الشيخ جلول قسول قال من لاينطق على الهوى (أهلُ الجنةِ ثلاثة: ذو سُلطان مُقسِطٌ مُتصدِّقٌ مُوفَّق ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلبِ لكل ذي قُربَى ومُسلِم وعفيفٌ مُتعفِّفٌ ذو عِيال)!! رواه مسلم في هذه الأيام المباركة وما فيها من الفضل وما يقع فيها من الذكر والدعاء المتتبع للحركة المجتمعية في كل الاتجاهات يشد انتباهه كلمة طيبة تخرج من أفواه طيبة وتحويها قلوب حانية ! هذه الكلمة قد لا يلقي لها الإنسان بالا لكن لها أجر عظيم ومكانة عظيمة تدل على أصل صاحبها وطبعه وطبيعته بل تدل على إيمانه ودرجة إسلامه لها أصل متين كمثل الشجرة الطيبة التي ضرب الله بها الأمثال قال تعالى ((ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)) الآية 24 سورة إبراهيم. ولها أصل في القرآن الكريم قال تعالى ((ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ...الآية 49من سورة الكهف وقال تعالى ((ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم ...)الشورى الآية 22. ومعنى الشَّفَقَة رِقَّة مِنْ نُصْح أو حُبّ يؤدِّي إلى خوف وهو أن يكون النَّاصح -من بلوغ نُصْحه- خائفًا على المنصُوح فنسبته إلى الخوف نسبة الرَّأفة إلى الرَّحمة وصرف الهمَّة إلى إزالة المكروه عن النَّاس... فهي تتماسك مع الرحمة كتماسك الإسلام مع الإيمان وهي دعامة رئيسية لتكافل المجتمع وتماسك الأسرة وتماسك الأسرة يتناسب مع الإيمان ...!! تماسك أفراد الأسرة يتناسب طردياً مع الإيمان فكلما ازداد الإيمان تماسكت الأسرة في المجتمع وظهرت بينهم الشفقة والرحمة ..والقارئ الكريم قد لا حظ كما لاحظ الجميع أن مجتمعنا يتميز بهذه الخصلة الأخلاقية الكريمة قد يكون اكتسبها من تراثه من دينه من فطرته النقية ونسمع دائما .. فلان يشفق على فلان وتتجلى صورها في الهبة الوطنية التضامنية في عيد الأضحى المبارك في مراكز الطفولة المسعفة وكذا المرضى.. في المستشفيات وحتى اللاجئين !! فالجزائري يشفق على الآخرين ويخاف عليهم إن لم يجد ما يقدمه لهم فشفقة عليهم كبيرة يقف معهم بشعوره بمشاعره يقف معهم ولو بالدعاء .!...هذه الشفقة مفطورة ومجبولة في مجتمعنا وهي قريبة من الرحمة في معناها فالشفقة والرحمة والتماسك دليل قوة الإيمان وكلما اشتد حبك للأيتام للعجزة للمحتاجين كلما كان الإيمان أكثر وكلما قلت الشفقة والرحمة والمحبة ولو كان كل إنسان يتحرك وفق مصالحه لضعف الإيمان وقلت الشفقة والرحمة فالشفقة خصلةٌ عظيمةٌ جعلَها الله بين خلقِه وقلنا إنها مصاحبة للرحمة ومرافقة لها وعليه نستدل بأدلة الرحمة على صفة الشفقة. قال _ عليه الصلاة والسلام -: خلقَ الله مائةَ رحمة فوضعَ واحدةً بين خلقِه وخبَّأَ عنده مائةً إلا واحدة رواه مسلم. قدَّمها الله على نعمةِ العلم فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا الكهف الآية 65. وهو _ سبحانه _ يحبُّ من اتَّصفَ بها وأثنَى على عبادِه المُتواصِين بها ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ سورة البلد الآية: 17 قال شيخُ الإسلام _ رحمه الله -: فعلى الإنسان أن يكون مقصودُه نفعَ الخلق والإحسان إليهم مُطلقًا وهذه الشفقة