في ظل تنافس دولي شرس على النفوذ بالقارة السمراء تحولت العاصمة الجزائرية خلال الأشهر الأخيرة إلى (محج) لعدد كبير من القادة الأفارقة، حيث زار 11 رئيس دولة وحكومة بلادنا منذ مطلع السنة الجارية، فيما اتفق محلّلون سياسيون ومراقبون على تسميته (إستراتيجية جديدة في السياسة الخارجية للجزائر للتوجه نحو العمق الإفريقي) في ظل تنافس دولي شرس على النفوذ بالقارة السمراء. اختتم الرئيس التانزاني جاكايا مريشو كيكويتي أول أمس زيارة عمل للجزائر هي الحادية عشر من نوعها لقائد إفريقي منذ مطلع العام الجاري، إلى دولة يرى خبراء أنها جعلت من القارة السمراء خلال الأشهر الأخيرة بمثابة عمقها الاستراتيجي وركزت سياستها الخارجية عليها. وحسب موقع رئاسة الجمهورية، فإن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة استقبل في شهر جانفي الماضي رئيس النيجر مامادو إيسوفو ورئيس السنغال ماكي سال. وفي شهر فيفري استقبل كلا من رئيس البنين طوماس بوني ورئيس وزراء مالي موديبو كايتا ورئيس كينيا أوهورو كينياتا. وفي شهر مارس استقبل رئيس الوزراء الإثيوبي هايلماريام بوش والرئيس المالي بوبكر كايتا والرئيس الزامبي روبار موغابي (الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي) ورئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما. واستقبل بوتفليقة في شهر أفريل الماضي الرئيس الرواندي بول كاغام، فيما يتواجد منذ الأحد التنزاني جاكايا مريشو كيكويتي في زيارة لثلاثة أيام لبحث التعاون الثُنائي وقضايا القارة. وكانت زيارات القادة الأفارقة إلى الجزائر وفق بيانات سابقة للرئاسة طويلة (تدوم على الأغلب ثلاثة أيام) ذات برنامج واحد وهو إجراء مباحثات مع المسؤولين الجزائريين في مقدمتهم الرئيس بوتفليقة، بالإضافة لزيارة منشآت ومصانع على أن تنتهي ببيان مشترك يتضمن حرص البلدين على ترقية التعاون في كافة المجالات إلى جانب إعلان مواقفهما من قضايا القارة السمراء وكذا ضرورة تعزيز العمل الإفريقي المشترك ودعم جهود الوساطة الجزائرية في أزمات المنطقة مثل مالي وليبيا. ووجه سؤال لوزير الخارجية رمطان لعمامرة خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة مؤخرا حول الحراك الدبلوماسي الكثيف الذي تعرفه بلادنا خلال الأشهر الماضية خاصة من المسؤولين الأفارقة فرد: هذا أمر طبيعي بالنظر إلى مكانة الجزائر ودورها ومساهمتها في التعاون الدولي من أجل إحلال الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة. وتابع: (هذه الزيارات ستتزايد في المستقبل القريب وزيارات الأشقاء الأفارقة والعرب ومسؤولين من مناطق أخرى من العالم وفي مقدمتها أوروبا تدخل في إطار دعم التعاون المشترك من أجل بناء علاقات دولية تتسم بالسلام والتعاون. رأي المختصين أكد عبد الوهاب بن خليف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر لوكالة الأناضول بشأن هذه الزيارات أنه خلال السنتين الأخيرتين أطلقت الجزائر استراتيجية جديدة في سياستها الخارجية نحو عمقها الإفريقي وتجلى ذلك في تعيين رمطان لعمامرة كوزير للخارجية. ويعد رمطان لعمامرة من الدبلوماسيين الجزائريين الذين لديهم خبرة طويلة في إفريقيا، حيث شغل منصب مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي بين 2008 و2012 قبل تعيينه وزيرا للخارجية الجزائرية في السنة نفسها. وشغل لعمامرة أيضا مناصب دبلوماسية في القارة في الثمانينات، كسفير لبلادنا لدى جيبوتي وإثيوبيا، وكسفير معتمد لدى منظمة الوحدة الإفريقية واللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لإفريقيا. وحسب عبد الوهاب بن خليف (هناك إرادة سياسية من السلطة بالاهتمام أكثر بالقارة في ظل تنافس شرس أيضا من دول كبرى مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين وفرنسا على النفوذ بها بشكل يجعل الجزائر البوابة الرئيسية نحو هذه القارة)، ويضيف كما أن (الجزائر من موقعها الاستراتيجي وخبرتها في مكافحة الإرهاب ووزنها في الاتحاد الافريقي كعضو فاعل يجعل منها وجهة الكثير من دول القارة التي تعيش مشاكل أمنية واقتصادية لطلب الدعم الأمني والسياسي والمالي). من جهته قال أحمد ميزاب رئيس اللجنة الجزائرية الإفريقية للسلم والمصالحة لذات المصدر أن (تاريخ الدبلوماسية الجزائرية في إفريقيا ليس جديدا ويعود للستينيات وقد كان لها دور في حل عدة نزاعات في القارة مثل النزاع الإثيوبي الإريتري عام 2000). وتابع قائلا (بالنسبة لزيارات القادة الأفارقة أعتقد أنها عادية وتدخل في إطار التنسيق والتشاور بين دول القارة بحكم أن الجزائر ترافع دائما من أجل صوت موحد للأفارقة عبر المحافل الدولية للدفاع عن قضايا القارة السمراء لأننا في عهد التكتلات الإقليمية). ثمار التحركات الدبلوماسية وتشهد الجزائر منذ أشهر تحركات دبلوماسية إفريقية واسعة، منها الوساطة بين الفرقاء الليبيين من أجل التوصل إلى حل سياسي، وذلك بالتنسيق مع بعثة الأممالمتحدة هناك. واحتضنت الجزائر منتصف الشهر الماضي برعاية من الأممالمتحدة اجتماعا هو الثاني من نوعه لشخصيات سياسية ليبية ضم قادة أحزاب ومستقلين لبحث مسودة اتفاق سياسي بين جميع الفرقاء. كما ترعى الجزائر الوساطة الدولية في أزمة مالي والتي قادت إلى تحديد تاريخ 15 ماي الجاري لتوقيع مشروع اتفاق السلام بين الحركات المسلحة في الشمال والحكومة بالعاصمة باماكو، وذلك بعد جلسة مفاوضات جديدة احتضنتها الجزائر خلال الفترة بين 15 و18 أفريل الماضي.