السيد بوغالي يترأس بالقاهرة أشغال الدورة ال37 الاستثنائية للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني العربي    سعيود يبرز الجهود المتواصلة    هذه توضيحات الجمارك الجزائرية..    وزارة التربية تدرس مقترحات 28 نقابة    توقيف لاعبَيْ مولودية الجزائر واتحاد بسكرة 6 مقابلات    سيطرة مطلقة للمنتخب الجزائري    الدخول المهني: استحداث تخصصات جديدة تواكب سوق العمل المحلي بولايات الوسط    هذه هي الجزائر التي نُحبّها..    نحو 5000 امرأة ريفية تستفيد من تكوين    تتويج زينب عايش بالمرتبة الأولى    قِطاف من بساتين الشعر العربي    الشوق لرمضان    كناب-بنك يطلق مخطط ادخار "برو-انفست" لمرافقة المهنيين    حماس: تأخير الكيان الصهيوني الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين "خرق فاضح لصفقة التبادل"    رئيس مجلس الشيوخ المكسيكي يؤكد دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره    كرة القدم/ كأس افريقيا 2026 /اناث: سيدات المنتخب الوطني يواصلن تحضيراتهن بالجزائر العاصمة    صدور المرسوم التنفيذي المتضمن رفع قيمة منح المجاهدين وذوي الحقوق    تقديم العرض الشرفي الأول لفيلم "من أجلك.. حسناء" للمخرج خالد كبيش بالجزائر العاصمة    مجلس الأمن يعتمد قرارا يدين الهجمات في جمهورية الكونغو الديمقراطية والاعتداء على المدنيين    الطارف : انطلاق التربص التكويني لمدربي كرة القدم FAF1 بالمركب الرياضي تحري الطاهر    اقتناء "فيات دوبلو بانوراما" يكون عبر الموقع الإلكتروني    اجتماعٌ تنسيقي بين وزير السكن ووزير الفلاحة والتنمية الريفية    ربيقة يشارك في تنصيب قائد جيش نيكاراغوا    نثمن الانجازات التي تجسدت في مسار الجزائر الجديدة    جائزة التميّز للجزائر    شبكة وطنية لمنتجي قطع غيار السيارات    اتحاد التجار يطلق مبادرة لتخفيض أسعار المنتجات الغذائية    باتنة: الدرك الوطني بوادي الشعبة توقيف عصابة تنقيب عن الآثار    رهينة إسرائيلي يقبل رأس مقاتلين من كتائب القسام    معركة فوغالة كانت بمثابة القيامة على جنود العجوز فرنسا    جنازة نصر الله.. اليوم    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    تعديل في نظام تعويض أسعار القهوة الخضراء المستوردة    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    تكنولوجيا جديدة لتقريب الطلبة من المحيط الاقتصادي    ضبط أزيد من 32 كلغ من الفضة بحاسي مسعود    احتجاجات تعمّ عدة مدن مغربية    المجاهد قوجيل يحاضر بكلية الحقوق    اعتماد 4 سماسرة للتأمين    وفد من المجلس الشعبي الوطني يزور صربيا    "العميد" للتصالح مع الأنصار وتعزيز الصدارة    مستفيدون يُجرون تعديلات على سكنات تسلَّموها حديثاً    مبادرات مشتركة لوقف إرهاب الطرق    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    رضاونة يجدّد دعوة ترسيم "الأيام العربية للمسرح"    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    نادي ليل يراهن على بن طالب    كرة القدم/رابطة 1 موبيليس (الجولة 17): نادي بارادو - مولودية الجزائر: "العميد" لتعميق الفارق في الصدارة    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشكلة ليست دونالد ترامب
نشر في أخبار اليوم يوم 30 - 05 - 2016


بقلم: مدى الفاتح*
هنالك تركيز غير مسبوق على ظاهرة المرشح الأمريكي دونالد ترامب. تركيز يبلغ درجة الإيحاء بأن ترامب هو مرشح الإدارة الخفية التي تدير العالم والتي ترغب في تدميره عبر خلق صراع أهلي داخل أمريكا نفسها وبين مكوناتها إضافة إلى الصراعات الخارجية.
