قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ الاطمئنان في الصلاة.. الركن الغائب لو جلس أحدُنا يتأمل في صلاةِ المسلمين لوجد أنَّ كلَّهم يأتي بمعظم الأركان المطلوبة في الصلاة كتكبيرةِ الإحرام والقيام والركوع والسجود ولكنْ في الوقتِ ذاته كثيرٌ من المصلين يُخِلُّ بركن عظيم لا تصح الصلاة إلا بالإتيان به وهو ركن الاطمئنان.. بالرَّغم من أنَّ هذا الركنَ يصاحبُ معظمَ الأركان الأخرى بمعنى أنه لابد من الاطمئنان في القيامِ والركوع والسجود والجلوس. والمراد مِنَ الاطمئنانِ في الصلاة: السُّكون بقَدْرِ الذِّكر الواجب فلا يكون المصلي مطمئنًا إلا إذا اطمئنَّ في الرُّكوع بِقَدْرِ ما يقول: سبحان ربِّي العظيم مرَّة واحدة وفي الاعتدال منه بقَدْرِ ما يقول: ربَّنا ولك الحمدُ وفي السُّجود بقَدْرِ ما يقول: سبحان رَبِّي الأعلى وفي الجلوس بقَدْرِ ما يقول: رَبِّ اغفِر لي وهكذا. وقد جاء في (صحيحِ البخاري) من حديثِ أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: فإذا رفع رأسَه استوى حتى يعودَ كلُّ فقار مكانَه وفي (صحيح مسلم) من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: فكان إذا رفع رأسَه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا فهذه الأحاديث وما شابهها تدل على أنَّ الاطمئنان هو الاستقرار في مواضع الصلاة وعدم العجلة بالانتقالِ إلى الركن الذي يليه إلا بالبقاء قليلًا حتى يرجع كلُّ مفصل وعظم إلى مكانه. والأصل في ركنِ الاطمئنان ما جاء في الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دخل المسجد فدخل رجلٌ فصلى ثم جاء فسلَّم على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فردَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم السلام وقال: ارجع فصل فإنَّك لم تصل فرجع الرجلُ فصلى كما كان صلى ثم جاء إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فسلم عليه فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: وعليك السلام ثم قال: ارجع فصل فإنَّك لم تصل حتى فعل ذلك ثلاثَ مرات فقال الرجلُ: والذي بعثك بالحقِّ ما أحسن غير هذا فعلِّمني قال: إذا قمتَ إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعًا ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا ثم افعل ذلك في صلاتِك كلِّها . فهذا الحديثُ الشريف المعروف بحديث المُسيء صلاته نسبةً لهذا الرجلِ وهو خلاد بن رافع رضي الله عنه هو العمدة في بابِ الاطمئنان في الصلاة وقد تبيَّن لنا أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما أمرَ هذا الرجلَ بإعادةِ صلاته -بسبب إخلاله بالاطمئنان- أنَّ الاطمئنانَ ركنٌ لا تصحُّ الصلاة إلا به. بعض الآثار والأقوال الدالة على أهمية هذا الركن: o رأى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه رجلًا لا يتم ركوعَه ولا سجوده فقال له: ما صليتَ ولو متَّ لمت على غير فطرةِ الله التي فطر عليها محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم (صحيح البخاري) وفي روايةِ النَّسائي: أنَّ حذيفةَ رضي الله عنه قال له: منذ كم تصلي هذه الصَّلاة؟ قال: منذ أربعين عامًا قال: ما صليتَ منذ أربعين سنة (سنن النسائي الكبرى). o كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا رفع رأسَه من الركوعِ قام حتى يقول القائل: قد نسي وبين السجدتين حتى يقول القائل: قد نسي (صحيح البخاري). o قال الشافعي وأحمد وإسحاق: من لا يقيم صلبَه في الركوعِ والسجود فصلاتُه فاسدة لحديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لا تجزئ صلاةٌ لا يقيمُ الرجلُ فيها صلبَه في الركوع والسجود . يقول الشيخ عطية سالم رحمه الله: نخاطبُ بعض الناس الذين تراهم يركعون ولا يطمئنون في ركوعهم فترى الواحدَ منهم كأنه ينفض شيئًا عن ظهرِه وكذلك الجلسة بين السجدتين ويقولون: مذهبنا أنه ركنٌ خفيف فنقول: ليس في الأركانِ خفيف وثقيل فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كان يركع حتى يطمئنَّ راكعًا ويرفع حتى يستقرَّ ويعود كل فقار في مقره ويعود كلُّ عظم في مكانه والحركة الخفيفة ليست استقرارًا .