تقوم العائلات الجيجلية في الأيام القليلة التي تسبق حلول شهر رمضان الكريم بالعديد من الممارسات المرتبطة بروحانية المناسبة وقيمتها، وكذلك عادات وتقاليد شعبية لها تتجلى في مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية مثلما هو بالنسبة لعادة زيارة العروس لأهلها التي تميز طريقة استقبال شهر الصيام لدى العائلات بمنطقة جيجل. حسيبة موزاوي بحيث لازمت تلك العادات العديد من العائلات ولم تعد حكرا على العائلات الجيجلية بل سطت تلك الأعراف الإيجابية إلى كامل الأسر الجزائرية المعروفة بسعيها إلى تقوية روابط المحبة والإخاء، ورغم اختلاف المظاهر إلا أن الهدف هو واحد يتجسد في لم شمل العائلات وعيش أجواء رائعة تبقى في الذكرى. "فسحة العرايس" عرف ملزم قبيل الشهر الفضيل ومن بين ميزات هذه العادة في منطقة جيجل عادة (فسحة العرائس) والتي تعني قيام البنات المتزوجات حديثا بزيارة ذويهن وقضاء فترة تتراوح بين 3 إلى 7 أيام في حضن العائلة، وتعني هذه الزيارة أنه لن تستطيع هذه البنت زيارة عائلتها خلال شهر رمضان نظرا للالتزامات العائلية والأشغال المرتبطة بشهر الصيام والتي لن تسمح لها بالقيام بزيارة أهلها، وتتميز هذه الزيارة التي تقوم بها الفتاة المتزوجة إلى ذويها بكونها عامة لدى كل الأسر حتى وإن راحت (تندثر) في السنوات الأخيرة لتغيير نمط الحياة عند الأسرة الجيجلية التي كانت تحيي في شهر شعبان طقوسا خاصة ارتبطت بمفهوم العائلة الكبيرة، حيث كانت الأخوات وبنات الأعمام يخططن لهذا الموعد مسبقا من أجل الالتقاء في نفس التوقيت وعدم تفويت فرصة الاجتماع سويا ما يمكنهن من استرجاع ذكريات أيام الطفولة. حمام "الهنا" .. ربط الحناء وكسوة جديدة إنها طقوس منطقة جيجل والتي لا يمكن الحديث عنها دون التطرق إلى تفاصيلها، وتشمل هذه الطقوس تخضيب أيدي وأرجل الفتاة القادمة إلى بيت ذويها بالحناء وتخصيص سهرات عائلية على وقع أكلات تقليدية على غرار (الرشتة) و (الكسكسي) وصولا إلى قعدة الشاي ب(المقروط المعسل) تمهيدا لسهرات رمضان. كما تستفيد الفتاة التي تزور أهلها من (حمام الهنا)، كما يتعارف على تسميته باللهجة الجيجلية حيث تكون الوجهة إلى الحمامات الشعبية أمرا لا بد منه، ولا يمكن للفتاة المتزوجة حديثا بالخصوص العودة إلى منزل زوجها دون أن تكون قد توجهت نحو الحمام مع شقيقاتها أو دون كسوة جديدة تحرص الأم على أن تحضرها لها لتعود إلى عش الزوجية في أبهى حلة. كما تكون هذه العادة مناسبة أخرى لوالدة العروس يتوجب عليها فيها أن تحضر لابنتها ما أمكنها من أجود أنواع الحلوى وأشهاها تأخذها إلى عائلة الزوج ويمكن أن تشمل هذه الحلويات أصنافا تقليدية على غرار (السفنجط) و(المعارك). عادات راسخة تقاوم تيارات العصرنة تتشبث الكثير من العائلات الجيجلية بهذه العادة الجميلة المرتبطة بأصالة ماض جميل تحن إليه القلوب، في حين وجدت عائلات أخرى نفسها مرغمة على تجاوز هذه العادة التي يرى فيها البعض تقليدا غير ضروري ومدعاة لمصاريف إضافية تثقل كاهل العائلة التي تجد نفسها مضطرة إلى تكييف ميزانيتها مع هذا الحدث لاسيما منها العائلات التي تكون لها أكثر من بنت متزوجة. كما هناك وجهة نظر أخرى تقول إن عادة زيارة الفتاة لبيت أهلها كانت في الماضي فرصة للسيدات لزيارة ذويهن لأنهن لم يكن يتمكن من ذلك في غالب الأحيان لقلة وسائل النقل في حينها فيما تتوفر اليوم هذه الوسائل التي تسمح للسيدة بزيارة أهلها في كل وقت وحين، بالإضافة إلى وجود وسائل الاتصال على غرار الهاتف النقال لمعرفة أدق التفاصيل عن أخبار العائلة مما يلغي حميمية اللقاء مع الأخوات والأم وباقي أفراد العائلة في نفس الوقت. وبالمقابل هناك من يتمسك بهذه العادة لما ترمز إليه من أصالة لا يمكن أن تغيب بين عشية وضحاها أو حتى مع مرور الأيام والسنين، وذلك لارتباطها الوثيق (بممارسات مجتمع بأكمله يعتز بتقاليده). وحتى وإن أدخلت بعض التغييرات التي تتماشى مع متطلبات هذا الزمن تبقى المناسبة من أجل الالتقاء والاجتماع في بيت الأسرة بشكل يعزز من روابط المحبة والمودة. وتبقى هذه العادة في كل الأحوال تذكر بمظاهر تفننت فيها الكثير من العائلات سواء بمنطقة جيجل أو بغيرها من المناطق للإبقاء على صلة الرحم وتنظيم علاقات التلاقي والاجتماع بين أفراد الأسرة حسب كل ظرف.