يا نفس، إذا كانت الهداية إلى الله مصروفة، والاستقامة على مشيئته موقوفة، والعاقبة مغيبة، والإرادة غير مغالبة، فلا تعجبي بإيمانك وعملك وصلاتك وصومك وجميع قربك، فإن ذلك وإن كان من كسبك، فإنه من خلق ربك وفضله الدار عليك وخيره، فمهما افتخرت بذلك، كنت كالمفتخرة بمتاع غيرها، وربما سُلب عنك فعاد قلبك من الخير أخلى من جوف البعير، فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم، فأصبحت وزهرها يابس هشيم، إذ هبت عليها الريح العقيم، كذلك العبد يمسي وقلبه بطاعة الله مشرق سليم، فيصبح وهو بمعصية الله مظلم سقيم، ذلك فعل العزيز الحليم، الخلاق العليم. كان عامر بن عبد الله بن قيس التابعي قد جعل عليه كل يوم ألف ركعة، فلا ينصرف منها إلا وقد انتفخت قدماه وساقاه ثم يقول لنفسه: (يا نفس، بهذا أمرت، ولهذا خلقت يوشك أن يذهب العناء، يا نفس إنما أريد إكرامك غدا، والله لأعملن بك عملا حتى لا يأخذ بالحق منك نصيب، قومي يا مأوى كل سوء، فوعزة ربك لأزحفن بك زحف البعير، ولئن استطعت ألا يمس الأرض من زهمك لأفعلن، ثم يتلوى كما تتلوى الحية على المقلى، ثم يقوم فينادى: اللهم إن النار قد منعتني من النوم فاغفر لي). - وكان زياد بن زياد مولى ابن عياش يخاصم نفسه في المسجد فيقول: (اجلسي، تريدين الخروج؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد، انظري إلى ما فيه. تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان، ودار فلان؟، ما لك من الطعام يا نفس إلا هذا الخبز والزيت، وما لك من الثياب إلا هذين الثوبين، وما لك من النساء إلا هذه العجوز). - وقال الجنيد: أرقت ليلة، وفقدت حلاوة وردي، ثم اضطجعت لأنام فتمايلت حيطان البيت وكاد السقف أن يسقط، فخرجت فإذا برجل ملتف بعباءة مطروح في الطريق، فقال إلي الساعة، قلت موعد قال: بلى، سألت محرك القلوب أن يحرك قلبك، قلت قد فعل، قال: متى يصير داء النفس دواءها، قلت إذا خالف هواها، قال: يا نفس اسمعي أجبتك به مرات، فأبيت إلا أن تسمعيه من الجنيد ثم انصرف. - وقال إبراهيم التيمي: مثلت نفسي في النار أعالج أغلالها وسمومها، آكل من المثخن وأشرب من زمهريرها: فقلت: يا نفس إيش تشتهين؟ قالت: ارجع إلى الدنيا فاعمل عملا أنجو به من هذا العقاب، ومثلت نفسي في الجنة مع حورها، ألبس من سندسها واستبرقها وحريرها، قلت: يا نفس إيش تشتهين؟ قالت: أرجع إلى الدنيا فاعمل عملا ازداد فيه من هذا الثواب، قلت: فأنت في الدنيا وفي الأمنية فاعملي). - وكان معروف الكرخي يضرب نفسه ويقول: (يا نفس، كم تبكين، أخلصي وتخلصي).