مشاكل عدّة تعترض الأولياء لدى تربية أبنائهم وبناتهم، خاصّة إن كانوا في مرحلة المراهقة، ويعترف الكثير منهم بعجزه من جهة، وبكفاءة الأجداد والجدات في التعامل مع أحفادهم، وفي مدهم بتربية قد تكون أحسن من التي يقدمها الآباء والأمهات أنفسهم. السيدة نادية هي جدّة لفتاتين في سن المراهقة، صارحتنا بأنّها أكثر قربا لحفيدتيها من أمهما، خاصة وان هذه الأخيرة تمضي كلّ نهارها في العمل، فلا تجد الوقت المناسب للاعتناء ببناتها كما يجب، لكن ابنتها-تحكي لنا السيدة نادية- تعترف بقدرتها على تربية البنات، بل إنها تفضل أن تتولى تلك المهمة بدلا عنها، لأنّها تعتقد أنّ التربية لا ترتبط بعصر معين، وانه لا بد أن نربي أبناءنا وبناتنا كما في السابق. وبالنسبة لرتيبة أم لفتاتين (16، و14 سنة) صارحتنا بتجربتها في تربية بناتها، والتي تعترف لنا أنها كانت خاطئة وفاشلة، على الأقل قبل أن تتدخل الجدة-أي أمّها-وتستدرك الوضع حيث تحكي لنا رتيبة تقول: "لقد حرصت منذ إنجابي لثلاث بنات على تقديم الرعاية والتربية الصالحة لهنّ، فتوقفت عن العمل حتى امنحهن كل وقتي، ورحت أتابعهنّ في دراستهنّ منذ اليوم الأول الذي دخلتا فيه إلى المدرسة، كما أنّي كنت أرافقنّ إلى المدرسة صباحا وأعود لاسترجاعهن مساءً، حتى لا يتحرّش بهنّ احد، وحتى لا تسوّل لهنّ أنفسهنّ أن يختلطن بالذكور، لكنهن عندما انتقلن للدراسة في الثانوية، تغيرت تصرفاتهنّ وصرن يتهربن مني في الوقت الذي أقدم لاسترجاعهنّ مساء، كما لو كن يخجلنّ من حضوري، وكلما حاولت أن استفسر منهن عن سبب تهربهن كذبن علي، واختلقن لي أعذارا واهية من مثل أنّهن ذهبن رافقن صديقة لهن إلى بيتها لإحضار بعض الدروس، او أنهن سيتأخرن ليراجعن دروسهن في مكتبة المؤسسة التربوية، وكنت في كل مرة أتغاضى عن تلك التصرفات، إلى أن قابلتهن بالصدفة في قاعة للشاي برفقة ثلاثة شبّان، فكانت الصدمة كبيرة بالنسبة لي، ثمّ لاحظت أمي التي شارفت على بلوغ الستين عجزي عن التحكم في بناتي، وحيرتي أمام الوضع، فاقترحت أن تنتقل للعيش معي أشهرا لتعالج الأوضاع على طريقتها، ورغم أني احترم أمي، واعترف لها بقدرتها وكفاءتها على تربية الأبناء، لأنّها قامت بتربيتي وتربية إخوتي وأخواتي التسعة قبلي، لكني مع ذلك كنت متخوفة لأنّها امرأة طاعنة في السن، ولا شك أنّها لن تحسن التصرف مع فتيات في سن المراهقة، لكنّ العكس هو الذي حدث فقد تشكلت "صداقة غريبة" بين أمي وبناتي، وصرن يطعنها في كل أمورهن كما أنّهن عدن إلى التقرب مني أنا كذلك وتحسنت سيرتهن كثيرا، وعندما سالت أمي عن سرّ نجاحها فيما عجزت أنا عن تحقيقه، أخبرتني أنّ تربية الأبناء ليست مجردّ أوامر ونواهي، بل إنّها حكمة ونصائح، فلا بدّ أن نكون لأبنائنا أصدقاء قبل كل شيء، حتى يرتاحوا لحضورنا، ويسّروا لنا بكل مشاكلهم وأسرارهم".