الدعاء نعمة كبرى، ومنحة عظمى، جاد بها ربُنا -جل وعلا- حيث أمرنا بالدعاء، ووعدنا بالإجابة والإثابة، فشأن الدعاء عظيم، ومنزلته عالية في الدين. فما اسْتُجْلِبت النعم بمثله، ولا استُدفعت النقم بمثله، ذلك أنه يتضمن توحيد الله، وإفراده بالعبادة دون من سواه. وهذا هو رأس الأمر، وأصل الدين، والدعاء عبادة لله، وتوكل عليه، والدعاء – أيضاً – محبوب لله، وأكرم شيء عليه تعالى، والدعاء سبب عظيم لانشراح الصدر، وتفريج الهم، ودفع غضب الله، والدعاء مفزع المظلومين، وملجأ المستضعفين، وأمان الخائفين، والدعاء سبب لدفع البلاء قبل نزوله، ورفعه بعد نزوله. ثم إن ثمرة الدعاء مضمونةٌ ؛ إذا أتى الداعي بشرائط الدعاء وآدابه، فإما أن تعجَّل له الدعوة، وإما أن يُدفع عنه من السوء مثلها، وإما أن تُدخر له في الآخرة، فما أشد حاجةَ العباد إلى الدعاء، بل ما أعظمَ ضرورتهم إليه! مظاهر إجابة الدعاء في الحج: هذا وإن الحج فرصة عظيمة ؛ للإكثار من الدعاء والإلحاح على الله فيه، ذلك أن مظانَّ إجابة الدعاء في الحج كثيرة متوافرة ؛ فالأوقات، والأماكن، والأحوال، والأوضاع التي يستجاب فيها الدعاء – تتوافر في الحج أكثر مما تتوافر في غيره، فمن تلك المظانِّ التي ترجي فيها إجابة الدعاء في الحج ما يلي: 1- أن الحاج مسافر: والمسافر مستجاب الدعاء، قال النبي "صلى الله عليه وسلم": (( ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده)) رواه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وصححه الألباني. 2- أن الحاج مستجاب الدعوة: قال النبي "صلى الله عليه وسلم": ((الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعاطاهم)) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني. 3- في الحج يشتد الإخلاص: وذلك من أعظم أسباب الإجابة كما في قصة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة، كما في صحيح البخاري، فكان إخلاصهم لله أعظم سبب لنجاحهم. 4- في الحج مواضع عديدة يشرع فيها الدعاء، وترجي الإجابة: فمن ذلك ما يلي: أ- الدعاء عند الصفا: لما جاء في صحيح مسلم من الحديث الطويل في صفة حجة النبي "صلى الله عليه وسلم" الذي رواه جابر، وفيه: ((فبدأ بالصفا، فَرقىَ حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله، وكبَّره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات)). ب- الدعاء عند المروة للحديث السابق، وفيه ((ثم نزل المروة، حتى إذا انصبَّت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صَعِدتا مشى، حتى إذا أتى المروة ففعل على المروة كما فعل في الصفا)). ج- الدعاء يوم عرفة: قال النبي "صلى الله عليه وسلم": ((أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له)) رواه مالك، والترمذي، وحسنه الألباني. د- الدعاء عند المشعر الحرام: كما جاء في حديث جابر الطويل، وفيه: ((ثم ركب القصواء حتى إذا أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه، وكبره، وهلله، ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً)). ه - الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى: لما جاء في صحيح البخاري أن رسول الله r: ((كان إذا رمى الجمرة التي تلي مسجد منى يرميها بسبع حصيات، ثم يكبر كلما رمى بحصاة، ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة، رافعاً يديه يدعو، وكان يطيل الوقوف )). و- الدعاء بعد رمي الجمرة الوسطى: للحديث السابق، وفيه: ((ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فيقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات، يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف، ولا يقف عندها)). ز- الدعاء عن شرب ماء زمزم قال صلى الله عليه وسلم: ((ماء زمزم لما شرب له)) أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.