نشر القيم والحس الوطني بين التلاميذ من أبرز مهامها * دور فعال للمسابقات الفكرية في إبراز مواهب التلاميذ توجد بين جدران مدارسنا مواهب كثيرة وكبيرة تحتاج فقط لمن يكتشفها وينميها ويوليها الرعاية اللازمة حتى تصل إلى مرحلة النضج، ويلعب الأساتذة والتربويون دورا بارزا في اكتشاف هذه المواهب والمساهمة في تفجيرها ورعايتها، معتمدين على خبرات السنوات الطويلة في الميدان حتى يمنعوا هذه المواهب من الانقراض والأفول فيحرم المجتمع من فائدتها ونفعها وللأسف الجزائر خسرت الكثير والكثير من الكفاءات والأدمغة نتيجة عدم التعامل الجدي مع مواهبنا المتميزة. ياسر بودرع في الدول المتقدمة لا يكاد تلميذ يخلو من موهبة ليس لأن أبناءهم أذكى من أبنائنا لكنهم على عكسنا يولون كل الاهتمام لتلاميذهم في محاولة لاكتشاف قدراتهم وميولاتهم وهواياتهم ومن ثم الاهتمام بها وتطويرها ولذلك نجد أن الطفل في الغرب يستطيع أن يحقق درجات كبيرة من التحصيل العلمي في سن مبكرة ولا غرابة في ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار العناية التي يحظى بها في مدرسته وأسرته ومحيطه. مواهب بالمدرسة الجزائرية لمناقشة نقطة المواهب في المدرسة الجزائرية قمنا بالاقتراب من بعض أفراد الأسرة التربوية لأخذ رأيهم في الموضوع، يقول أستاذ الرياضيات إن الدور الأساسي في اكتشاف مواهب التلميذ خاصة من ناحية القدرات التعليمية يعتمد على الأستاذ الذي بامكانه مراقبة التلاميذ داخل القسم واكتشاف مواهبهم، فمن خلال محاورتهم ومناقشتهم يمكن الوصول إلى ذلك بسهولة لكن الأمر عندنا لا يسير دائما في الاتجاه الصحيح - يضيف الأستاذ - فمثلا لم أسمع عن اجتماع للمدرسين هنا لمناقشة موهبة تلميذ أو تلميذة رغم أني شخصيا وقفت على عدد لا يستهان به من المواهب لكنها تفتقد للعناية اللازمة من المدرسين والإدارة، يشير المساعد التربوي (ح.ع) إلى أن دور المدرسة محوري في اكتشاف مواهب التلميذ ورعايتها لكن الدور الأهم يبقى على الأسرة فالمدرسة جزء من حياة التلميذ وليست كل حياته والجميع يعرف أن الكثير من المواهب دفنت بسبب الأسرة، فمثلا هناك آباء يتدخلون بشكل خاطئ للتأثير في خيارات أبنائهم الدراسية كالتخصص دون مراعاة مواهبهم ورغباتهم، هذا ليس في التعليم والمعرفة فقط فهناك تلاميذ موهوبون في الرياضة لكن أسرهم منعتهم من الاستمرار والأمثلة لا تنتهي، لذلك أعتقد أن دور الأسرة هو الأهم في اكتشاف واستمرار المواهب لأن هذا الدور يتعلق تحديدا بالتشجيع وبث الثقة في نفس التلميذ وحبذا لو كان هناك تواصل بين المدرسة والأسرة أساسه الثقة التي تصب في مصلحة التلميذ. لابدّ من تفعيل دور المسابقات الفكرية في ذات الموضوع تذهب المديرة الأستاذة (ن. مبروك) إلى أن واحدة من أهم الخطوات التي تقوم بها المدرسة الجزائرية لاكتشاف المواهب هي المسابقات الفكرية والرياضية بين المدارس أين يحضر نخبة من خيرة التلاميذ تختلف مواهبهم بين المواد العلمية والأداء ودائما تكون هناك جوائز للفائزين وتشجيع للمشاركين، وتواصل محدثتنا قائلة إن المدرسة لا تبخل أبدا على تلاميذها في تقديم المساعدة اللازمة لهم لتنمية مواهبهم وتطويرها، فمثلا فتحنا مكتبة في ثانويتنا ونشجع التلاميذ على ارتيادها بعد أن ملأنا رفوفها بقدر هام من العناوين التي تكسب عقولهم قوة وتساعدهم على التعلم والتميز وتطوير مهاراتهم في التحصيل المعرفي. أساتذة لا يبخلون بالنصح والتوجيه كنت من المحظوظين أن دخلت إلى حصة مداومة أشرف عليها الأستاذ رابح قندولي مع طلبة السنة ثانية تسيير واقتصاد بثانوية حمادي مناصرية، الرجل يشغل منصب ناظر ويفترض