رحيل زعيم طالبان يشغل العالم ** يصفه من يعرفونه بطول قامته نحو 1.98 سم وبعنفه في القيادة خاصة خلال القتال الذي دار بين (المجاهدين الأفغان) والقوات السوفييتية أواخر السبعينيات لدى احتلالها لأفغانستان وحتى انسحاب القوات الروسية من البلاد في التسعينيات وتقول روايات متقاربة أنه فقد إحدى عينيه في إحدى المعارك أبان الغزو السوفياتي لبلاده لم يتمتع بأي ظهور إعلامي يذكر في فترة ترؤسه للجمهورية الأفغانية وقلما التقى مع غير المسلمين ولم تتداول الأوساط الإعلامية صورا له باستثناء صورة يتيمة. ظل مصير الملا عمر مجهولا ومشابها لمصير أسامة بن لادن بفارق بسيط وهو ظهور أسامة بن لادن بين الفينة والأخرى على وسائل الإعلام العالمية بأشرطة فيديو ورسائل صوتية إلى حين الإعلان عن مقتله في باكستان. مشاهير ينعون زعيم طالبان توحّدت ردود الفعل العربية على وفاة (الملا عمر) زعيم حركة (طالبان) الأفغانية بالقول إنه (رجل عاش ومات على مبدئه ورفض كل العروض والإغراءات من أجل الفكرة التي أراد تحقيقها) وفقا لأوساط عربية مختلفة. الداعية الكويتي حامد العلي نظم أبياتا شعرية رثى فيها (الملا عمر) بعد سويعات قليلة على الإعلان الرسمي لوفاته ومن ضمن أبيات قصيدته: (به الأفغانُ قد عزّت فصارت.. تدكُّ معاقل الأعدا بخسْف. تجلت عزّة الإسلام فيهِ.. كعزِّ الأولينَ بكلّ حرْفِ. ولما خطّ بالأفغان دربا.. إلى العلياء مقرونا بسيْفِ. ترجّل شامخا فالموت حقُّ.. وآجال البريّة مثل قطْفِ). وقال مواطنه الدكتور حاكم المطيري رئيس حزب الأمة الكويتي: (بوفاة الملا عمر فقدت الأمة مجاهدا وزعيما كبيرا خاض ملحمة تاريخية ضد أكبر الحملات العسكرية الصليبية لاحتلال أفغانستان). وقال الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة إن (الملا عمر كان حالة فريدة في عالم السياسة ربما لأنه لم يطلبها أصلا). وأضاف: (هو خرج من حلقة العلم مضطرا كي يوقف الفساد والظلم والفوضى). الكاتب الفلسطيني الآخر عبد الباري عطوان قال: (رحم الله المُلا عمر كان مجاهدا شرسا ضد محتلي بلاده وقدوة في الصلابة والمبادية ورفض تسليم ضيفه ابن لادن رغم التهديد والمغريات). الدكتور محمد الصغير مستشار وزير الأوقاف المصري السابق قال عبر حسابه في (تويتر): (الملا = المعلم وطالبان = التلاميذ الملا محمد عمر عاش حميدا ومات كريما هو القائل لا أورث لأحفادي ما يعيّرون به فيقال لهم إن جدكم من خذل ضيفه أو أخرجه!). الكاتب السعودي مهنا الحبيل قال: (طالبان تعلن وفاة أبرز زعماء أفغانستان المقاوم لاحتلال روسيا وأمريكا ونفوذ إيران) وتابع: (الملا عمر تلميذ الديوبندية الفقير الذي جرعهم أكبر هزائمهم). بدوره ذكر الإعلامي السوري في قناة الجزيرة أحمد موفق زيدان بعض المواقف الشخصية التي شهد عليها في أثناء مقابلته مع الملا عمر ومنها أن (أسامة بن لادن قال لي حينما طلب مني الملا التخفيف من تصريحاتي فقلت له إذن لنبق النساء والأولاد عندكم ونحن نرحل إلى أرض الله الواسعة فما كان من الملا إلا أن قال لي إذن خذني معك فبكينا سويا). ونقل زيدان عن بعض المقربين من (الملا عمر) قولهم إن الحكومة الصينية عرضت على الملا عمر تعبيد كل طرق أفغانستان بالمواصفات العالمية مقابل تسليمه بضع مئات من المسلمين التركستانيين الذين لجؤوا إليه إلا أنه رفض ذلك رفضا قاطعا). ويعد أبرز مواقف الملا عمر التي أعاد ذكرها آلاف المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي هي رفضه للعروض المغرية له من الولاياتالمتحدةالأمريكية إذا سلّم لهم زعيم تنظيم القاعدة الأسبق أسامة بن لادن. واعتبر المغردون أن (الملا عمر سطر موقفا للتاريخ حيث رفض تسليم شخص عربي سلفي العقيدة مقابل العروض المغرية رغم أنه حنفي ماتريدي ولا تربطه صلة سابقة بابن لادن) وفق قولهم. المعارض الإماراتي الدكتور ناصر بن غيث المري كتب: (عمر بن الخطاب حكم فعدل فأمن فنام تحت الشجرة الملا عمر حكم فعدل فتآمر عليه العرب فخاف فاختفى). من هو الملا عمر بعد سقوط الجمهورية الديموقراطية الأفغانية المدعومة من قِبل الاتحاد السوفييتي في عام 1992 بأيدي (المجاهدين) تردت الأوضاع في أفغانستان وشاعت الفوضى. وفي ربيع عام 1994 شاع خبر اختطاف واغتصاب فتاتين أفغانيتين عند إحدى نقاط السيطرة التّابعة لأحد الفئات الأفغانية المتناحرة في قرية (سانج هيسار) قرب مدينة قندهار ونما إلى الملا خبر اختطاف الفتاتين فألف قوة من 30 رجلا وسعى إلى تخليص الفتاتين ونجح في ذلك وقام بدوره بتعليق قائد عملية الخطف والاغتصاب على المشنقة من هذه اللحظة ولدت (طالبان) وزعيمها بعد إضفاء نوع من العدالة والأمن بين القرويين الذين كانوا في أمسّ الحاجة لهذه (الأفعال البطولية). فرّ الملا عمر بعد هذه الحادثة إلى بلوشستان الواقعة في باكستان وعاود الظّهور مرة أخرى في أفغانستان مدججا ب 1500 من الرجال المسلحين بهدف توفير الحماية لقوافل التّجار الباكستانيين لعبور الأراضي الأفغانية مرورا إلى تركمانستان إلا أن التقارير كانت تفيد أن هذه القوافل لم تكن إلا مقاتلين باكستانيين متخفين كقوات طالبان بعد أن تلقت دعما ماديا وعتادا من الباكستانيين. بعد السيطرة على قندهار وما حولها هاجمت طالبان قوات إسماعيل خان المتمركزة في غرب البلاد وتمكنت من السيطرة على مدينة هيرات في سبتمبر عام 1995. وفي شتاء نفس العام حاصرت (طالبان) العاصمة كابول وأطلقت الصواريخ على المدينة وقطعت الطرق التجارية المؤدية إلى كابول ما استدعى كلا من رئيس أفغانستان برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار المتناحرين التوقف عن القتال فيما بينهما وتوحيد الصفوف في مواجهة العدو المشترك (طالبان) في سبتمبر عام 1996 وترك حكمتيار ورباني كابول واتجها شمالا وتخليا عنها لتقع في يد (طالبان) التي تسلمت مقاليد الأمور في العاصمة وأنشأت (إمارة أفغانستان الإسلامية). بعد وصول طالبان إلى كابول انتخب الملا عمر بالإجماع أميرا للحركة رسميا ولقب ب(أمير المؤمنين) ومنذ ذلك اليوم تعتبره الحركة أميرا شرعيا لها له في نظر أتباعها جميع حقوق الخليفة فلا يجوز مخالفة أمره وهذا ما أعطاه صبغة دينية وقد حجبوه عن أنظار عامة الناس ليحافظوا على هيبته بين العامة. واعترفت باكستان ب(طالبان) كحكومة شرعية في أفغانستان وتلتها العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وكانت طالبان تتحكم بمعظم الأراضي الأفغانية باستثناء الجزء الشمالي الشرقي الذي فرضت قوات التحالف الشمالي سيطرتها عليه. لم تعترف باقي دول العالم ب طالبان كممثل شرعي في أفغانستان ومن بينها الأممالمتحدة التي كانت لاتزال تنظر إلى برهان الدين رباني كرئيس. وفي عام 2001 أثار الملا عمر زوبعة عالمية عندما أصدر أمرا بهدم التماثيل البوذية القابعة في مدينة باميان لتناقض التعاليم الإسلامية والأصنام وفقا لبيان طالبان ولم يعر الملا عمر بالا للمطالب الدولية وحتى الإسلامية بعدم هدمها كونها معالم أثرية. في سبتمبر عام 2001 ونتيجة ضغوط دولية من أطراف عديدة سحبت كل من السعودية والإمارات اعترافهما بحكومة طالبان ما ترك باكستان الدولة الوحيدة التي تعترف بها. وفي أكتوبر عام 2001 قامت الولاياتالمتحدة مدعومة من قبل بلدان أخرى بغزو أفغانستان لرفض حركة طالبان تسليم أسامة بن لادن بعد ادعاءات أميركية بتورط ابن لادن بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وقامت قوات تحالف الشمال بخوض معارك برية واحتلت أفغانستان وأزاحت حركة طالبان من دفّة الحكم. ومع سقوط طالبان اختفى الملا عمر ولم يعرف شيئا عنه منذ ذاك الوقت وتفيد مصادر متطابقة أن الملا عمر لجأ إلى باكستان بعد سقوط نظام طالبان عام 2001. ومع رحيل الملا عمر يتوقع مراقبون أن تتفكك طالبان وأن يلتحق أتباعها بتنظيمات أخرى وتحديدا (تنظيم الدولة) و(القاعدة) لأن الحركة بدونه لن تقوى على الصمود طويلا. وزعمت تقارير صحفية أن ابن الملا عمر في وضع يؤهله لقيادة الحركة التي تحارب الحكومة المدعومة من الغرب. غير أن طالبان قطعت الشك باليقين حين أعلنت انتخاب الملا أختر محمد منصور نائب الملا عمر زعيما جديدا لطالبان بعد تأكيد أنباء وفاة الأخير. وعلى أثر تأكيد الخبر تأجلت الجولة الثانية لمحادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان وكان من المقرر أن تنعقد في باكستان أواخر الشهر الماضي.