الحب ليس كلمات تتردد على الألسن، بل هو أفعال ومواقف ..فذكر الله المودة ما بين الزوجين فى قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) 21-الروم ..كما ذكر في السيرة النبوية عن السيدة عائشة المعاني الحقيقية للحب والمودة ما بين الزوجين.. فالحب: o هو إحسان الظن بمن تحب. o هو التماس العذر لمن تحب. o هو أن ترى تصرفات من تحب أعمالاً تستحق أن تفتخر بها، حتى لو كانت تافهة. o هو أن ترتسم الابتسامة على وجهك حينما تأتي سيرة من تحب، ولا تجد في قلبك سوى كل حب لهم، رغم الاختلاف بينكم في الرأي والطباع والمواقف. o هو أن تسعد لسعادة من تحب، حتى لو كان ما يسعدهم يخالف ما يسعدك. o هو أن يظهر الحب في كلماتك حينما تتحدث عنهم، فيرى الناس محبتك لهم، فيحبونهم. o هو أن تكون أول مَن يدافع عنهم حينما يسيء أحد إليهم، وإن لم يكونوا موجودين، فيعلم مَن حولك أن الإساءة إليهم هي خط أحمر، لا ينبغي لهم تعديه.
هذا هو الحب الحقيقي.
وما دون ذلك فهو حب زائف، سراب.
كيفية إظهار الحب والمداومة عليه: انتشر مؤخرًا الكثير من الوسائل للتعبير عن الحب وتجديده؛ كالذهاب في نزهة فخمة، أو شراء هدية فاخرة، أو ربما التجهيز لليلة لا تنسى، وهذه كلها رغم تميزها ورونقها، فإنه يصعب تحقيقها أحيانًا، والمداومة عليها؛ لما فيها من التكلفة، والتكلف، ومحاولة الخروج عن المألوف، وكثيرًا ما يكون تأثيرها وقتيًّا. فالحب يمكن التعبير عنه بأبسط الأساليب، وفي الوقت نفسه يكون له تأثير عميق في النفس، وأسوتنا في ذلك نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم.
الحب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: رغم بساطة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وانشغاله الشديد، فإن حياته مع أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن تميزت بالحب الراقي البسيط في مواقف الحياة المختلفة، التي تعتبر أسوة لكل الأزواج والزوجات؛ فمن تلك المواقف على سبيل المثال لا الحصر: - اهتمامه بمشاعر زوجاته، وتفهمها: فتهتم الزوجة بمعرفة وقت ضيق زوجها وغضبه، من خلال كلماته ونظراته، ويهتم الزوج بالتعرف على مشاعر زوجته من خلال همساتها وحركاتها. فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى))، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: ((أما إذا كنت عني راضية؛ فإنك تقولين: لا، وربِّ محمد، وإذا كنت غضبى، قلت: لا، وربِّ إبراهيم))، قالت: قلت: أجل، والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك[1].
- تفهمه لغيرة زوجاته وتعامله معها بحكمة: الغيرة هي دليل حب وترابط روحي بين الزوجين، وتحتاج إلى شيء من الحكمة والصبر، مع البعد عن اللوم والعتاب والمحاسبة، كما أنها تحتاج لعناية خاصة لو صدرت من الزوج، مع حكمة شديدة؛ لتستطيع الزوجة أن تمتص مشاعره، وتُطمئن باله. فقد رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان عند بعض نسائه، أرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصَحْفَة فيها طعام، فضربت التي النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بيتها يدَ الخادم، فسقطت الصحفة، فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: ((غارت أمُّكم))، ثم حبس الخادم حتى أُتِيَ بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرَتْ صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرَتْ[2].
- إظهاره محبته ووفائه لزوجاته: إظهار الزوجة استعدادها لتقديم كل ما من شأنه أن يسعد زوجها ويرضيه، وكذلك الزوج مع زوجته، ومن أشهر القصص حديث أم زرع الطويل، وفي نهايته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((كنْتُ لكِ كأَبِي زرعٍ لأمِّ زرعٍ))[3].
- ترخيم الاسم عند مناداتها من باب التودد والتحبب: فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا عائشُ، هذا جبريلُ يقرئكِ السَّلامَ))، فقلتُ: وعليه السَّلامُ ورحمة الله وبركاتُهُ[4]. - التنزه معها، والتحدث إليها: والحب لا يقتصر على القرب الجسدي، والكلام العاطفي، بل يشمل - أيضًا - قضاء بعض الوقت معًا؛ للتسامر في جو جميل؛ كالسير في الهواء الطلق، أو الجلوس في الشرفة أو البلكونة، أو الجلوس على سطح المنزل في الهواء. وروى مسلم أنه كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ إذا كان بالليلِ، سار مع عائشة، يتحدثُ معها[9].
