الجرائم الصهيونية ممتدة منذ 1948 إلى يومنا هذا --- في يوم مشابه ليوم أمس كان فلسطينيونولبنانيون يتلمّسون ما اقترفته أيادي القتلة في مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت. بعد مرور 33 عاماً على هذا اليوم لا تزال رائحة الدم والجثث المنتهكة تخرج من روايات الناجين منها. تبدو المجزرة اليوم حيّة أكثر من أي يوم مضى. حيّة من خلال مجازر نعيشها كلّ يوم. تماماً كما أننا نعيش جريمة مشابهة للجريمة بحق الشعب الفلسطيني المستمرة منذ عام 1948. من سخرية القدر أن يكون الشعب السوري ضحية هذه الجريمة وهو الذي ساند فلسطين دوماً. لم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا مشابهة لما سبقها من جرائم لكنها كانت عيّنة لما تلاها. الحديث ليس عن شكل الإجرام ونوعه وخصوصاً أن عقل القتلة لا يخلو من أفكار أكثر إجراماً كلّ يوم. جوهر الاختلاف هو هوية المنفذ. فمعظم الروايات تتفق على مسؤوليّة صهيونية مباشرة وأياد لبنانيّة منفّذة. هنا أصل القصة. استخدام العرب في قتل العرب خدمة لمشروع صهيوني. لكن القصة لا تقف هنا. لا تزال صبرا وشاتيلا واحدة من المجازر التي بقيت من دون حساب. عندما توفي رئيس الوزراء السابق أرييل شارون (وزير الدفاع وقت حصول المجزرة) عام 2014 قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إنه (من المؤسف أن يذهب شارون إلى قبره دون أن يواجه العدالة على دوره في صبرا وشاتيلا وغيرهما من الانتهاكات). 33 سنة دون عقاب بقيت هذه المجزرة من دون عقاب. فقد وجدت لجنة (كاهان) وهي لجنة تقصي الحقائق الهيونية الرسمية المكلفة بالتحقيق في الأحداث أن ثمة (استحالة في تبرير استهانة شارون بخطر المذبحة) وطالبت بإقالته من منصبه الوزاري لكنه صار لاحقاً رئيساً للحكومة . لم تجرِ دولة الاحتلال بحسب (هيومن رايتس ووتش) تحقيقاً جنائياً في المجزرة لتبيان مسؤولية شارون وغيره من الصهاينة. تشير المنظمة إلى أنه في العام 2001 رفع الناجون دعوى في بلجيكا تطالب بملاحقة شارون بموجب قانون (الاختصاص الشامل) البلجيكي. إلا أن الضغوط السياسية دفعت البرلمان البلجيكي لتعديل القانون في افريل 2003 وإلغائه كلياً في أوت مما حدا بأعلى المحاكم البلجيكية إلى إسقاط القضية ضد شارون في سبتمبر من ذلك العام. لا يغيب عن أذهان المتابعين للمسار القانوني في هذه القضية اغتيال الوزير اللبناني إيلي حبيقة عام 2002 في ضاحية بيروت الشرقية وهو الذي كان مستعداً لتقديم شهادته أمام القضاء البلجيكي إذ يُتهم حبيقة وعناصر مسلّحة من مليشيا القوات اللبنانية التابعة له بتنفيذ المجزرة بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي. جاء اغتياله ليُنهي أي احتمال لتبيان حقيقة الأدوار والمسؤوليات أمام القضاء البلجيكي الذي كاد يقوم بدور القضاء الدولي في محاسبة القتلة. اقتلوهم جميعا لا تزال مجزرة صبرا وشاتيلا الشاهد الأبرز على الاستقالة الدوليّة من محاسبة القتلة في الشرق العربي. فالإفلات من جريمة تهجير الفلسطينيين من أرضهم وإحلال مستوطنين مكانهم مهّد لجريمة تهجير السوريين التي نعيشها اليوم. فسورية لا تعيش حالة لجوء فحسب بل تحوّل الأمر إلى تهجير جزء كبير من ضحاياها لن يعودوا إلى أرضهم. تهجير وترانسفير سكاني حاول القيمون عليه إدراجه في بنود التفاوض على إنهاء معركة الزبداني غربي دمشق الشهر الماضي وهو يترافق مع عملية استيلاء على الأراضي والعقارات لإحلال مجموعات سكانية من مذاهب معينة مكان الذين يُرحّلون إن عبر الشراء أو حرق السجلات العقارية كما حصل في حمص عام 2013 ويترافق هذا الأمر مع مجازر مذهبية وإفراغ مناطق من سكانها تمهيداً لاستيطان آخرين. يُراقب المجتمع الدولي ما يحصل ويُدين ويقلق ويستنكر. يُرسل بعض المساعدات عبر منظمات دوليّة. ومع الوقت يُصبح هاجس تأمين التمويل لهذه المنظمات لاستمرار المساعدات هو الأولويّة. يُهجّر الملايين من أرضهم. تستوعب دول (العالم الأول) عشرات الآلاف للاستفادة منهم كيد عاملة رخيصة. وما تلبث أن تنقض القوانين والمواثيق التي سبق ووضعتها لحماية حق اللجوء وحقوق اللاجئين والأفراد. يتحوّل الأمر إلى كوميديا سوداء يوم يُبلغ رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون نظيره اللبناني تمام سلام أن (بريطانيا العظمى) ستستقبل 1500 لاجئ سوري من لبنان. هكذا تتحوّل المجزرة من جريمة تحتاج لمحاسبة إلى مجموعة قضايا فرعية يُحسن فيها البعض إلى العرب. التحقيق الجدي والشفاف بمجزرة صبرا وشاتيلا أكثر من ضروري. بات حاجة ليكون منطلقاً لإحقاق بعض العدالة في هذه المنطقة وإيقاف دورة العنف القائمة على مبدأ الإفلات من العدالة.