كل المسلمين يُمَنُّون أنفسهم بمرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولكن ليس الإيمان بالتمنِّي؛ إنما هناك وسائل محدَّدة عيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم تُعطي صاحبها الفرصة الأكبر في الفوز العظيم برفقة الرسول صلى الله عليه وسلم، من هذه الوسائل كثرة السجود؛ فقد روى مسلم عن رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: (سَلْ). فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ). قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ). وروى مسلم عن مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ، قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ رضي الله عنه مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ: قُلْتُ: بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ. فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلاَّ رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً . قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه فَسَأَلْتُهُ؛ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ رضي الله عنه). والسجود المقصود هو سجود الصلاة، وكثرة السجود تعني كثرة الصلاة؛ وذلك بأداء الفروض والإكثار من النوافل، كقيام الليل، وصلاة الضحى، والسنن الراتبة، كما يشمل ذلك -أيضًا- السجود خارج الصلاة، كسجود التلاوة، وسجود الشكر، والسجود هو قمَّة الخضوع لله ربِّ العالمين، وهو الذي امتنع منه إبليس فكُتِبَت عليه اللعنة إلى يوم الدين، وهو الذي أكثرَ منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى رفع الله قدره في العالمين؛ فقد قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 217-219]. فلنحرص على هذه السُّنَّة العظيمة، ولْنتصوَّر الدرجات الكثيرة التي يرفعنا الله إليها بسجودنا.