مزيد من الحرية.. أزمة في المكتوب وفوضى في السمعي البصري ** يتزامن إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة هذه السنة اليوم الثالث ماي مع مكسب أكيد للأسرة الإعلامية في الجزائر ألا وهو تكريس حرية الصحافة في الدستور المعدل ومقابل الهوامش المتزايدة من الحرية تعاني الصحافة المكتوبة أزمة حقيقية في ظل تراجع مواردها المالية فيما يغرق قطاع السمعي البصري في الفوضى. وتنص المادة 41 من الدستور المعدل الذي صادق عليه البرلمان في شهر فيفري 2016 على أن حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية مضمونة ولا تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية وأنه لا يمكن استعمال هذه الحرية للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم . كما أن نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء بكل حرية مضمون في إطار القانون واحترام ثوابت الأمة وقيّمها الدينية والأخلاقية والثقافية حسب المادة نفسها التي تنص على أنه لا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية . وفي هذا السياق كان وزير الاتصال حميد قرين قد اعتبر أن ما جاء في الدستور المعدل يعتبر مكسبا كبيرا وأيا كان الدافع أو الإساءة أو الشتم أو القذف أو التهجم فإن الصحفي لن يتعرض للحبس من الآن فصاعدا .
دعم دون قيود لحرية الصحافة من هذا المنطلق ما فتئ رئيس الجمهورية يبدي اهتماما بالغا بانشغالات الأسرة الإعلامية معبرا عن دعمه التام لحرية الصحافة. وفي 2013 حين كان يتواجد في فترة نقاهة جدد الرئيس بوتفليقة التزام الدولة بتزويد الصحافة الوطنية وقطاع الإعلام بآليات قانونية وبأشكال دعم مختلفة تسمح له بأداء مهامه النبيلة كما أعلن في نفس السنة عن تأسيس يوم وطني للصحافة يتم إحياؤه يوم 22 أكتوبر من كل سنة. ويصادف هذا اليوم صدور بتاريخ 22 أكتوبر 1956 أول عدد من جريدة المقاومة الجزائرية لسان حال جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني. تشهد الساحة الإعلامية اليوم انتشارا واسعا لوسائل الإعلام المكتوبة والقنوات التلفزيونية التابعة للقطاعين العام والخاص. وأوضح الرئيس بوتفليقة انه في الجزائر حيث يتم استكمال بناء الديمقراطية تعد الصحافة ووسائل الإعلام من حيث أهمية دورها فضاءا ضروريا للنقاش العام الذي يسمح للرأي العام بإسماع صوته . وأكد رئيس الجمهورية أن الدولة التزمت بحماية حرية الصحافة من أي انسياق إلى التجني بالقذف أو الاحتقار أو أي إجحاف في حق المواطن أو الطعن في المؤسسات الدستورية. وفي هذا الإطار تم إطلاق ورشات لسنة 2016 لإعادة تنظيم القطاع وتأهيله ويتعلق الأمر أساسا بوضع سلطة لضبط الصحافة إنشاء مجلس لأخلاقيات المهنة وكذا مجلس دائم لإصدار البطاقة المهنية وصدور قانون حول الإشهار وسبر الآراء. وأمر رئيس الجمهورية في شهر أكتوبر الماضي الحكومة باستكمال المنظومة القانونية للصحافة خاصة تلك المرتبطة بالضبط في مجالات الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية. ودعا المهنيّين والناشرين إلى تحمل مسؤولياتهم من حيث التكوين والاستثمار في مؤسساتهم ضمانا لديمومة التشغيل فيها . وأضاف رئيس الجمهورية أن مثل هذه الجهود ينبغي أن تترجم أيضا