رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه أسامة بن زيد... عُمْر الشباب وحنكة الرجال يحفل التاريخ الإسلامي بالنماذج والأمثلة التي تثبت أن الشباب أهلٌ للقيادة والريادة وتسلُّمِ أرفع المناصب وأكثر المواقع حساسية وبرهنت الأيام عبر القرون والأجيال أن هؤلاء الشباب نجحوا في رفع شأن الأمة وأن هذا التاريخ المجيد لشباب الإسلام يدفع شبابنا المعاصرين نحو الثقة بأنفسهم والسير على درب أسلافهم دربِ البناء والتطوير الذي يضيء الحاضر ويفتح أبواب المستقبل في شتى مجالات الحياة. الدكتور قطب عبد الحميد مستشار الوعظ والارشاد يحدثنا عن أسامة بن زيد رضي الله عنه ويقول: هذا الشاب هو حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفارسٌ من فرسان الشباب الذين صنعوا التاريخ الاسلامي ونموذج للشباب المسلمين القادرين على تحمل المسؤولية استعمله النبي صلى الله عليه وسلم لغزو الشام على رأس جيش ضم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار كأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم وغيرهم من قادة الإسلام. ولما أمَّر النبي صلى الله عليه وسلم أسامة على ذلك الجيش كان عمره ثماني عشرة سنة وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه جدير بالإمارة وأهل لها قال ابن عمر رضي الله عنهما: أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فطعنوا في إمارته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يطعنوا في إمارته فقد طعنوا في إمارة أبيه وأيمُ الله إن كان لخليقاً للإمارة وإن كان لمن أحبِّ الناس إليَّ وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إليّ بعده). وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لم يلقَ أسامة إلا وقال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت عليّ أمير. إنفاذ البعث وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم أوصى بإنفاذ بعثِ أسامة وجهز الجيش الذي خرج ووصل إلى مشارف المدينة فلما علم الجيش بمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرجوا فيما كان أول قرار يأخذه أبوبكر الصديق رضي الله عنه في الخلافة هو تنفيذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنفاذ بعث أسامة قال أبوبكر: والله لأن تخطفني الطير أحب إليّ من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث أسامة واستأذنه في عمر أن يتركه عنده قال: فلما بلغوا الشام أصابتهم ضباباً شديدة فسترتهم حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم فقدم على هرقل موت النبي صلى الله عليه وسلم وإغارة أسامة على أرضه في آن واحد فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأغاروا على أرضنا! تدعيم الدولة الإسلامية وقد كان لهذا الجيش والبعثِ أثر كبير في تثبيت وتوظيف دعائم الدولة الإسلامية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وارتداد الكثير من القبائل بجانب إلقاء الفزع والهلع والرعب في قلوب الروم وكذا قلوب القبائل العربية التي تمر بها في شمال الجزيرة العربية والقضاء على أخطار هائلة كانت تهدد الأمة في حاضرها ومستقبلها ناهيك عن صفات ومهارات هذا القائد والتي كفلت له النجاح الذي سطره التاريخ بأحرف من نور فمما يرويه الإمام الذهبي عنه أنه كان شديد السواد خفيف الروح شجاعاً رباه النبي صلى الله عليه وسلم وأحبه كثيراً. .... روائع الاستنباط من القرآن خَضِرُ الأندلس إن الاستنباط القرآني ملكة إيمانية لا تهب رياحها الطاهرة إلا على أهل القرآن الذين ارتفعت أنفسهم عن سفاسف الأمور إلى معاليها وعاشت في تلكم الأجواء الإيمانية العالية الغالية التي ترفرف عليها أجنحة الملائكة تحرسُ أهلها ويباهي بهم الملأ الأعلى إنها هبة ربانية قرنها القرآن بالطاعة والتقوى فقال: (واتقوا الله ويعلمكم الله)... ومن هؤلاء قاضي بلاد الأندلس.. منذر بن سعيد البلوطي الذي استنبط من فعل الخضر عليه السلام مع نبي الله موسى عليه السلام لينقذ مشتكياً من ظلم كان سيقع عليه إذ جاءه رجل يشكو ويقول: (عرضت داري للبيع فأقبل الناس لشرائها من كل حدب وصوب ولما علم مستشار الخليفة عبد الرحمن الناصر بذلك أعجبته وبعث إلى من يلزمني أن أبيعها له بثمن بخس وكان فيها من الزاهدين!) فقال له القاضي: اذهب وبع دارك أنقاضاً أي جزّئ بيتك قسماً قسماً وبعه قطعة قطعة ففعل الرجل ذلك وجاء بربح وفير. ولما علم صاحب الناصر بذلك أرسل إليه عن سر صنيعه فأشار الرجل على القاضي لأنه عمل بمقتضى فتواه. وجاء رسول صاحب الناصر إلى قاضي الجماعة غاضباً مدعياً أن الناصر سيسأله عن حجته الشرعية في ذلك. فما كان من القاضي إلا أن أخذ ورقة كتب فيها قوله تعالى: (أما السفينةُ فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردتُ أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً) أي أنه قد حكم للرجل أن يعيب داره فجزّأها قسماً قسماً كما أعاب الخَضر عليه السلام السفينة فخرقها متعمداً كي تزهد في عين الملك ولا يطمع فيها ذلك الملك الذي كان يغصب كل سفينة صالحة ويعرض عن كل سفينة ذات عيب وكذلك هذه الدار لو بقيت في يد صاحبها أو بيعت على ما كانت عليه لاستمرت عين الملك ممتدة إليها وانتقل الظلم إلى المشتري مستهدياً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً). استنباط باهر يا لهُ من استنباط بهر الألباب وسحر العيون وما ذلك إلا ثمرة تلاوة وتدبر القرآن الكريم وتطبيقه له قانوناً في الحياة ودستوراً للحضارة. على أي مشهد من مشاهد هذه القصة القرآنية نقف وفي أي أجواء من أجوائها نطير ولو طفنا لطال بنا المطاف. إن سيدنا الخضر عليه السلام في هذه المشاهد التربوية الثلاثة كلها أنكر عليه سيدنا موسى أمراً مر عليه ما سبق من وقائع وأحداث في حياته فيسترجع ذلك الماضي ويجعله حاضراً وكأن لسان حاله يقول أعجبت أني عمدت إلى سفينة صالحة فخرقتها فخشيت أن يغرق أهلها!! أنسيت يا نبي الله عندما كنت صغيراً رضيعاً لا تملك لنفسك خيراً ولا نفعاً ووضعتك أمك في سفينة صغيرة في التابوت وألقتك في اليم وساقتك الريح في خضم البحر إلى حيث شاء القدر لئن كنت تعجب من صنيعي فإن هذا الأمر أكثر عجباً يا نبي الله! أعجبت يا نبي الله أني لقيت غلاماً فقتلته فقلت لي: (أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً).. أنسيت يا نبي الله عندما وكزت ذلك الرجل من بني إسرائيل فقتلته (فوكزه موسى فقضى عليه) عجباً لك يا نبي الله أتعجب مني أني عمدت إلى ذلك الجدار الذي يريد أن ينقض فأقمته وقلت لي: (لو شئت لاتخذت عليه أجراً) أنسيت يا نبي الله عندما كنت في مدين وجاءتك إحدى بنات سيدنا شعيب عليه السلام فقالت: (إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) فقلت: لا نأخذ على المعروف أجراً فلئن تعجب من أمري هذا فأمرك يا نبي الله أكثر عجباً. (وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً) هذه ثلاثة بثلاثة ولو زدت يا نبي الله لزدناك ولكنك لن تستطيع معي صبراً.