الحكيم الذي يخاطب البشر بما يناسب طبائع البشر ويعرض في هذه السورة جوانب منها صادقة باقية نجد مصداقها في كل جيل. والحكيم الذي ينبه الغافلين إلى تدبر آيات الله في صفحة الكون وتضاعيفه. في السماء والأرض. وفي الشمس والقمر. وفي الليل والنهار. وفي مصارع القرون الأولى. وفي قصص الرسل فيهم. وفي دلائل القدرة الكامنة والظاهرة في هذا الوجود. ويأخذ السياق في عرض عدة أمور تبدو فيها الحكمة التي أشير إليها في وصف الكتاب. من الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لينذر الناس ويبشر المؤمنين والرد على المعترضين أن يوحي الله إلى بشر. إلى خلق السماوات والأرض وتدبير الأمر فيهما . إلى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وتقدير منازل القمر ليعلموا عدد السنين والحساب. إلى اختلاف الليل والنهار وما فيه من حكمة وتدبير. ويتطرق من عرض هذه الآيات الكونية إلى الغافلين عنها الذين لا يرتقبون لقاء الله مدبر كل شيء وما ينتظر هؤلاء الغافلين من سوء المصير، وما ينتظر المؤمنين في الجانب الآخر من نعيم مقيم. ويسجل حكمة تأجيل المصير إلى يومه الموعود وعدم تعجيل الشر للناس كما يستعجلون هم الخير في هذه الدنيا ولو عجل لهم بالشر كما يستعجلون بالخير لانتهى الأجل وأخذوا بذنوبهم دون إمهال. ومن ثم وصف لطبيعة البشر في تلقيهم للشر والخير. وضراعتهم إلى الله عند مس الأذى ونسيانهم له عند كشف الضر. ولجاجهم فيما كانوا من قبل فيه دون اعتبار بالقرون الخالية التي سارت في الطريق ذاته ولقيت مصارعها في ذلك الطريق! ومع أن مصارع الغابرين كانت واضحة للعرب الذين يدعوهم الرسول صلى الله عليه وسلم فإن المكذبين كانوا يطلبون إلى الرسول أن يأتي لهم بقرآن غير هذا القرآن أو يبدل بعضه، غير متدبرين ولا مدركين أن القرآن من عند الله وأن له حكمة ثابتة فهو لا يقبل التبديل. وهم يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم دون استناد إلى شيء ويتركون عبادة الله وحده وهي تستند إلى وحي من الله. ثم يطلبون خارقة من الخوارق غير ناظرين إلى آية الله الواضحة في القرآن، غافلين عن آياته المعجزة في تضاعيف الكون. ثم عودة إلى طبيعة البشر في تلقي الرحمة والضر. وعرض نموذج حي من هذه الطبيعة في مشهد من المشاهد النابضة المتحركة المؤثرة. في ركوب البحر عندما تسير الفلك في أول الأمر رخاء ثم تعصف بها الريح ويأتيها الموج من كل مكان. ومشهد آخر يمثل غرور هذه الحياة الدنيا وبريقها ولألاءها الذي ينطفئ في لحظة وأهلها مأخوذون بزخرفها غافلون عن المصير الخاطف المرهوب.. ذلك والله يدعو إلى دار السلام. دار الأمن والاطمئنان. الدار التي لا خوف من أخذها على حين غرة.. (كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون).. ويدركون حكمة الله في الخلق والتدبير. ويقول د. فاضل السامرائي في تناسب مفتتح سورة يونس وخواتيمها: سورة يونس أولها قال (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)) وفي خواتيمها قال (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)) بدأ بالإنذار والتبشير (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا) وختم بهما (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) في الآية الأولى أمره (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا) إذن أمره بالإنذار والتبشير وفي الخواتيم يعلّمه كيف يُنذر (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ). كيف أنذرهم؟ قل لهم (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) توضيح لما بدأه في الأول، هذا تناسب..