هذه الصورة المخيفة التي تصور أمريكا المستقبل الترامبية في صورة معادية للعرب والمسلمين ورافضة لوجودهم سوف تدفع برجل أعمال عربي شهير للتهديد بسحب استثمارته من السوق الأمريكي وسيتلوه آخرون ليبدو الأمر وكأنه تهديد جدي لاقتصاد بلد كان على شراكة تاريخية مع أصحاب رؤوس الأموال والسياسة العرب. هذه الصورة السريالية الفوضوية تبدو متعمدة لإخفاء حقائق دامغة لا مجال لإنكارها أهمها أن علاقة الولايات المتحدة مع العالمين العربي والإسلامي هي بالفعل سيئة ولا يمكن لأي رئيس قادم أن يجعلها أسوأ أو أن ينافس سابقيه في اختلاق مرارات جديدة وكما غرّد الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي فإن العداء (الترامبي) البيّن أفضل بكثير من المحبة (الأوبامية) الخادعة.
أما قصة (الرد العربي) في حالة انتخاب من يعرّض مصالح شعوبه للخطر فتبدو أشبه بالدعاية المفضوحة. هذه الدعاية تحاول أن تقنعنا بأن العرب الذين لم يتحركوا رغم كل الممارسات الأمريكية ولم يمارسوا أي نوع من الضغوط التي قد تثني صانع القرار هناك عن محاباته المفضوحة ودعمه للكيان الصهيوني وتوفير ملاذات سياسية آمنة له أن أولئك قادرون على الانتفاض لمجرد تصدر دونالد ترامب للمشهد السياسي! وهل سيرضى أولئك الغاضبون حينما تترأس الولايات المتحدة شخصية مثل هيلاري كلينتون؟ يذكرني ذلك بقصة الحاكم الذي أشاع بأنه سيفرض ضريبة مفاجئة بقدر خمسين في المئة قبل أن يتراجع ويفرضها بقيمة العشرة في المئة. الناس سوف يفرحون ويهللون من أجل الحاكم الطيب وسوف يختفي التساؤل حول شرعية فرض ضريبة بالأساس!
حروب ومصالح
هل كانت أفكار ترامب صادمة منذ البداية؟ الحقيقة هي نعم وليس فقط على الصعيد المتعلق بالعرب والمسلمين بل إن مطالبات مثل صنع جدار عازل يفصل الولايات المتحدة عن المكسيك أو طلبه الانسلاخ عن الناتو وغيرها كل تلك كانت أفكار كفيلة بأن تشغل وسائل الإعلام داخل الولايات المتحدة وخارجها. رغم ذلك فإنني لا أعتبر أن ترامب هو الخطر الأكبر الذي يهدد العلاقات العربية الأمريكية لسببين: أولهما هو ما ذكرته سابقاً من أن هذه العلاقات هي متدهورة أصلاً ليس فقط على صعيد دول ثانوية الأهمية بالنسبة لأمريكا ولكن حتى بالنسبة لدول ذات علاقة استراتيجية معها كمنظومة دول الخليج.
