هكذا وُلدت أم الجمعيات.. وهؤلاء هم رؤساؤها قالوا أنها لم تُشارك في الثورة التحريرية المجيدة... وأنها تدّعي البطولة...، قالوا أن مؤسسيها وأبناءها دعاة اندماج لم يطالبوا بالاستقلال... راضون بالاستعمار... ومستعدون للعيش تحت وطأته... ولكنهم على الأرجح لم يفهموا الأبعاد السامية للنضال الفكري والتربوي الذي كانت تقوده جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لم يفهموا حقا الشيخ البشير الابراهيمي حين قال: (لا يمكن أن يتحرر بدن يحمل عقلا عبدا)، ولا الشيخ عبد الحميد بن باديس لما قال أن (الجزائر ليست فرنسا ولا تريد أن تكون فرنسا ولا يمكن أن تكون فرنسا ولو أرادت)، نسوا شعارات الجمعية (الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء)، (الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا).إنها جمعية العلماء المسلمين.. حارسة الثوابت التي تحدت دُعاة فرنسة الجزائر سابقا، وتتحدى العلمانيين والتغريبيّين اليوم.. هي (خير جمعية أُخرجت للناس) هكذا قال الدكتور عبد الرزاق قسوم في كلمة له بعد انتخابه رئيسا للجمعية، تأسست سنة 1931 بنادي الترقي في العاصمة وضمّت آنذاك 12 عضوا إلى جانب رئيسها الشيخ عبد الحميد بن باديس، ولعبت الجمعية منذ تأسيسها دورا بالغ الأهمية في الحفاظ على الثقافة العربية ونشر التعليم العربي الإسلامي في وقت كادت أن تندثر فيه الثوابت الوطنية، حيث عملت على إحياء الثقافة العربية الإسلامية في الجزائر وبعث التاريخ العربي الإسلامي وتوجيه الشعب الجزائري إلى وجهة وطنية تتعارض تعارضا كاملا مع سياسة الاحتلال إلى جانب إعداد طبقة من المثقفين كانوا عمدة لنهضة الجزائر قبل الاستقلال، وجنودها في معركة التحرير، وبُناتها بعد الاستقلال، أوقفت الجمعية سنة 1963، لتعود إلى النشاط مرة أخرى سنة 1992 بموجب قانون الجمعيات. رجال صنعوا تاريخ الجزائرخلال نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين برزت بعض الوجوه المميّزة التي عملت من أجل هدف واحد هو الاستقلال ونهج واحد هو تحرير العقول قبل الأبدان حاملين شعار (الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا)، ورغم جوانب التطابق هذه إلا أن كل شخصية تميزت عن غيرها بميزة قد لا تجدها في البقية وهو ما جعل أركان العدو تتزلزل لمجرد سماع اسم الجمعية، ليستنفر جهوده من أجل القضاء عليها بالرغم من أنها حافظت على الطابع السلمي في النضال وركزت على محاربة البدع والخرافات ونشر التعليم على أوسع نطاق. ابن باديس.. إمام الجزائرهو مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأول رئيس لها وأحد أبرز أعمدة الدعوة والنضال في الجزائر ولد سنة 1889 بمدينة قسنطينة في أسرة عرفت بإنجاب العلماء، لقب بإمام الجزائر كونه أول من قاد الحرب ضد الجهل والبدع والخرافات التي كانت سائدة خلال الحقبة الاستعمارية، اختار الشيخ طريقته المميّزة في كفاح الاستعمار الفرنسي، فانطلق في الدعوة وأخذ يُلقي الدروس في المساجد متنقلا بين مدن الجزائر مُواجها خطر الصوفية والطرقية أهل البدع والعمالة من جهة وخطر المستعمر المستبد من جهة أخرى، وأصدر خلال نشاطه جريدة المنتقد في عام 1926 ثم مجلة الشهاب، ليعمل بعد ذلك على توحيد صفوف العلماء من خلال تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، حيث ركزت على تصحيح عقائد الأمة الجزائرية التي فسدت باعتقادات الصوفية وتربية النشئ تربية إسلامية صحيحة إلى جانب العناية باللغة العربية.