تبقى جزءا من التراث الجزائري العريق حرف تقليدية أصيلة تواجه رياح العصرنة رغم العصرنة والتطور إلا أن المرأة الجزائرية لازالت تحافظ على حرفة النسيج الذي تعتبر من أقدم الحرف التقليدية بالجزائر حيث يتسابقن النسوة في أغلب مناطق الوطن لإبداع أغلى وأفخم الزرابي والألبسة والحايك أو الحنبل وكذلك الأفرشة وبعض الأغطية التي يصنعونها بالسداية والتي لا يخلو جهاز العروس منها في المدينة أو المناطق النائية فهن يعتبرنها عادة لا يمكن الاستغناء عنها بالرغم من عصرنة صناعة الزرابي والمفروشات تبقى للحنبل الذي تحيكه أنامل النسوة وتبدع فيه ميزة خاصة. سارة بورويبة لا نتحدث عن الصناعة التقليدية من دون التحدث عن المنسج التقليدي هذه الآلة البدائية المصنوعة من أغصان شجرة (الزان) يختارون هذه الشجرة لصلابة وقوة أغصانها وقدرتها على التحمل لفترة أطول ويتشكل المنسج التقليدي أو السداية من ستة أعمدة خشبية اثنان من الأعمدة تشدان النسيج والوتدين أين تجلس المرأتين بالمقابل ويتم تمرير الخيط الخاص بالنسيج أفقيا ذهابا وإيابا بين الوتدين المثبتين في الأرض جيدا وفي نفس الوقت تقوم إحدى الجالسات قرب الوتدين بنسج ما يسمى بالنيرة مستعملة في ذلك خيط الروح والتي تلعب دورا هاما في تسهيل النسيج وضمان عدم تداخل الخيوط والنيرة هي الفتحة أو الحيز المشكل بين الطبقتين وينجز هذا التحريك لخيوط السداء نتيجة تمرير خيط الروح من خلال فتحة النيرة. وتعتبر السيدة فتيحة القاطنة بضواحي ولاية ميلة التي تعتبر من صانعي الحنبل الميلي أن المنسج التقليدي يتكون من عدة ركائز وأدوات تستعملها في الحياكة ونسج المفروشات كالمشط القرداش والمغزل فهناك مراحل عديدة تمر عليها الصوف قبل أن تتحول إلى خيوط رفيعة جاهزة للحياكة بداية من جزها من ظهر الخروف وغسلها وإزالة الشوائب والأتربة العالقة بها ويتم تجفيفها وتمشط بالمشط كأول خطوة وبعدها تغل أي تبشم الصوف.. أما القرداش فهو آلة يدوية مكونة من جزئين يتم قطع الصوف إلى أجزاء قابلة للفتل ومن ثم تشكل إلى خيوط رفيعة لتحاك في السداية وتقول السيدة فتيحة حرفية في صناعة النسيج أن صنعة النسيج تستحق العناء والحفاظ عليها مهما تغيرت الأجيال والعصور لأن جيل اليوم لا يعرف الكثير عن هذا التراث ولا يهتم بتعلم الحرف التقليدية. السيدة فتيحة وغيرهن كثيرات يفتخرن بتعلمهن لهذه الحرفة ويظهرن حرصهن الدائم على بقائها والحفاظ عليها من الزوال والاندثار.. حرفة النسيج تتألق بالجنوب الجزائري تعتبر صناعة النسيج من أقدم الحرف التقليدية بالجزائر خاصة بالجنوب الجزائري الذي تألق في هذا المجال نظرا لخصوصية المنطقة الطبيعية وكذا توفر المادة الأولية المتمثلة في الصوف ووبر الأنعام السيد حداد بوجمعة من رواد صناعة الحنبل بالجنوب حول هذه الحرفة يقول محدثنا (صناعة الحنبل والزرابي من الصناعات التقليدية التي ورثناها عن الأجداد إنها إرث يجب المحافظة عليه فأنا شخصيا أمضيت عدة سنوات بين المنسج وخيوط الصوف وأجد سعادة كبيرة عندما أكمل عملية النسيج التي اعتبرها فنا قائما بذاته كما أنني أهتم بهذه الحرفة وأمارسها رفقة زوجتي