسودة الدستور باعتبارها لا تخدم المعارضة وإنما يبقى النّظام مسيطرا بصفة كبيرة على أساسيات الدستور، قائلة إن السلطة في حال لم تراع مشاورات ولم تأخذ بعين الاعتبار آراء ومشاورات المعارضة فإنها حتما ستؤدّي -حسب ذات المسؤولة- إلى عجزها في التكفل بالأمني والتهديدات الخارجية التي تتربص بالجزائر على وجه الخصوص والعالم الاسلامي عامة من قبل أمريكا وفرنسا.