موجة غضب واسعة بسبب عملية المقايضة * لم تنته أزمة الدبلوماسيين التونسيين العشرة المختطفين منذ أسبوع في ليبيا بعودتهم أمس إلى تونس، بل دخلت مرحلة التداعيات على السياسة التونسية في ليبيا. فقد بدا المسؤولون التونسيون غاضبين ممّا آلت إليه الأمور وكتموا ردّ الفعل على عملية (ليّ الذراع) التي أجبروا عليها، في مقايضتهم الدبلوماسيين التونسيين مقابل الإفراج عن الليبي الموقوف في تونس وليد القليّب. تجلّى ذلك بوضوح من خلال القرارات التي أعلنتها الخارجية التونسية فور انفراج الأزمة، فما إن وصل الدبلوماسيون التونسيون إلى المطار حتى أعلن وزير الخارجية الطيب البكوش إغلاق مقرّ القنصلية العامّة التونسية في طرابلس بسبب إخلال الجانب الليبي بتعهّداته بتأمين المقرّ وسلامة البعثة التونسية هناك، داعيا الجالية التونسية في ليبيا إلى العودة إلى تونس والتونسيين إلى عدم التحوّل إلى ليبيا إلاّ بعد التنسيق مع وزارتي الخارجية والداخلية إلى حين إرساء حكومة موحّدة في ليبيا تكون قادرة على السيطرة على كامل تراب الليبي، محمّلا كلّ من يسافر منفردا مسؤولية ما قد يتعرّض له. وأعلن البكوش أيضا عن تأجيل إعادة التمثيلية الدبلوماسية بقنصلية تونس في مدينة البيضاء الليبية نظرا لأن الحكومة المعترف بها دوليا أكّدت أنها غير قادرة على حمايتها. وإذا كانت النتيجة المباشرة لأزمة الدبلوماسيين ما أعلنه البكوش عن إغلاق القنصلية فإن إشارته إلى أن تونس (ستتعامل سياسيا فقط مع ليبيا بحكم تواصل الإرهاب فيها) يدلّ على ملامح العلاقات التي قد تكون عليها السياسة التونسية في ليبيا خلال المرحلة المقبلة. وتبدو دعوة كلّ التونسيين إلى العودة مؤشّرا إلى السعي لقطع كلّ السبل أمام تكرار ما حدث وتفادي أزمات مماثلة، لكن ذلك يعني أيضا أن العلاقات التونسية الليبية ذاهبة نحو التجميد كلّيا، خصوصا وأن الحكومة التونسية أكّدت وضع كلّ إمكاناتها لإحكام مراقبة الحدود من خلال منظومة عوازل عالية وخنادق وأنظمة مراقبة على طول الشريط الحدودي تتدعّم يوما بعد يوم. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه يرتبط بإمكانية استمرار السياسة التونسية الجديدة التي حاول الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وضعها اتجاه الأمّة الليبية والمبنية على موقف الحياد والتعامل مع حكومتي طرابلس وطبرق في نفس الوقت رغم تعرّضه لحملة انتقادات واسعة من قِبل أحزاب وشخصيات سياسية وإعلامية وصلت إلى حدّ اتّهامه باستقبال إرهابيين في قصره، لكنه ظلّ يدافع عن موقفه المتمثّل في أن مصلحة تونس تقتضي هذه السياسية وتفرض التعامل مع قوّات (فجر ليبيا) بحكم سيطرتها على الأرض. وفي هذا السياق، يقول مصدر حزبي (إن موجة الغضب ستهدأ لا محالة، وإن الحكمة التونسية ستنتصر على الغضب)، مؤكّدا أن السبسي يدرك أن الحلّ الأمثل لإنهاء (وجع الرأس الليبي) هو الإسراع بإنهاء الأزمة الليبية، وهو ما يعني تكثيف الضغط على المجتمع الدولي للدفع نحو الانتهاء من الحوار، وهو ما يفرض أن تحافظ تونس على خيوطها مع طرفي الأزمة بما فيها (فجر ليبيا). من جهة ثانية، أكّد قيادي بارز في (فجر ليبيا) أن حكومة طرابلس غاضبة ممّا حصل لأنه أساء إلى العلاقات مع تونس، وأقرّ بأن هذه الحادثة أعطت صورة خاطئة عن (فجر ليبيا) في تونس، وأكّدت ما يروّج له الإعلام التونسي حول علاقة (فجر ليبيا) بالإرهاب. غير أن المصدر نفسه رجّح ألا تسوء العلاقات إلى حدّ قطعها أو انحياز تونس إلى حكومة طبرق (لأن السبسي رجل حكيم)، وفق تعبيره، وهو يدرك أن من فجّر هذه الأزمة ليست حكومة طرابلس أو (فجر ليبيا) وإنما كتيبة تضمّ شبّانا مسلّحين منفلتين حتى عن الحكومة في ليبيا.