ونحن بدورنا قمنا بتعليمها لأشخاص آخرين من خارج العائلة كما تعكف الزوجة حاليا على تعليمها لزوجات أبنائنا حتى تبقى هذه الحرفة متوارثة عبر الأجيال). وحول أنواع الحنابل والزرابي التي يصنعها قال السيد بوجمعة (هناك عدة أنواع من الزرابي منها الزربية البربرية أو القبائلية وهي من أجمل الأنواع وأكثرها طلبا في الجنوب الغربي الجزائري نظرا لتنميقها الخاص وتتسم الزاربي التي تصنع هنا ببساطتها وجمال أشكالها الزخرفية وهي غالبا ما تصنع بواسطة الغرز المنبسطة وتزينها أشرطة ملونة عرضية وواضحة) ويضيف (الحنبل القبائلي يمتاز بألوانه الزاهية وهو الحنبل الذي اختص في صناعته كونه زاهي الألوان حيث نقوم بمزج الأحمر والأخضر والأصفر والبني والأسود في أشكال وخيوط متناهية الروعة فيها الهندسية المستقيمة وتتعاقب فيه السبائب الملفوفة والمنسوجة ذات العرض المختلف الشيء الذي يجعله شبيها بالزرابي البربرية حيث يمكن للعائلات ذات الدخل المتوسط أن تستفيد منه في الديكور داخل المنازل خاصة أن الحنبل يمكن أن يستعمل كفراش وغطاء وزينة أيضا فوق الأفرشة في بيت الضيافة وللاستعمال اليومي أيضا). وعن المواد الأولية وطريقة تحضير الحنبل قال السيد بوجمعة (نحن نشتري المادة الأولية المتمثلة في الصوف من تلمسان أو نقوم بشرائها من عند الموالين ثم نغسل الصوف ونجففه لنبدأ عملية (التقرديش) التي تعتبر أساسية في هذه الحرفة حيث نقوم بطويه وتركيبه على (المرمة) أو (المنسج) ثم تبدأ عملية العقد وهنا أود التذكير بأن الصوف سواء كانت خاما بلونها الأبيض الدافئ أو السكري الجذاب أو مصبوغة بالألوان الطبيعية أو الكيماوية فإنها ستنصهر كي تعطينا زرابي وحنابل تجسد تحفا تعشقها العين). وعن آلية الصباغة قال محدثنا (قديما كانت المواد الطبيعية النباتية مثل قشرة شجر التفاح أو الرمان أو الزعفران أو المواد المعدنية مثل سولفات الحديد تستعمل في صباغة الصوف أما في الوقت الحاضر نادرا ما تستعمل هذه المواد الطبيعية خاصة أن تلك الأصباغ الطبيعية لا تغير خصائص الصوف التي تحتفظ بألوان زاهية لا تبهت ولا تتلف مع مر السنين). الحنبل ينافس الصالونات العصرية على الرغم من الزرابي والصالونات العصرية لايزال الحنبل يثبت وجوده بين العائلات الجزائرية التي تمسكت بحضوره في صالونات عرب من أجل إعطاء الصبغة العربية على البيت والابتعاد قليلا عن الصبغة الأوروبية التي تعكسها الصالونات العصرية إذ لازالت الأسر تخصص غرفة تزينها بكل ما هو تقليدي على غرار الحنبل الذي يزين أرضية الغرفة و(مطارح الصوف) والهيدورة لتكون الغرفة كقاعة للجلوس (السني النحاسي) وهو عبارة عن طاولة تقليدية من النحاس الذهبي أو الفضي وحول الوقت المستهلك لتحضير صالون كامل بالحنبل وسعره أيضا قال محدثنا (أحتاج ليومين كاملين ليكون الصالون بستائره جاهزا إلا أن الصالون التقليدي باهظ الثمن بسبب غلاء المواد الأولية أما البسيط منه فلا يتجاوز سعره 13000دج). وحول طموحه وآماله قال (لقد كان أجدادنا يعيشون ويعتمدون على ما تصنع أيديهم بداية من النعال حتى نوعية اللباس الذي يلبسونه وأنا شخصيا أرى أن مستقبل الوطن الاقتصادي يكمن في المحافظة على الفلاحة والصناعات التقليدية لذا أتمنى أن تنال هذه الحرفة حظها من الاهتمام من طرف المسؤولين خاصة أن الطلب عليها كبير من طرف السياح الأجانب كما أتمنى أن ننال فرصة المشاركة في العديد من المعارض للتعريف أكثر بهذا الإرث. القشابية ...