الحرفية صليحة آيت حسان تنجح في تجسيد حلمها دمى بالأزياء التقليدية تحكي عن الأناقة الجزائرية تستقطب الدمى التي ترتدي بكل فخر الأزياء التقليدية العاكسة لثرات مختلف الولاياتالجزائرية والتي أبدعت في صنعها أنامل الحرفية صليحة آيت حسان عددا كبيرا من زوار الصالون الوطني للنشاط المصغر الذي افتتح في 23 ماي بقصر الثقافة محمد العيد آل خليفة بقسنطينة. فانطلاقا من الدمية التي ترتدي الزي التقليدي البليدي مع (البدرون) وردي اللون المزين بالشبكة (الدنتلا) إلى تلك التي ترتدي (الشدة التلمسانية) مرورا بالبينوار السطايفي البنفسجي المطرز بدقة وإتقان، أجادت هذه الحرفية في صنع هذه التحف لتحكي عن الجزائر وتنوعها في مجالي الثقافة واللباس. ولكون هذه الدمى العارضة للأزياء التقليدية تعد ثمرة مشروع تولد عن حب الخياطة والألبسة التقليدية الجزائرية وأيضا سفيرة الأناقة على الطريقة الجزائرية سافرت عبر عديد أصقاع العالم محققة بذلك إقبالا كبيرا من طرف الشغوفين بالإتقان والأناقة حسب ما اعترفت به صليحة آيت حسان. لكن حلم صليحة الطموحة هو جلب اهتمام زملائها في المجال لتأسيس قناة مخصصة للصناعة التقليدية من خلال الشروع أولا في صنع دمى (بالروح الجزائرية) لتنجز فيما بعد مجوهرات تقليدية مصغرة وكذا جميع تلك التفاصيل التي تجعل المرأة الجزائرية أكثر رونقا وجمالا.
الولع يتحوّل إلى مشروع وتحكي صليحة آيت حسان المنحدرة من مدينة بجاية عن مشروعها الخاص بالدمى العارضة للأزياء التقليدية لتؤكد والبريق يشع من عينيها قصة عشق لعبت فيها العناية الإلهية دورا حاسما. ففي سن مبكرة برزت موهبة صليحة التي ترعرعت منذ طفولتها في بيئة مبدعة فأمها حرفية رائدة بولاية بجاية في (الشبيكة) وهي نوع من التطريز الذي يعد من التشابك الدقيق للخيوط باستعمال الإبرة وأبوها حرفي نحاس، حيث قامت بإنجاز تحف يدوية وقنادر مطرزة بالفتلة، ولم تكن صليحة تتوقع أبدا عندما صنعت في أحد الأيام خلال فترة طفولتها فستانا تقليديا مطرزا بعناية لدميتها الصغيرة وألبستها وشاح (الفتول) (خيوط من الحرير) بأنها بصدد التوقيع على شهادة ميلاد حرفة أضحت فيما بعد سببا لوجودها. وحقق أول فستان أعدته لدميتها نجاحا باهرا بين صديقاتها وعائلتها، فيما أضحت في وقت لاحق الطلبات على الدمى التي ترتدي ألبسة تقليدية تأتيها من كل حدب وصوب. وتعترف صليحة بالقول (إن الطلبات الكثيرة للزبائن دفعتني لإطلاق بحثي الصغير حول الألبسة التقليدية الجزائرية) فمن عند أولئك اللواتي تطلق عليهن (المكتبات الحية) مثل خالاتها وعماتها وجاراتها وعديد الجدات ببجاية ولكن أيضا بالجزائر العاصمة وقسنطينة اكتشفت صليحة سر الألبسة التقليدية الجزائرية وهذا كله من أجل استمرار قصة أناقة الجزائريات، ففي 2009 اتصلت الفنانة الحرفية بالوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر بمسقط رأسها بجاية للحصول على قرض. وأضافت معترفة (من شدة إعجابها بإبداعاتي فعلت مديرة الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر كل ما لديها من أجل مرافقتي في تجسيد مشروعي وشجعتني على إنجاز أكبر قدر من الأزياء التقليدية من أجل المشاركة في معرض كان سينظم في تلك الفترة بالجزائر العاصمة). وبالاعتماد على القرض الذي منح لها تمكنت صليحة من اقتناء المادة الأولية ومختلف الأقمشة والإكسسوارات والدمى المستوردة التي تتطلبها صناعة الأزياء التقليدية الجزائرية. وتستذكر صليحة بكل تأثر وتقول (خلال أول معرض لي برياض الفتح في 2010 لاحظت بأن إبداعاتي من الدمى التي ترتدي الكاراكو و (الشامسات) القسنطينية والفساتين القبائلية البراقة والملحفات الشاوية المطرزة والمزينة باليد لمعت أعين الزوار من شدة الإعجاب). ولكون مشروعها كان مميزا تتلقى صليحة آيت حسان الدعوات بشكل منتظم للمشاركة في مختلف الأسابيع الثقافية لبجاية عبر ولايات الوطن، وتعترف بأنها تلقت في أحد الأيام اتصالا من طرف جزائري نظم معرضا مغاربيا بكندا واقترح عليها المشاركة في معرض مصحوب بالبيع لإبداعاتها، كما أردفت بأنها تلقت طلبا من سيدة ذات أصول جزائرية تقطن بفرنسا . وكانت هذه السيدة ترغب في الحصول على دمية عارضة للأزياء التقليدية ترتدي قندورة قسنطينية بالقطيفة مخملية اللون مطرزة بالخيط الذهبي وأخرى ب(الملاية).
حلم مؤسسة للألبسة التقليدية يتحوّل إلى حقيقة
ولكونها استفادت من محل لم تكتف صليحة بإنجاز ألبسة تقليدية نسائية، حيث بادرت إلى صنع أزياء تقليدية رجالية من خلال إنجاز قشابيات شاوية وأخرى من وادي ميزاب يطلق عليها (تشريبات) و تعكف على إلباس عارضي الأزياء الرجال سروال قلفاطي ذو الأصول الحفصية المزين بشملة (نوع من مشد للعظام ينسج من الصوف) وتضع على رؤوسهم طربوشا. وقالت (فضولي وشغفي قاداني لإعادة إحياء ألبسة رجالية تقليدية كادت تنسى وهذا ما شكل الجزء الآخر من مشروعي). وتعترف صليحة الفخورة بنجاحها في مجال تحبه بأن حلمها هو (تحقيق) مشروعها من خلال دمى ونماذج ذات طابع جزائري خالص. وأضافت الحرفية (ستضفي حتما الدمية المصنوعة بالجزائر الإضافة لإبداعاتي) قبل أن تؤكد بأن طموحها هو إنشاء مصنع لصنع الدمى (الجزائرية). كما تحلم صليحة بإيجاد مبدع حلي تقليدية جزائرية صغيرة الحجم (فأنا في الوقت الحالي أستعمل ما أجده في السوق من مجوهرات لكن وجود حلي مميزة سيعطي بالتأكيد لمسة أصالة أخرى على الألبسة التقليدية للدمى العارضات) حسب ما تضيفه صليحة. وفي انتظار تحقيق حلمها تشاهد صليحة آيت حسان بكل فخر وإعجاب الزوار وهم يتوقفون لفترات طويلة أمام جناحها ويتحدثون مطولا أمام (دمية) عاصمية جميلة ب(الحايك مرمى) المصنوع من الحرير والمطرز بخيوط ذهبية رقيقة وهي تلوح بالعلم الجزائري في إعادة استنساخ لصورة خالدة عمرها 53 سنة، إضافة إلى اللباس التقليدي المسيلي الذي يعكس جمال المرأة بأولاد نايل ممثلا في فستان أبيض و (الجبين) على الجبهة المزين بريش النعام الذي يوضع كجالب للحظ السعيد.