السبب الثاني هو أن أفكار ترامب صادمة بشكل أكثر مما ينبغي بشكل يجعلها غير واقعية وهو ما يعني أنه أمام خيارين لا ثالث لهما فإما أن يتم استبعاده من موقع الرئاسة بعد أن تؤدي تصريحاته تلك خدمة جليلة لصالح تكثير سواد منافسته هيلاري كلينتون وإما أن يفوز فيجبر على تغيير خطابه العدائي بما يتناسب مع الحقوق التي يكفلها الدستور الأمريكي. نذكّر هنا بأن ترامب أو غيره من الرؤساء لن يكون بمقدورهم أبداً طرد المواطنين الأمريكيين بسبب ديانتهم أو منع الزوار والمهاجرين القادمين من أصول أو جهات بعينها. الاعتذار عن لغة الخطاب غير اللائقة قد بدأ فعلاً حيث يقوم أنصاره حالياً بمحاولة التخفيف من حدة الغضب عليه على اعتبار أنه ليس سياسياً بالفطرة وليس صاحب خبرة في مسألة العلاقات الخارجية ولكن أولئك الأنصار يصرون على أنه قادر على حماية مصالح المواطنين سواء من خلال التشريعات الداخلية أو من خلال التدخلات المدروسة الخارجية.
إذا حاولنا تحليل الشعبية التي حصل عليها ترامب وقبله منافسه تيد كروز فسنجد أن أوباما بسياساته المترددة ولغته الغارقة في الدبلوماسية التي لا تقود لأي مكان كانت السبب فيها فحتى الآن ما زال المتابعون داخل وخارج أمريكا يبحثون عن سياسة واضحة لبلدهم إزاء قضايا العالم فأوباما يتبنى عدم التدخل في الشرق الأوسط ثم يتدخل بقوة ويتبنى الاتفاق مع إيران ثم يتراجع لمصلحة حلفائه التقليديين ثم يعلن نيته التوجه إلى آسيا وكبح جماح التنين الصيني لكنه يتراجع ويمنح الصين مساحة أوسع للتحرك والمناورة والتوسع عبر البحار. حتى محاربة التنظيمات المتشددة شكك في جديتها الكثير من الأمريكيين وقد بنى كروز على سبيل المثال حملته الانتخابية على حرب حقيقية وحاسمة ضد تنظيم الدولة وغيره من المنظمات الإسلامية قائلاً ذات يوم إن سياسة بلاده ضعيفة وأن بلاده تحتاج رئيساً حازماً لمواجهة الإرهاب كالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ورغم إيمان كروز بالحرب التدميرية هذه وانتمائه الى الجانب الأصولي من الحزب الذي ينظر من خلاله للأمور بمنظار الحرب الصليبية المقدسة. رغم أنه ليس أقل عداء للمسلمين من ترامب لدرجة جعلته يقترح مراقبة خاصة للأماكن التي توجد فيها أعداد كبيرة من المسلمين. رغم كل ذلك فقد وجدنا من يحزن لخروجه من المنافسة في مقابل ترامب العنصري! لن نتحدث هنا عن هيلاري كلينتون التي يعتبر الكثيرون أن لها فرصة كبيرة في تقلد الوظيفة الأهم في العالم فكلينتون على عكس بقية المنافسين معروفة على نطاق العالم من خلال عملها وزيرة للخارجية واقترابها من سياسات البيت الأبيض خلال الأعوام الماضية بشكل يجعل توجهاتها خاصة علاقتها الحميمة مع الكيان الصهيوني معروفة لكل متابع.