أنه غير معني بحصص المداومة لكن رقيه يجعله لا يفوت فرصة للقاء التلاميذ وتقديم النصيحة لهم مستعينا بأسلوبه المتميز الذي يسهل مهمته، حيث ينقل التلميذ من مرحلة المراهقة ويضعه في لحظة نضج، في حضرة أمثال الأستاذ رابح الجميع يصبح طالب علم وحكمة وأنا بدوري انضممت إلى التلاميذ أين عطل جميعنا خاصية الكلام وفعلنا حاسة السمع جيدا ورفعنا درجة الانتباه إلى حدها الأقصى، فلا أحد يريد تفويت جملة أو كلمة من حديث كالدرر، تكلم الأستاذ في مواضيع كثيرة وطرق أبوابا عديدة تمحورت أساسا حول الأخلاق والأهداف في الحياة والعلاقة بين التعليم والوظيفة ... النصح لم يخل من بعض التأنيب أحرج التلاميذ على تصرفات يقوم بها البعض منهم خاصة التدخين، حيث رفع الأستاذ شعار حرب لا هوادة فيها على التدخين واستمر ينصح مستخدما لغة عربية فخمة تذكرنا ببعض الشخصيات العربية الكبيرة التي قرأنا عنها في كتب التاريخ والأشعار ! لم أتذكر أين انتهى الكلام في تلك الساعة لكني أتذكر أن الجميع داخل القسم تمنوا لو أنهم لم يسمعوا صوت الجرس وهو يقطع عليهم لحظات ثمينة لا تقدر بثمن، بدا ذلك واضحا على تعبيرات الوجوه لكن السكينة بقيت مسيطرة على التلاميذ بعد حصة من النصح والإرشاد من أستاذ ذو خبرة، وفي دردشة معه صرح أنه لا معنى للأستاذ إذا لم تكن المساعدة في تربية التلميذ ضمن وظائفه، هنا عادت بي الذاكرة قليلا إلى الخلف فتذكرت أني درست عند أساتذة من نوعية هذا الأستاذ وأنا متأكد أن مدارسنا اليوم تضم الكثير من هذه النوعية التي ترسم صورة جميلة ومشرفة للتربية والتعليم في بلادنا. جواهر في مدارسنا تستحق العناية دخلنا إلى إحدى متوسطات قسنطينة فوجدنا صور التلاميذ النجباء معلقة على جدارية كبيرة تتصدر المشهد مقسمين حسب المعدلات إلى لآلئ وماسات وجواهر، فاللؤلؤة وليد تحصل على معدل فاق 19 من 20 ، بينما تراوحت معدلات الماسات بين 17 و 18.80 من 20، فيما كانت معدلات الجواهر بين 16 و 17 من 20 ، ولدى اقترابنا من أحد التربويين بالمؤسسة قال لنا إن فرحتنا بالنجباء في المدرسة لا تعدلها فرحة، فالبنسبة لنا هذه نتيجة جهد المدرسة بكل الفاعلين فيها بنفس قدر ما هي نتيجة اجتهاد التلاميذ أنفسهم وعائلاتهم، تفوق التلاميذ يكون بقدر جهدهم وجهد أسرهم ومدرسيهم والإدارة والمساعدين التربويين، إن التعب الذي نلقاه يوميا خلال أداء مهامنا هدفه تحقيق نتيجة مرضية تكون بحصول أبنائنا على أحسن النتائج، ويخبرنا فوزي أحد المتفوقين في دراسته أن تفوقه ينسيه تعب السهر والجد والبكور لمقاعد الدراسة يوميا بالنسبة لي -كما يقول- أن أكون عند حسن ظن والدي هو أعظم نجاح يشعرني بالرضا عن نفسي، اقتربنا من السيد الربيع والد إحدى المتفوقات فأخبرنا أن تفوق الأبناء لا يأتي صدفة ولا من فراغ بل هو نتيجة تعب وصبر كبيرين مع التشجيع والتوجيه والإرشاد من الأسرة والمدرسة على حد سواء، جميعنا متحدون ضد كل الصعوبات والعقبات في سبيل تمهيد طريق النجاح لأبنائنا لذلك يكون تفوقهم خير جائزة للأسرة والمدرسة معا. تدريب التلاميذ على خدمة البيئة قامت ثانوية حمادي مناصرية ببلدية الخروبقسنطينة بحملة تشجير بإشراف من مدير ة المدرسة والمقتصد وجهد كبير وجبار من العمال، وتهدف الخطوة إلى تحسين محيط المدرسة وجعله أكثر جمالا ولطفا إضافة إلى القيمة التعليمية للخطوة بالنسبة للتلاميذ الذين يتعلمون الحفاظ على البيئة، أخبرنا أحد العمال بأنهم غرسوا أنواعا مختلفة من الشجيرات من أجل بيئة تربوية أنظف وأجمل وأكثر نقاء، في حين ذهب أحد المساعدين التربويين إلى أن الخطوة ستكون أفضل وأكمل إذا تم إشراك التلاميذ في