الشيخ: قسول جلول في منتصف النهار من يوم الأربعاء 21/09/2016م ساقتني الأقدار إلى المركز التجاري (القدس) بالشراقة رأيت نساء ورجالا كبارا وصغارا مذهولين على وجوههم صورة قاتمة من شدة هول الصدمة ورجال الأمن بلباسهم الخاص...(الشرطة العلمية) فتقدمت بخطى ثقيلة فعرفت نفسي بأني إمام !! وكما تعلمون أن المجتمع في حالة كهذه يحتاج إلى وقفة الإمام ...فإذا به شاب في عز شبابه !! كبد من أكبادنا وأعين من أعيننا ملقى على الأرض والدم ينزف من كل ناحية من جسده ! سقط من الطابق الخامس ! بدأت الأسئلة تصب علي صبا !!....فحيرتني وفي نفس الوقت أدهشتني ! من هذه الأسئلة .....هل يصلى عليه ؟ سمعنا أنه لايصلى عليه أو يصلى عليه غير فاضل !؟ قبل أن يعرف سبب الوفاة !! هل سقط من الطابق الخامس لعله كان يعمل ؟ لأنه أخطأ في تقدير ما؟ لأنه لايبصر وهو أعمى ؟ لأنه مريض بمرض الصرع ؟ لأن نسبة السكر في الدم انخفضت ؟ بسبب انخفاض الضغط الدموي ؟ !! لأنه لم يتناول دواءه !!؟ مهلا لا تحكموا على هذا الشاب هكذا!؟ بمصيبة الموت!.... وبمصيبة صفة الانتحار!! فقبل أن نحكم على الإنسان وننسب له صفة الانتحار لا بد من معرفة الأسباب والدواعي وتكيف الحالة ! أكبر فتنة الانتحار كبيرة من كبائر الذنوب وفاعلها متوعد بالخلود في نار جهنم أبداً ويعذبه الله تعالى بالوسيلة التي انتحر بها فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبدا ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها [أي يطعن] في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري. وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) رواه البخاري. وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) رواه البخاري فعلى المؤمن أن يتصبر ويستعين بالله تعالى ويعلم أن كل شدة تصيبه في الدنيا مهما كانت شديدة فإن عذاب الآخرة أشد منها ولا يصح عند أحد من العقلاء أن يستجير الإنسان من الرمضاء بالنار فكيف يفر من ضيق وشدة مؤقتة لابد لها من نهاية إلى عذاب دائم لا نهاية له وليتأمل المسلم أنه ليس هو الوحيد في الدنيا الذي يصيبه البلاء والشدة فقد أصاب البلاء سادات البشر وهم الأنبياء والرسل والصالحون وأصاب أيضاً شر البشر وهم الكافرون والملحدون. فالبلاء سنة كونية لا يكاد يسلم منها أحد فإذا أحسن المؤمن التعامل معها فصبر وجعل ذلك سبباً لرجوعه إلى الله واجتهاده في العبادات والأعمال الصالحة كان البلاء خيراً له وكان مكفراً لذنوبه حتى لعله يلقى الله تعالى وليس عليه خطيئة. فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَب وَلَا وَصَب وَلَا هَمّ وَلَا حُزْن وَلَا أَذًى وَلَا غَمّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رواه البخاري. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَة وأن الإنسان لايخلو من أمرين إثنين إما أن يكون في هناء وسعادة ورضا بالحياة .. وهو ينظر إلى كل جميل في هذه الحياة .. عندما يفرح والده ووالدته لحصوله على درجات امتياز وتفوق دراسي تفتخر به .. وعندما يشعر أن أصدقاءه أقرب إليه وأن كلمة عدو ليس لها مكان في قاموسه حينها يشعر أنه ملك كل مافي العالم!! حينما تقدم له الدنيا كل جميل ....فلا هم ولا غم ولا حزن ! وفجأة وإما أن تحل عليه عاصفة من التغييرات ..مصيبة من المصائب .. موجة قوية تقلب حياته رأسا على عقب .. تحول ألوان الطيف التي كان يعيشها إلى سواد .. فيصبح كارهاَ للحياة .. قدماه ويداه شلتا عن الحركة .. تبدلت كلمة صديق إلى عدو .. هنا قف لحظة ...نعم قف وأنت بهذه الحالة .. قف أنت مسلم هنا لابد أن تدرك أن هذه الحياة ليست كلها سعادة .. وليست كلها تعاسة .. بل أن هناك موجة تغييرات تحدث لك وللحياة ... وهذه التغييرات إما أن تنقلك من سعادة إلى تعاسة أو من تعاسة إلى سعادة .. هنا قف وأعلم بأنك مؤمن ! هنا قف وأعلم بأنك مسلم ! واعلم أن الله اعتبر الانتحار من كبائر الذنوب وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به أما الصلاة عليه فأفتى فيها العلماء وفي هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله وصلت عليه الصحابة) ولا يعني هذا _ إن ثبت انتحاره _ أن تتركوا الدعاء له بالرحمة والمغفرة بل هذا يتأكد في حقه لحاجته له. والانتحار ليس كفراً مخرجاً من الملة كما يظن بعض الناس بل هو من كبائر الذنوب التي تكون في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء غفرها وإن شاء عذَّب بها فلا تتهاونوا بالدعاء له وأخلصوا فيه فلعله يكون سببا لمغفرة الله له. اللهم اغفر له وارحمه..