تلاميذ التاريخ الأمريكي
لماذا يبدو الجميع هنا وكأنهم من مدرسة واحدة؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نتوقف عند مصطلح هندسة الانتخابات والهندسة هي كلمة أعقد بكثير من مجرد التزوير فإذا كانت الدول الشمولية تكتفي بتبديل الصناديق وتزوير إرادة شعبها أو إذا كانت تضع النتيجة مقدماً وتحسم التصويت لمصلحتها حتى إن لم يذهب أحد للانتخاب فإن الأمر يبدو في الديمقراطيات الغربية خاصة في الحالة الأمريكية مختلفاً فهناك إقبال واسع على ممارسة الحق في الانتخاب لكن الفرق أن الناخب الذي يظن نفسه حراً هو ليس بالفعل كذلك لأنه واقع تحت التأثير الناعم لأعمال الدعاية والإعلام التي تتيح لك الاعتقاد بأن الفكرة التي ستدفع بك للدفاع عنها ليست فكرة السياسيين أصحاب المصالح بل فكرتك أنت..! مع مرور الوقت لن تصبح هذه الهندسة الديمقراطية خاصة فقط بالدول الغربية بل ستحاكيها دول وأنظمة أخرى من أمثلتها البارزة نظام الولي الفقيه الإيراني الذي يزاوج بين العقيدة المذهبية والتجربة الديمقراطية فيفاخر بتعدديته الحزبية لكنها تعددية في إطار ما يعتبره المشرّع الإيراني ثوابت لا يمكن القفز عليها وهو ما سيجعل الفروق بين المرشحين بين ما يسمى باليمين واليسار أو المعتدلين والمتشددين ضئيلة أو منعدمة. مثال آخر يظهر في انتخابات العالم الثالث التي تعقد من أجل دفع الحرج وحفظ ماء الوجه لكن بشروط خاصة قد يكون من بينها منع مشاركة الأحزاب والشخصيات المنافسة الأقوى بحجة الإرهاب أو العمالة أو العمل ضد مصلحة الوطن بحيث لا يبقى إلا الموالون صراحة أو ضمناً لمسار الاتجاه الحاكم.
كلما كانت الدولة أكبر كانت هندستها أعمق وهو الأمر الذي يبلغ مداه في الديمقراطية الأمريكية التي تتجاوز كما قلنا التلاعب المفضوح بنتائج الانتخابات للوصول إلى ممارسة انتخابية حرة لكن (مفلترة) بعناية بحيث لا تسمح إلا بظهور أشخاص مثل ترامب وكروز وكلينتون رغم أن البلاد فيها من الشخصيات المتوازنة والكفاءات الكثير لكن لا يمكنهم منافسة ملياردير كترامب أو أسر سياسية عريقة كأسرة بوش أو غيرها. قد يقول قائل هنا إن الديمقراطية الأمريكية المهندسة هذه قد سمحت بوصول ابن مهاجر أسود إلى الرئاسة وهو ما يشكك في وجود هندسة من أي نوع. ربما كان يصلح ذلك الزعم في بداية الفترة الرئاسية لأوباما أما الآن وبعد وصول فترته إلى نهايتها فيمكننا أن نقول باطمئنان إن ذلك كان جزءاً من تلك الهندسة أيضاً. لقد احتاج الناس للاقتناع بكون أمريكا قد تغيرت وأنها لم تعد تلك المعادية والفوضوية التي كانت على أيام جورج بوش ولذلك فقد عم الابتهاج العالم بالوصول غير المتوقع لممثل (الأمريكيين السود) الذي وعد العالم بعدة وعود على صعيد الانحياز للسلام والحد من الانتشار النووي وإغلاق المعتقلات غير الإنسانية والبعد عن التدخلات الخارجية هذا غير وعوده الداخلية للأمريكيين وهي الوعود التي ذهبت جميعها أدراج الرياح ليكون مجرد نسخة لطيفة من الإدارة السابقة. نسخة تستخدم ربطة عنق حريرية عوضاً عن الحبل الخشن من أجل تنفيذ أحكام الإعدام!
بمقارنة ومثال بسيط. نأخذ موضوع العراق والشام لنقول إنه ومثلما سلّم بوش العراق إلى إيران بتدخله العنيف وغير المبرر سلم أوباما سوريا إلى إيران مرة أخرى لكن هذه المرة برفضه التدخل أو التحرك. هذا المثال يوضح كيف أن إدارة أوباما رغم اختلافها الظاهري ليست سوى امتداد لإدارة بوش. نخلص إلى أن المشكلة لا تكمن في صعود اليمين العنصري أو في شخصيات مهووسة مثل دونالد ترامب وغيره بل تكمن عندنا نحن عند تلك القيادات والنخب التي تؤمن بقوة بأن مستقبلها إنما يتحدد وفقاً لهوية ومزاج من يجلس على ذلك الكرسي الأبيض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.