- التودد لمن تحب، ومهاداة أحبابهم: كلما كان الحب أعمق زاد التودد، حتى بعد وفاة من تحب، والتودد بعد الوفاة: منه الإحسان للمقربين من الزوج أو الزوجة، والسؤال عنهم دومًا. كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ إذا ذبح الشاة يقول: ((أرسِلوا بها إلى أصدقاءِ خديجة))[10].
- المدح والثناء عليها: الحب يجعلك ترى أعمال حبيبك عظيمة، حتى لو كانت أمورًا تافهة، ويتم ترجمة ذلك من خلال المدح والثناء؛ مدح طبيخ الزوجة، ومدح مساعدة الزوج، ومدح ترتيب الزوجة للبيت، ومدح تلبية الزوج للطلبات، وغيرها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فَضْل عائشة على النساءِ كفضلِ الثريدِ على سائرِ الطعامِ))[11].
- الفرح لفرحها: فلكل إنسان اهتمامات تُسعده إن حققها، وتسعد مَن حوله؛ لحبهم له، وسعادتهم من أجله. رُوي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالبناتِ عندَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ، قالت: وكانت تأتيني صواحبي، فكُنَّ ينقمعْنَ من رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ، قالت: فكان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يُسرِّبُهُنَّ إليَّ[12].
- الإفصاح عن حبه لها: الحب لا هو محرَّم، ولا عيب، ولا هو ضعف حتى يخفيه الإنسان، إلا إذا خشي من العين، فمن حق الزوجة أن تُصَرِّح عن حبها لزوجها أمام الناس، ومن حق الزوج أن يُصَرِّح بحبه لزوجته أمام الناس. فقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم عن مشاعره تجاه أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها قائلاً: ((إني قد رُزِقْتُ حُبَّها))[13]. وقد روي أنَّ عمرو بن العاص سأل رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم، فقال: أيُّ الناسِ أحَبُّ إليك؟ قال - أي: النبي -: ((عائشة))[14].
- يحب ويحترم أهلها: مما يتقرب به الزوجان لبعضهما البعض أن يقوم كل من الزوج والزوجة بالإحسان إلى أهل الآخر، والصبر على سوء معاملتهم، مع احترامهم، والتودد إليهم. روي عن عمرو بن العاص أنه أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أيُّ الناسِ أحَبُّ إليك؟ قال - أي: النبي -: ((عائشة))، قلتُ: مِنَ الرجالِ؟ قال: ((أبوها))[18].
- لا ينتقصها وقت الأزمات: كثيرًا ما تمر بنا مواقف حرجة شائكة بسبب الإشاعات وغيرها، وهنا وَجَبَ الصمت حتى يتقين الزوج أو الزوجة من هذا الاتهام. ففي حادثة الإفك رغم بشاعة ما قيل وفتنة المسلمين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحدث مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولم يلومها، ولم يتهمها، ولم ينتقص منها، ولم يُشعرها بما حدث، منتظرًا أن يتيقن من صحة أو افتراء ما قيل. فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: فَقَدِمْنَا المَدِينَة، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْه حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ، فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: ((كَيْفَ تِيكُمْ؟))، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي، وَلا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ[19].
- يراعيهن وقت المرض: وقت المرض من أكثر الأوقات التي يحتاج فيها الإنسان لقرب من يحب ومساندته؛ للحصول على الدعم النفسي والاهتمام. عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ إذا مرض أحدٌ من أهلِه، نفثَ عليه بالمعوِّذاتِ، فلما مرِض مرضَه الذي مات فيه، جعلتُ أنفثُ عليه، وأمسحُه بيدِ نفسِه؛ لأنها كانت أعظمَ بركة من يدي[20]. كل ما سبق ما هو إلا قطرة من غيث من المواقف الحياتية الكثيرة التي تُعين على تجديد المحبة والمودة والرحمة بين الزوجين بأبسط الأساليب والطرق. كل ذلك مع الاستعانة بالله، وتجديد النية بأن يكون ذلك الحب خالصًا لله عز وجل، وقربة إليه، فيتحول من متعة دنيوية إلى عبادة يؤجر عليها الزوجان، ويتقربان بها إلى الله عز وجل، مهما كان العمل بسيطًا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرَنَّ من المعروفِ شيئًا، ولو أن تلقَى أخاك بوجه طلْقٍ))[21]. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يؤلف بين قلوب الأزواج، ويعمر حياتهم بالحب والمودة والرحمة.