ولعلّ أهم ما مميز نهج الشيخ بن باديس في حربه ضد الاستعمار الفرنسي هو تركيزه على بناء الفرد وتحرير العقول قبل الأبدان مبتعدا عن المهاترات الحزبية التي أرادها الاستعمار ليضمن بقاءه، تُوفي الشيخ ابن باديس سنة 1940 ليخلفه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي. البشير الابراهيمي.. أمير البيانيعتبر الشيخ محمد البشير الإبراهيمي من بين أبرز أعلام الفكر والأدب في العالم العربي ومن مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأحد أبرز أعضائها الفاعلين فهو رفيق النضال للشيخ عبد الحميد ابن باديس في قيادة الحركة الإصلاحية الجزائرية، ونائبه ثم خليفته في رئاسة الجمعية، لقبته الصحافة العراقية ب(أمير البيان) لدى استقبالها له في بغداد، ولد سنة 1889 بولاية برج بوعريريج، تبنى فكرة تحرير الشعوب العربية من الاستعمار، وتحرير العقول من الجهل والخرافات ونشط على ضوئها، بعد تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين انتخب الشيخ ابن باديس رئيسًا لها والبشير الإبراهيمي وكيلاً، وتقاسم أقطاب الحركة الإصلاحية المسؤولية في المقاطعات الجزائرية الثلاث، فتولى الشيخ الابراهيمي مسؤولية تلمسان العاصمة العلمية في الغرب الجزائري ونشط فيها بشكل واسع، حيث كان يلقي عشرة دروس في اليوم الواحد، يبتدئها بدرس الحديث بعد صلاة الصبح، ويختمها بدرس التفسير بين المغرب والعشاء، ثم ينصرف بعد الصلاة الأخيرة إلى بعض النوادي الجامعة ليلقي محاضرات في التاريخ الإسلامي، كما كانت له جولات في القرى أيام العطل الأسبوعية، اختاره أعضاء الجمعية لخلافة الشيخ عبد الحميد ابن باديس بعد وفاته، ولبث على رأس جمعية العلماء إلى حين إيقاف نشاطها سنة 1963 وتوفاه الله بعد سنتين. الطيب العقبي.. الإصلاحي الثائرعرف الشيخ الطيب العقبي بثورته ضد الطرقية وما كانت تنشره من خرافات وبدع في أوساط المجتمع وطبقاته البسيطة، ولد سنة 1890 بمدينة بسكرة، وهاجر رفقة عائلته إلى الحجاز وعمره ست سنوات وهناك نشأ وترعرع، وفي سنة 1920 عاد إلى الجزائر ورفع لواء الإصلاح من بسكرة مُحاربا البدعة والخرافة والتدجيل، وأنشأ هناك جريدة الإصلاح، كان من بين مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأحد أعضاء مكتبها الإداري الدائم، أوكلت إليه مسؤولية عمالة العاصمة فعمل على الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك وإحياء السنن والاجتهاد والدعوة للاجتماع وتوحيد الكلمة وتحرير الإنسان قبل تحرير الأرض.