في تحديث أدوات الاتصال واحترافية أداء هذه المؤسسات من جهة والتقيد من جهة أخرى بأحكام منظومة التشريع والتنظيم ذات الصلة بحماية العاملين في قطاع الإعلام وضمان حقوقهم ومكتسباتهم الاجتماعية . كما أكد الرئيس بوتفليقة على أنه لا مناص للصحافيين بعد استكمال عملية تحديد صفة الصحافيين المحترفين وضبط البطاقية الوطنية من الانضمام إلى مسار الإصلاح الذي باشرناه خلال السنوات الأخيرة عن طريق الهيئات الممثلة لهم قانونا أي سلطة ضبط الصحافة المكتوبة ومجلس أخلاقيات المهنة وآدابها . وفي نفس السياق أعلن وزير الاتصال في شهر فيفري الماضي أنه قد تتم مراجعة بعض مواد القانون العضوي المتعلق بالإعلام لتكييفها مع أحكام الدستور المعدل خاصة تلك التي تكرس حرية التعبير. وأوضح السيد قرين من جهة أخرى أن انتخاب مجلس أخلاقيات المهنة سيكون في شهر (ماي 2016) وأن الإجراء تأخر بسبب انتظار تسوية وضعية جميع الصحافيين. وذكر من جهة أخرى بتنصيب اللجنة الدائمة لتسليم بطاقة الصحفي المحترف خلال نفس الشهر. وبشأن تعيين رئيس جديد لسلطة ضبط السمعي البصري خلفا لميلود شرفي الذي عين في مجلس الأمة ذكر السيد قرين أن ذلك من صلاحيات رئيس الجمهورية. ويعد القانون حول الإشهار وسبر الآراء أيضا من بين القوانين ال30 التي ستعرض على غرفتي البرلمان للدراسة والمصادقة خلال دورة الربيع (2016) وفي هذا السياق أكد السيد قرين أن القانون الخاص بالإشهار لن يحتوي على أي شيء استثنائي وسيكون مشابه للقوانين السارية في البلدان الأخرى . أزمة في الصحافة المكتوبة تواجه غالبية الصحف الوطنية أزمة مالية حقيقية نتيجة تراجع مواردها بفعل نقص المادة الإشهارية الخاصة والعمومية وهو أمر منطقي يعد بمثابة نتيجة حتمية لانهيار أسعار النفط وتجميد آلاف المشاريع. وبخصوص منح الوكالة الوطنية للنشر والإشهار الإشهار للجرائد أكد السيد قرين أن الأمر لا يتعلق بحق مشيرا إلى أن دائرته الوزارية لا تركز على هذه النقطة ولكن أولويتها تتمثل في تحديث هذه المؤسسة . وحسب الوزير فإن الصحافة المكتوبة تضم حوالي 153 عنوانا يستفيدون من دعم الدولة لا سيما خلال إشهار الوكالة الوطنية للنشر والإشهار. وتأتي مكاسب الصحافة في الجزائر أيضا لتعزيز الفضاء الإعلامي في البلد وأيضا لتعزيز أسس دولة القانون والديمقراطية في البلد في سياق مواصلة الدستور المعدل. فوضى وتجاوزات في السمعي البصري تم تكريس فتح المجال السمعي البصري في القوانين بعد طول انتظار دام لسنوات عديدة بالجزائر تلبية لمطلب شعبي ملح إلا أن الفوضى لا تزال تعم القطاع برأي العديد من المسؤولين والمهنيين. وجاء فتح المجال السمعي البصري الذي طال انتظاره والذي يرافق التنمية ويعزز الديمقراطية في إطار الإصلاحات السياسية التي بادر بها رئيس الجمهورية في 2011 وأهمها تعزيز حرية التعبير. وعزز فتح المجال السمعي البصري انشاء سلطة ضبط السمعي البصري وهي مؤسسة نص عليها القانون حول النشاط السمعي البصري الذي صادق عليه البرلمان في 2014 من أجل تنظيم المجال السمعي البصري في الجزائر وتعزيز الخدمة العمومية. وتحرص هذه المؤسسة المكلفة بضمان الموضوعية والشفافية على الإنصاف وترقية ودعم الثقافة الوطنية واحترام تعدد الآراء على اختلاف