والرحمة هي التي بُعِثَ بها محمدٌ _ صلى الله عليه وسلم -. وهي مِنحةٌ من الله يهَبُها لمن يشاءُ من عبادِه قال عليه الصلاة والسلام لأعرابيّ جفَا عن رحمةِ أولادِه: أوَأملِكُ لك أن نزعَ الله من قلبِك الرحمة؟! رواه البخاري. ومتى أراد الله بعبدِه خيرًا أنزلَ في قلبِه الرحمة هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ [الفتح: 4] قال ابن عباس : أي: الرحمة فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ فأكملُ المُؤمنين إيمانًا أعظمُهم رحمة قال _ سبحانه -: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) سورة الفتح: 29. وامتلاءُ القلبِ بالشفقة علامةُ السعادة وهي سببُ نَيل رحمةِ الله قال _ عليه الصلاة والسلام -: الراحِمون يرحمُهم الرحمن ارحَموا من في الأرض يرحمكم من في السماء رواه أبو داود. أمة الرحمة وممن يدخلُ الجنةَ أقوامٌ مُلِئَت قلوبُهم رحمةً ورِقَّةً مع الإيمان قال _ عليه الصلاة والسلام -: وأهلُ الجنةِ ثلاثة: ذو سُلطان مُقسِطٌ مُتصدِّقٌ مُوفَّق ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلبِ لكل ذي قُربَى ومُسلِم وعفيفٌ مُتعفِّفٌ ذو عِيال رواه مسلم. وقسوةُ القلبِ في فراغِه من الشفقة والرحمة ذمَّ الله أقوامًا فقال: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ البقرة: الآية 74 يبِسَت وجفَّت وجفافُ القلبِ خروجُ الرحمةِ والشفقة منه. وذلك هو علامةُ الشقاء قال _ عليه الصلاة والسلام -: لا تُنزَعُ الرحمةُ إلا من شقِيّ رواه أبو داود. وقال صلى الله عليه وسلم: من لا يرحَمُ لا يُرحَم متفق عليه. فالشفقة على اليتيم عبادة ! والشفقة على المسكين غفران والشفقة على العاصي رحمة والشفقة على الكبير رضوان الشفقة بهاؤلاء والرِّفقُ بهم من الأعمال التي يرضَاها الله ويُجازِي عليها وتجعلُهم كجسد واحد قال _ عليه الصلاة والسلام -: ترى المُؤمنين في تراحُمهم وتوادِّهم وتعاطُفهم كمثَلِ الجسَد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ جسَدِه بالسهَر والحُمَّى متفق عليه.. ومن زلَّت قدمُه في المعاصِي يستحقُّ الشفقة والرحمةَ بالنُّصح والدُّعاءِ له بالهداية أُتِيَ إلى النبيِّ _ صلى الله عليه وسلم _ برجُل قد شرِبَ الخمرَ فقال: اضرِبُوه. قال أبو هريرة _ رضي الله عنه فمنَّا الضارِبُ بيدِه ومنَّا الضارِبُ بنعلِه والضارِبُ بثوبِه فلما انصرَفَ قال بعضُ القوم: أخزاكَ الله! قال رسولُ الله _ صلى الله عليه وسلم -: لا تقولوا هكذا لا تُعينُوا عليه الشيطان ولكن قُولوا: رحِمَك الله رواه أحمد. وأشدُّ الخلقِ رحمةً وشفقة هم رُسُلُ الله سعَوا لهدايةِ الخلق ودعَوا قومَهم بكل سبيل لإنقاذِهم من الهلَكَة وصبَرُوا على أذاهم ولم يستعجِلُوا بطلبِ عذابِهم. ونبيُّنا محمدٌ _ صلى الله عليه وسلم _ أرحمُ خلقِ الله ومن أسمائِه: نبيُّ الرحمة رواه النسائي. ولما قيلَ له: ادعُ على المُشرِكين قال: إني لم أُبعَث لعَّانًا وإنما بُعِثتُ رحمة رواه مسلم. فمن قبِلَ هذه الرحمة وشكَرَ هذه النعمة واتصف بصفة الشفقة سعِدَ في الدنيا والآخرة فالنبي صلى الله عليه وسلم كان شفيقًا على أمَّته تركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها .... القلوب تصفو من الكِبر واحتِقار الناس بتحقيق الشفقة والرحمة وهي وسطٌ بين القسوة والجفاء والرأفة والرحمة يُحبُّهما الله ما لم تكُن مُضيِّعةً لدينِ الله وأول الناس بشفقتك ورحمتك عليهم هم أولادك يعني: المؤمن يعيش لأولاده يعيش لهم. أي أن الشفقة والخير يكون في أقرب الناس ....!! فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام: علمنا كيف نحرص على أولادنا؟ وكيف نعطيهم حبنا ورحمتنا وشفقتنا عليهم ؟. سيدنا الصديق دخل على ابنته عائشة وقد أصابتها حمى فرأت أباها فقبل خدها وقال: ((كيف أنت يا بنية؟)) فكلما ازداد الإيمان ازدادت هذه المشاعر وتلك العواطف وأصبح البيت جنة فيه شفقة وحنان ومن البيت أي يصبح المجتمع كله جنة فبإمكاننا أن نجعل مجتمعنا جنة.!! قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فانطلق إنسان إلى غيضة فأخرج منها بيض حمرة -حمرة أحد أنواع الطيور أخذ بيض حمرة- فجاءت الحمرة ترف على رأس رسول الله ورؤوس أصحابه فقال عليه الصلاة والسلام: أيكم فجع هذه بأولادها؟ فقال رجل من القوم: أنا أصبت لها بيضة فقال عليه الصلاة والسلام: ((اردده رحمة لها يعني: لم يرض أن تفجع طير ببيضها. اردده رحمة لها)) وشفقة عليها فيمكن أن أقول: إن نسبة الشفقة والرحمة في قلبك كنسبة اتصالك بالله عز وجل بقدر اتصالك بالله عز وجل تزداد الشفقة والرحمة في قلبك. فالشفقة والرحمة قاعدة لكل بنيان وأساس لكل مجتمع فإذا ظهرت هذه الصفة في المجتمع يهون فيها كل الصعاب فالعبرة بهذا الشفقة والرحمة يمكن أن تتألم الأسرة لمريض ولكن شفقة الناس وتضامن الناس تدخل عليهم الطمأنينة والراحة يمكن أن تكون الأسرة ولكن شفقة الناس وتضامن الناس تدخل عليهم الطمأنينة والراحة قديكون في بيت فيه ضيق ولكن شفقة الناس وتضامن الناس تدخل عليهم الطمأنينة والراحة مر عليه الصلاة والسلام في نفر من أصحابه -يمشون- وصبي في الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يضرب فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني وسعد فأخذته فقال القوم: يا رسول الله! ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار. وفي رواية أخرى: النبي مع أصحابه: رأى أماً تخبز خبزاً وكلما وضعت رغيفاً في التنور قبلت ابنها فقال عليه الصلاة والسلام: أتلقي هذه بولدها في النار؟ قالوا: معاذ الله! قال: والذي نفس محمد بيده لله أرحم بعبده من هذه بولدها)) تفكك الأسرة والمجتمع يبدأ من غياب صفة الشفقة والرحمة !! فهناك رجال قاسية قلوبهم ومثلهم نساء أيضا البيت خلية المجتمع وقاعدته فإذا أصبح الإنسان غريبا في بيته غريبا في وطنه لأن البيت خلا من الشفقة فهو مثل القبر لا يوجد شفقة لا يوجد مودة لا يوجد رحمة. يتضح مما سيق أن الشفقة تتناسب مع إيمان المؤمن وأن الرحمة والشفقة التي في قلبه تتناسب مع اتصاله بالله عز وجل وهذه الأحاديث تبين الشفقة والحب والرحمة والاهتمام والعطف والشفقة التي كانت في قلوب أصحاب رسول الله في أسرهم ووسط مجتمعهم وكلما الإنسان قسا وأهمل وقصر في حقوق الضعفاء دليل ضعف إيمانه وضعف الرحمة في قلبه وضعف الشفقة في قلبه!!