لما جاءت الحرب العالمية الثانية سنة 1936 طلب من جمعية العلماء أن تقدم برقية شواهد الولاء والإخلاص للحكومة حفاظا منه على الجمعية حتى لا يقضى عليها في الحرب، ولكن اقتراحه رفض من طرف الأغلبية، فاعتزل الجمعية، وتقلصت حركته وسمعته، ولازم بيته وناديه إلى أن توفاه الله سنة 1960 في خضم حرب التحرير المباركة. العربي التبسي.. الفقيه الشهيدولد الشيخ العربي التبسي سنة 1895 بمدينة تبسة، بدأ نشاطه الدعوي في مسقط رأسه، وذلك في مسجد صغير بالمنطقة وصار يتنقل بين عدة مساجد لإلقاء دروسه هربا من مضايقات المستعمر الفرنسي بسبب محاربته للطرقية والبدع والخرافات التي كانت منتشرة آنذاك، وكان الشيخ ممن هيّأوا الأجواء لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من خلال مجموعة من المقالات نشرت له في الشهاب ومن أصرحها ذلك المقال الذي نشره سنة 1926 تحت عنوان (أزفت ساعة الجماعة وتحرم عصر الفرد)، أسس (مدرسة تهذيب البنين والبنات) بتبسة والتي بلغ عدد تلامذتها عام افتتاحها 1934، 500 تلميذا، وفي سنة 1935 تم تعيينه كاتبا عاما للجمعية خلفا للعمودي كما كان رئيس لجنة الفتوى فيها ثم عين سنة 1940 نائبا لرئيس الجمعية الجديد الشيخ البشير الإبراهيمي، وأشرف سنة 1942 على نشاط جمعية التربية والتعليم، وفي سنة 1947 تولى إدارة معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة وبقي على رأسه إلى يوم غلقه سنة 1956، ذهب إلى فرنسا رفقة الابراهيمي سنة 1950 وطالب بتحرير التعليم في الجزائر، ترأس جمعية العلماء المسلمين نيابة عن الشيخ البشير الابراهيمي بعد رحيله إلى المشرق إلى حين إيقاف نشاطها سنة 1963، اختطف من منزله سنة 1957 وأعدم. * عن موقع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة 105)فهي جمعيّةٌ لَيْسَت بَدِيلاً لأَحدٍ من النّاس أو جِهَةٍ ولا منافسة لغيرها من القوى الاجتماعية العاملة -رسميّة وشعبيّة -، وإنّما هي مُثَّمّنَةٌ لكُلّ جُهْدٍ ناجِحٍ مُكَمّلةٌ له ومُكْتَمِلَةٌ به.جَمْعِيَّةٌ إسلامِيَّةٌ في سَيْرهَا وأَعْمَالِهَا، جَزَائِريَّة في مَدَارِها وأَوضَاعِها، عِلْميَّةٌ في مَبَدئها وغايتها، أُسّسَت لغرض شريف، تَسْتَدْعِيهِ ضَرُورَةُ هذا الوَطن وطبيعةُ أهلِهِ، تحقيقًا للتَّنْمية وتحصينًا للاستقلال في جميع المجالات وعلى كُلّ الأَصْعِدة.أُنْشِئَتْ جَمْعِيَّةُ الْعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْجَزَائِرِيّينَ سنة 1931م استجابةً لنداء الله سبحانه (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران 104]، وتفاعلا مع حاجة الأمة الحضارية، وتسجيلا للحضور الإسلامي المستقل على المستوى الدولي، عندما فَقَدت الأمَّةُ آخر معاقلها المُؤَسَّسَاتِيَّة بسقوط الخلافة الإسلاميَّة.والجزائريّين؛ لأَنَّهَا جَزَائِريَّةُ المَنْشَأِ والحَرَكَةُ، وهي وإن كانت تؤمن بالمصير المشترك بين أطراف الأُمَّةِ الإسْلامِيَّة وأهدافها، إلا أنّها تعتقد أنَّ واجبات الأمَّة مُوزَّعَة على أطرافها كُلٌ حَسْبَ قُدراتِه وإمكاناتِه، ولكنَّ ثِمَارها تَعُودُ على الجميع بالخير.والمُسْلِمِين، لربطها بمخزونها العَقَدي وامتدادها الطَّبيعيّ العربيّ الإسلاميّ، وفصلها عن مركزيَّة الغرب وغاياتِه الاستعماريَّة، ولذلك اتَّخَذَت لنفسها شِعَار (الإسْلاَمُ دِينُنَا والعَرَبيَّةُ لُغَتُنَا والجزائر وطننا).