إرث تقليدي متوراث تمثل (القشابية) وهي لباس تقليدي شهير في الجزائر مصنوع من الوبر والصوف قيمة عالية في منظور عدد كبير من أبناء الريف الجزائري الذين يفضلون ارتدائه ويتفاخرون به وزحفت حتى إلى العاصمة ودخلت من باب الموضة وضمان الدفء في فصل الشتاء بين الشباب العاصمي تبعا لجمالية وثقل القشابية مما يجعلها تقاوم البرد القارص خصوصا في الهضاب العليا والمناطق السهبية التي تنزل بها درجة الحرارة في فصل الشتاء إلى ما دون الصفر. يصمد هذا اللباس التقليدي أمام تغير العادات والألبسة بالمجتمع الجزائري واحتفظت القشابية بمكانتها وسط مختلف الفئات الاجتماعية فارضة نفسها كبديل لمختلف أنواع البدلات الشتوية المعروضة في السوق المحلية ولا يقتصر ارتداء القشابية على فئة أو منطقة معينة بحيث أصبحت تستهوي عددا متزايدا من الأشخاص ولامست شعبيتها سكان المناطق الحضرية بعدما كانت تقتصر في الماضي على الأرياف حيث توارثتها المداشر والقرى جيلا بعد جيل. ولا يجد الأعيان وكبار الموظفين وكذا مدراء مؤسسات لها وزنها أي حرج من ارتداء (القشابية) بل بالعكس يعتبرونها علامة خاصة ترمز لأصالة انتمائهم الاجتماعي وتميزهم عن بقية السكان الآخرين خاصة عندما يتعلق الأمر بأحسن منتوج يباع في السوق وهناك عدة أنواع من (القشابيات) أكثرها رواجا ذاك الصنف المصنوع من وبر الجمال والذي يتراوح سعره بين 40 ألف و60 ألف دينار (في حدود800 دولار) ويكثر عليه الطلب من طرف فئة خاصة من الزبائن تتمثل في رجال السياسة وأرباب العمل وكذا الوجهاء وغالبا ما تقدم كهدية إلى عموم الشخصيات التي تزور الجزائر كشهادة تقدير وعرفان. وإلى جانب الصنف المذكور هناك أنواع أخرى ذات نوعية متوسطة مصنوعة من القماش المستورد مثل (الكشمير) و(الصوف) وتتراوح أسعارها بين 20 ألف و35 ألف دينار (ما يعادل أربعمائة دولار) وعلاوة على أنّ القشابية سمحت بالحفاظ على موروث من التراث القديم فإنّ هذا اللباس ساهم أيضا في حماية مهنة مهددة بالزوال ولا تزال تمثل مصدر استرزاق بالنسبة لعدد هام من العائلات. تنسج القشابية بطريقة يدوية بحتة فبعد الغسل الجيد وإزالة جميع الشوائب والأتربة العالقة بالمادة الأولية وبعد تجفيفها توجه للخلط بالوسائل التقليدية (الثنثار - المشط) كي تتجانس ألوان المادة الأولية وفي مرحلة متقدمة تبدأ أولى خطوات الغزل حيث يتم (بشم) الصوف أو الوبر يدويا أي خلطه بواسطة آلة يدوية مكونة من جزئين تدعى القرداش يتم تقطيع الصوف أو الوبر إلى أجزاء قابلة للفتل ومن ثم تشكل هذه الأجزاء في شكل خيوط رفيعة أو متوسطة السمك حسب المنتج المراد نسجه وذلك بواسطة آلة يدوية تدعى المغزل الذي يقوم من خلاله بفتل الخيوط من خلال الحركة الدائرية للمغزل وتحدد كمية المادة الأولية اللازمة للإنتاج من خلال تقدير الناسج.