التيارات الفكرية. وبرأي الرئيس السابق لسلطة ضبط المجال السمعي البصري ميلود شرفي فإن قطاع السمعي البصري يعرف فوضى حقيقية في التسيير مشيرا إلى أنه من أصل 40 قناة تلفزيونية خاصة التي تبث برامجها بالجزائر خمسة فقط حائزة على الاعتماد. ووصف ذات المسؤول عدة مرات بعض البرامج التي تبثها القنوات التلفزيونية الخاصة ب التجاوزات المتكررة معتبرا إياها بمثابة أخطاء مبتدئين . في ذات السياق استدعت سلطة ضبط السمعي البصري مسؤولي بعض القنوات الخاصة لتوجه لهم إنذارات شفهية بسبب تجاوزات مذكرة إياهم بضرورة احترام قواعد أخلاقيات المهنة والقيم الأخلاقية للمجتمع. وكان وزير الاتصال حميد قرين قد أكد أنه تم استدعاء مسؤولي قنوات التلفزيون الخاصة حيث تم توضيح الأمور التي يجب احترامها مشيرا إلى تغيير بعض هذه القنوات . وفيما يتعلق بالقواعد القانونية لهذه القنوات أكد الوزير أن أغلبيتها لا تخضع للقانون الجزائري وهي لا تتوفر على ترخيص مذكرا باستحالة إنشاء قنوات إذاعية أو تلفزيونية دون موافقة السلطات. وبعد أن ذكر بأن نسبة التسامح التي تتعامل بها الدولة تتوقف عند نقاط حمراء لا يجب تجاوزها أشار الوزير إلى أن الدولة الجزائرية كانت جد متسامحة لكن هذا التسامح يقف عند خطوط حمراء لا يجب تجاوزها . وعن سؤال بخصوص منح التراخيص للقنوات الجزائرية الخاضعة لقانون أجنبي أوضح السيد قرين أنه سيتم في الوقت المناسب منح الترددات (التي يبلغ عددها حاليا 13) وستتكفل سلطة الضبط بتحديد القنوات التلفزيونية التي تحترم دفتر الشروط .
نصوص تطبيقية غائبة يعتبر المختصون أن قطاع السمعي البصري يعاني من فوضى عارمة لا سيما أن العديد من القنوات الخاصة لا تستجيب لشروط المصداقية والاحترافية على حد قول الأستاذ لعيد زغلامي أستاذ في معهد الصحافة الذي اعتبر أن القطاع يتميز بالضبابية والفوضى مؤكدا أن سلطة الضبط لم تمارس مهامها على أكمل شكل فبدل أن تتخذ قرارات صارمة اكتفت بتوجيه تحذيرات . وأرجع السيد زغلامي هذه الفوضى إلى غياب نصوص تطبيقية حول قانون السمعي البصري ل 2014 مشيرا إلى أنه بعد صدور النصوص سيكون بإمكان الدولة تحديد رأسمال هذه القنوات وكذا مضمون البرامج. كما شدد على غياب دفتر شروط محدد من أجل تفادي الإنحياز والتحيز في معالجة مختلف الأحداث الوطنية بالإضافة إلى الوضع القانوني الذي يبقى غامضا . ودعا إلى ضرورة وضع نظام سمعي بصري ناجع يستجيب لتطلعات المواطنين مثلما يتم في بلدان أخرى ويضمن الخدمة العمومية . ومن جهتها اعتبرت وهيبة بلحاج أستاذة بالمدرسة العليا للصحافة وعلوم الإتصال بأن القطاع تميزه فوضى عارمة إلى جانب منافسة غير نزيهة . وأضافت أن هذه القنوات التلفزيونية تبحث عن جانب الإثارة على حساب العمل الإعلامي استجابة للخدمة العمومية. وتأسفت لرؤية هذه القنوات تشدد على الحياة الخاصة للناس بدل تقديم معلومات نوعية للمواطنين كما أنها تقوم بتوظيف متخرّجين جدد يفتقدون للتكوين والاحترافية مقابل أجور زهيدة . ومن أجل وضع حد لهذا الوضع اعتبرت المختصة أنه يجب إعداد دفتر شروط واضح بين سلطة الضبط ومسؤولي هذه القنوات كي يستعيد القطاع مهمته النبيلة ويستجيب لحاجيات المواطن للحصول على أخبار موثوقة و نافعة في حياته اليومية.