والعُلَمَاء اعتقادا من روادها الأوائل، أَنَّ عَمليَّة الإصلاح والتَّغْيِير تَبْدَأُ دائماً من نَخْبِ المُجْتَمَعِ وقِيَاداتِه الفِكْرِيّة والثّقَافِيَّة، وتَتَمَدَّدُ في ساحات المجتمع بفضل جُهودِ المُصْلحينَ العَامِلينَ.فَهِي جَمْعِيَّةٌ لتمَيُّيزها عن الأحزاب والنّقابات، إذ لا يُوجد في القوانين الوضعيّة المتاحة، غَيرَ هذه التَّسْمِيَّات.نَحْنُ حَرَكَةٌ دَعَوِيَّةٌ إِسْلَامِيَّةٌ، أَطْلَقَ عليها مؤسّسُوها الأوائِل اسْمَ (جَمْعِيَّةُ الُْعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيّينَ)، هكذا تسميةٌ مشكّلةٌ من أربَعِ مفردات. هكذا تعرّف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين نفسها=== الشيخ عبد الرزاق قسوم: ولد عام 1933 بمدينة وادي سوف، انتخب رئيسا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن شيبان ولا يزال على رأسها إلى اليوم، له مجموعة من الكتب القيمة منها كتاب تحت عنوان (عبد الرحمن الثعالبي والتصوف)، وكتاب (مفهوم الزمن في فلسفة أبي الوليد بن رشد)، (نزيف قلم جزائري)... الشيخ علي مغربي: ترأس الجمعية لفترة وجيزة دامت بضعة أشهر ريثما تم التحضير لانتخابات جديدة انتخب فيها الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيسا جديدا للجمعية. الشيخ عبد الرحمن شيبان: ولد في 23 فيفري 1918 بولاية البويرة، تولى رئاسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وإدارة جريدة البصائر الأسبوعية، لسان حال الجمعية منذ سنة 1999 م إلى غاية سنة 2011، عمل على إعادة بعث الجمعية وهيكلتها على المستوى الوطني من خلال تأسيس الشعب الولائية وحث الشباب على الانضمام إلى الجمعية، توفي بتاريخ 12 أوت عن عمر يناهز 93 سنة. الشيخ أحمد حماني: ولد بتاريخ 6 سبتمبر 1915 بمدينة جيجل، تولى رئاسة جمعية العلماء المسلمين بعد أن استأنفت نشاطها سنة 1992 إلى جانب إدارته لجريدة (البصائر) وبقي على رأس الجمعية إلى غاية سنة 1999، توفي في 29 جوان 1998 مخلفا آثارا قيمة منها كتاب (الإحرام لقاصدي بيت الله الحرام) وكتاب (صراع بين السنة والبدعة) وكتاب (فتاوى الشيخ احمد حماني).... الشيخ محمد البشير الابراهيمي: من أبرز أعلام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وثاني رؤسائها ولد بتاريخ 14 جوان 1889 في قرية رأس الوادي بمدينة برج بوعريريج خلف الشيخ عبد الحميد بن باديس في رئاسة الجمعية بعد وفاته إلى غاية سنة 1963، حيث أوقف نشاطها، عرف بنبذه للجهل والخرافات، وتوفي بتاريخ 20 ماي 1965 تاركا عدة مؤلفات منها كتاب النقابات والنفايات في لغة العرب، رواية كاهنة أوراس، الملحمة الرجزية في التاريخ.... الشيخ عبد الحميد بن بايس: هو مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأول رئيس لها ولد بتاريخ 4 ديسمبر 1889 بمدينة قسنطينة، بقي على رأس الجمعية منذ تأسيسها سنة 1931 إلى حين وفاته سنة 1940 ليخلفه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي من آثاره كتاب العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكتاب مبادئ الأصول إلى غير ذلك من المؤلفات إلى جانب مجموعة من الأشعار الوطنية الخالدة من بينها اشهدي يا سما، شعب الجزائر مسلم.....رؤساء الجمعية: