الكثير منا يعرف أن سورة (الرحمن) تعرف باسم (عروس القرآن) وعن تسميتها بهذا الاسم ذكر الإمام السيوطي في (الإتقان في علوم القرآن) عن علي رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن). وقال العلماء ليس هذا تسمية لها بهذا الاسم لأن اسمها هو الرحمن ويرجع لاسم الله الذي بدأت به السورة ولكنه ثناء وتمجيد لها فهي تعالج أصول العقيدة كغيرها من السور المكية ولكن بأسلوب متميز فريد وتستعرض سورة الرحمن عددا من آيات الله الكونية الدالة على عظيم آلائه ونعمه وعميم فضله وكرمه على جميع خلقه وإن كان كثير من عباده المكلفين من الإنس والجن غافلين عن تلك الآلاء والنعم أو مكذبين بها أو منكرين لها من قبيل الجهل أو الانحراف ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها السورة الكريمة على صدق ما جاءت به من الحق: (1) أن الله هو الذي أنزل القرآن الكريم أنزله بعلمه وعلمه خاتم أنبيائه ورسله كما علمه عددا من خلقه. (2) وأنه هو الذي خلق الإنسان وعلمه البيان وقضية نشأة اللغات شغلت بال العلماء والمفكرين لقرون طويلة دون جواب سليم. (3) وهو الذي أجرى -ولا يزال يجري- كلا من الشمس والقمر بحسبان دقيق (وهذا ينطبق على كل أجرام السماء وعلى كل لبنات بنائها الأولية). (4) وأن كل ما في الوجود من الجمادات والأحياء يسجد لله (تعالى) ويسبح بحمده. (5) وأن الله هو الذي رفع السماء بغير عمد مرئية ووضع ميزان التعامل بين الخلائق وأمر بعدم الطغيان فيه. (6) وأنه هو الذي وضع الأرض للأنام وهيأها لاستقبال الحياة وجعل فيها من النباتات وثمارها ومحاصيلها ما يشهد على ذلك. (7) وأنه خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار. ((8) وأنه رب المشرقين ورب المغربين وهي إشارة ضمنية رقيقة لكروية الأرض ولدورانها حول محورها أمام الشمس. (9) وأن الله هو الذي مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان* يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان* وهي إشارة قرآنية دقيقة إلى حقيقة علمية مؤكدة لم يدركها العلماء المتخصصون إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي في أثناء رحلة الباخرة البريطانية عام 1872-1876 مؤداها أن الماء في البحار المتجاورة وحتى في البحر الواحد يتمايز إلى العديد من البيئات المتباينة في صفاتها الطبيعية والكيميائية والتي تلتقي مع بعضها البعض دون امتزاج كامل فتبقى مفصولة على الرغم من اختلاطها وتلاقي حدودها وذلك لما للماء من خصائص ميزه بها الخالق (سبحانه وتعالى). (10) وأن من هذه الخصائص المميزة للماء ما جعله قادرا على حمل السفن العملاقة على ظهره وجريها في عبابه وطفوها فيه كأنها الجبال الشامخات. (11) وأن الفناء من صفات كل المخلوقات وأن البقاء المطلق هو للخالق وحده. (12) وأن الأرض في مركز الكون لتوحد أقطارها وأقطار السماوات وأن الكون شاسع الاتساع بصورة لا يستطيع العقل البشري استيعابها وأن أيا من الجن والإنس لا يستطيع النفاذ من أقطار السماوات والأرض إلا بسلطان من الله. (13) وأن السماء الدنيا مليئة بالنيران وفلز النحاس. (14) وأن السماء سوف تنشق في الآخرة على هيئة وردة حمراء مدهنة وهي حالة تنشق عليها النجوم في زماننا كما صورها مقراب هابل الفضائي. وعقب كل آية من هذه الآيات الكونية يأتي قول الله (فبأي آلاء ربكما تكذبان) وقد ترددت هذه الآية إحدى وثلاثين مرة بين آيات هذه السورة الكريمة) (أي بنسبة 40 تقريبا من عدد آياتها الثماني والسبعين) وفيها من التقريع العنيف والتبكيت الشديد ما يستحقه المكذبون بآلاء الله من الجن والإنس. ويروي عن رسول الله( صلى الله عليه وسلم) أنه خرج على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال (صلى الله عليه وسلم): لقد قرأتها علي الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله تعالى (فبأي آلاء ربكما تكذبان) قالوا: لا شيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد أخرجه الترمذي. والنعم في دلالة هذه الآيات الكريمة تستوجب شكر الخالق العظيم عليها وهي عديدة وتستلزم أن نفهمها جيدا فسبحان الذي أنزل القرآن بعلمه وعلمه خاتم أنبيائه ورسله وحفظه بلغة وحيه إلى يوم الدين وصلى الله وسلم وبارك على النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقى هذا الوحي الإلهي العظيم وبلغه بأمانة وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلي يوم الدين.