الوزيعة .. عادة متجذرة لمساعدة المحتاجين تشكل احتفالات رأس السنة الأمازيغية مناسبة مميزة عند الجزائريين، وهو تقويم خاص بالأمازيغ، ويطلق عليه (ينَاير) ويبدأ الاحتفال به يوم الثاني عشر من يناير، وتعني عبارة (أسقاس أمقاس) بالأمازيغية سنة سعيدة، وللاحتفال برأس السنة الأمازيغية نكهة خاصة، لدى أمازيغ الجزائر، ويتم إحياؤها بطقوس خاصة وعادات تعكس تقاليد وهوية الأمازيغ، وتختلف تسميات الاحتفالات برأس السنة الامازيغية بين (ينَاير) و(املالن)، أو (اقورارن)، بحسب اختلاف اللهجات الأمازيغية في الجزائر. حسيبة موزاوي ستطل علينا السنة الأمازيغية الجديدة 2965 حسب التقويم الأمازيغي بعد أيام قلائل، وتستعد الأسر في كامل أرجاء الوطن على قدم وساق لإحيائها في هذه السنة وفق طقوس خاصة، وتجدر الإشارة أن هذا التاريخ يرتبط لدى عدد من المؤرخين بانتصار الملك الأمازيغي شيشناق على فرعون مصر وذلك أربعة قرون قبل الميلاد، وحيكت حول الحدث أساطير تختلف من منطقة إلى أخرى ترسخت في مخيلة سكان المنطقة ككل، فمنهم من يربط العيد الأمازيغي بالعجوز التي سبت شهر يناير ولم تكترث له، وفضلت إخراج قطيع غنمها لترعاها، متحدية قوة الطبيعة، ففوجئت بعاصفة ثلجية جمدتها هي وغنمها، ومن ثمة بات ذلك اليوم يوما يُحتفى به، في تاريخ الأمازيغ، فيما تقول أسطورة ثانية إنه يحتفل به الأمازيغ ليبارك موسمهم الفلاحي لارتباطهم بأرضهم فيما جاء في أسطورة ثالثة وهي الأقرب إلى الحقيقة، حسب عدد من المؤرخين وهي انتصار الزعيم الأمازيغي شيشناق على رمسيس الثاني فرعون مصر، ورغم اختلاف أساطير يناير، إلا أن المتفق عليه هو الاحتفال في يوم واحد وهو 12 يناير. طقوس مختلفة تصب في وعاء واحد تختلف طريقة الاحتفال من منطقة إلى أخرى، غير أن القاسم المشترك يكمن في الذبح، وهناك طقوس خاصة بكل منطقة، فالسيدة خديجة، على سبيل المثال، تقول في السياق إنه حسبما جرت عليه العادة في قريتهم الواقعة بتيزي وزو، يتوجب على العائلة النحر وإسالة الدم حتى ولو كانت الذبيحة دجاجة أو ديكا فبعض العائلات تذبح ديكا عن كل رجل ودجاجة عن كل امرأة، كما تذبح دجاجة وديكا عن كل امرأة حامل، لكن بعض العائلات لا تشترط نوع الذبيحة - تضيف نفس المتحدثة - فالمهم هو أن تسيل دماء حيوان أليف باعتبار أن الأضحية تقي الناس من الأمراض، وتحصنهم من أذى العين وتبعد المخاطر عنهم طيلة أيام السنة. وحسب الحاجة فتيحة، فإن النساء خلال هذه المناسبة يقمن بإعداد أطباق متنوعة تفاؤلا بأيام مليئة بالخير والبركة، وتجنبا للمصائب وسوء الحظ، كما يعتقد البعض من كبار السن، وتشترط مائدة (يناير) طبق الكسكسي بلحم الأضحية، إضافة إلى بعض المأكولات التقليدية مثل (البغرير)، (المسمن) وخبز الشعير، وترافقها مأكولات محضرة بالخميرة تعبيرا عن أمنية تضاعف أرزاق العائلة. من شبع ليلة يناير لن يجوع طيلة السنة وفي نفس الموضوع تضيف مليكة، إنها لم تنس ليلة الاحتفال في السنة الماضية فهي متزوجة برجل من القبائل فكان أول احتفال لها في بيت العائلة، بحيث اجتمع أفراد العائلة حول مائدة (عشاء السنة) الذي أعدته حماتها، حسب التقاليد التي تشترط تحضيره من طرف كبيرة العائلة، وفي الأخير تطرح العجوز سؤالا على الجميع مفاده هل شبعتم؟.. وكما تقتضي العادة ينبغي أن يجيب كل فرد بعبارة شبعت يا يناير، وذلك حتى يكون أفراد العائلة محاطين بالأرزاق طيلة أيام السنة، فحسب اعتقادهم من شبع ليلة يناير لن يجوع طول السنة. وأثناء حديثنا إلى بعض المحتفلين بهذا اليوم وجدنا سماح، من منطقة الشرق، والتي حدثتنا عن بعض المظاهر القديمة التي تميز احتفالاتهم. وأهم ما تحرص عليه العائلات السطايفية، حسب محدثتنا، هو إعداد وجبة العشاء بسردوك عرب، لتمييز المناسبة عن الغرب، كما أن هذا الوجبة قد تكون شخشوشة أو كسكسي، كما أن الطبق الذي لابد منه هو الطمينة بالبيض الذي يشبه كثيرا الطمينة في منطقة الوسط إلا أنها تختلف في اعتماد الطبق على البيض. التراز الحاضر الأول بكل البيوت تقوم العائلات التي لديها أطفال صغار كما شرحت لنا أم كريم بوضع أطفالها في داخل قصعة كبيرة ويتم وضع الحلوى أو التراز فوق رؤوسهم حتى تكون سنة 2965 الأمازيغية سنة خير وحلاوة على الجميع، كما تحرص بعض العائلات بقرى ومداشر القبائل الكبرى على عادات جميلة ألفت عليها، على غرار حلق رؤوس الأطفال الصغار الذين لم يمر عليهم العام، في احتفالية بهيجة يحضرها كافة أفراد العائلة، مع اقتناء كسوة خاصة للطفل المحتفى به، وإلى جانب تحضير الأطباق الشهية والاحتفال مع الأطفال ما يميز كذلك الاحتفاء بيناير في الجزائر توزيع الأكل على الفقراء والمساكين في كل المناطق الجزائرية الذين لا يتمكنون من الاحتفال. ومن بين أهم العادات في الاحتفال بالعيد الأمازيغي لدى العائلات الجزائرية هي التضامن مع العائلات الفقيرة، حيث تقوم العائلات الميسورة بالتجمع في بيت واحد وجمع الأموال وتحضير الأطباق التقليدية المتمثلة في (الرشتة، وثيغريفين)، وأثناء تحضيرها تبدأ النسوة بترديد الأغاني القديمة وبعد الانتهاء يتم توزيع المأكولات في شكل حصص متساوية على الفقراء ويطلق عليها اسم (الوزيعة)، وتقام الوزيعة في مختلف أرجاء البلاد في سبيل إعانة الفقراء والمساكين.