العملية مستقبلا حتى يحصلوا على تدريب فعلي في مجال خدمة البيئة ونشر الثقافة البيئية في أوساط المتعلمين كمرحلة هامة لنشرها في المجتمع لاحقا، كما أن إشراك التلاميذ في مبادرات من هذا النوع من شأنها أن ترتقي بالحس التنظيمي لديهم وستكون دون شك وسيلة تربوية وتعليمية ذكية، هذا على غرار ما يفعله كثير من الأساتذة والتربويين الذين يتمتعون بذكاء تربوي ليس له حدود من أجل إيصال رسائلهم للتلميذ، بعضهم يأتي بأفكار خلاقة لدفع الطلاب للعمل بطاقاتهم القصوى مع اعتبار أن هذا في الحقيقة هو جزء من عمل الأستاذ، بمبادرات واعية وأفكار إبداعية وحلول مبتكرة يمكن أن نطور ونرتقي بنوعية التعليم في مدارسنا ونجعلها بيئة تعليمية تشجع على الابتكار والإبداع في عصر يشهد تطورا علميا وتكنولوجيا حضاريا متسارعا، وعي ... قيم وحس وطني يقول أحد الأساتذة تأثرنا وتفاعلنا جميعا مع الهجمة الصليبية الجديدة على رسولنا الكريم بعد أن نشرت الصحيفة المتطرفة تشارلي ايبدو صورا مسيئة لخير الأنام قبل أيام، وقد أعجبني كثيرا وعي المجتمع الجزائري وهبته للتعبير عن أن المساس بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو خط أحمر، لكن ما لم أتوقعه هو ردة فعل بعض تلاميذ المدارس فمثلا رأيت العديد منهم في الثانوية التي أعمل بها ممسكين بأوراق كتب عليها (أنا محمد) فأظهروا وعيا كبيرا بما يجري على خلاف الصورة النمطية التي يحملها كثير منا عن أن التلاميذ غارقون في اللامبالاة والسذاجة لكن الحقيقة خلاف ذلك فأخلاقهم عالية وتربيتهم رصينة متينة، هم فقط يحتاجون للمرافقة أثناء سن مراهقتهم التي لا تخلو من مخاطر تظهر بوادرها في تصرفات بعض التلاميذ أو طريقة لباسهم الغريبة، تضيف أستاذة العلوم الشرعية أن التربية من واجبات المدرسة فالتلاميذ أمانة عندنا ومسئوليتنا فبعد التربية يأتي العلم النافع، المدرسة إلى جانب الأسرة والمجتمع يجب أن يعملوا جميعا في اتجاه واحد نحو غرس القيم والأخلاق والسلوكيات الحميدة في التلاميذ والمساهمة في إعطائهم شخصية سوية متكاملة في عصر مليء بالتحديات والأشواك، المدرسة تتبع أساليب مختلفة ومتنوعة لغرس القيم والمبادئ والأخلاق الحسنة في نفوس التلاميذ فالمدير والأستاذ والمساعد التربوي والحاجب والعامل كلهم يجب أن يكونوا قدوة للتلميذ يتعلم منهم الأقوال والتصرفات والأخلاق لأن التلميذ الذي يفقد القدوة في المدرسة سيكون أمام مفترق طرق ولن نكون متأكدين أية طريق سوف يسلك ! وتوجد أساليب أخرى مثل الملاحظة والتوجيه والتشجيع وحتى العقاب في الإطار الذي تسمح به القوانين، يقول المساعد التربوي فؤاد المشكلة إننا دائما ننزع إلى ذكر السلبيات وبعض المشاكل في المدرسة الجزائرية وننسى أن ننظر إلى الجانب المشرق منها رغم أنه واضح وضوح الشمس، فمثلا عندما تشاهد اصطفاف التلاميذ يوميا في الصباح في نظام واهتمام شديدين لتحية العلم الوطني ستدرك حجم الوطنية التي تسكن نفوسهم وهذا بفضل المدرسة التي تجتهد بكل الأساليب في إعداد أجيال صالحة تفيد المجتمع والوطن في المستقبل القريب إن شاء الله. إن ذكر صور جميلة من مدارسنا لا يعني أن التعليم عندنا بخير ومن يقول ذلك فإنه يجهل حقائق المنظومة التربوية ومشاكلها لكن كل عملية بناء وتصحيح تنطلق من نقاط ضوء أردت توضيح بعضها، فكما أن التراجع هو نتيجة الفشل المتراكم فإن التقدم يكون نتيجة النجاحات المتراكمة، ومع تعدد الصور الجميلة في مدارسنا يمكننا بمزيد من الجهد الصادق والعمل الجاد أن نرسم صورة أكبر وأجمل للمدرسة الجزائرية التي يبقى التعليم المجاني فيها رغم بعض مساوئه من أكبر النعم في هذا الوطن.