بقلم: عادل سليمان* يتجدّد الحديث عن القضية الفلسطينية كلما حلّ على البيت الأبيض وافد جديد وكأنه موسم يبدأ مع كل إدارة أمريكية جديدة فمنذ انطلاق مسار التسوية السياسية لها مع المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية عامي 1991 و1992 والأخير كان عام انتخابات رئاسية أمريكية انتهت بفوز الرئيس بيل كلينتون سرعان ما التقطت الإدارة الأمريكية الجديدة الخيط وبعد أن أكد الرئيس كلينتون فور وصوله إلى البيت الأبيض على العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل وضمان حمايتها وتفوقها الإقليمي فإنه في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية فضل أن ينتظر نتيجة المباحثات الجارية بين الطرفين وما أن انتهت المباحثات باتفاق أوسلو حتى سارع الرئيس الأمريكي إلى دعوة الطرفين إلى التوقيع على الاتفاقية في البيت الأبيض وهو ما تم في 13 سبتمبر 1993 وسط مراسم بروتوكولية احتفالية شاهدها العالم كله عبر وسائل الإعلام في مشهد قريب الشبه من الذي جرى عند توقيع اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية بين أنور السادات ومناحيم بيغن برعاية الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر في مارس 1979. ومن المفارقات أنه في العام التالي للتوقيع على اتفاق أوسلو تم منح كل من ياسر عرفات وإسحاق رابين وشيمون بيريز جائزة نوبل للسلام في أكتوبر 1994 وهو ما حدث مع السادات وبيغن بعد توقيعهما معاهدة السلام. منذ توقيع اتفاق أوسلو في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأمريكي لم يعد هناك حديث يدور حول ما يُعرف بالصراع العربي - الإسرائيلي وتم اقتصار الأمر على القضية أو المشكلة الفلسطينية _ الإسرائيلية. وحاول كلينتون أن يسير على خطى كارتر بالتوصل إلى اتفاق نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى أنه عقد مباحثات مباشرة في كامب ديفيد عام 2000 على غرار ما جرى في مباحثات كامب ديفيد بين السادات وبيغن برعاية جيمى يتجدّد الحديث عن القضية الفلسطينية مع وصول كل وافد جديد إلى البيت الأبيض كارتر في العام 1978 شارك فيها ياسر عرفات ورئيس حكومة العدو الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك ولكن كل جهود كلينتون فشلت بسبب إصرار العدو الإسرائيلى على عدم التسليم بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود الرابع من جوان 1967 على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس مع ضمان حقوق اللاجئين. ولم يكن في مقدور عرفات التنازل عن أيّ من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى بينما لم يكن الجانب الأمريكي يخفي عدم قدرته أو رغبته في الضغط على حليفه الرئيسي في الشرق الأوسط إسرائيل. وهكذا انتهت ولاية كلينتون من دون حل للقضية الفلسطينية وربما ازداد الأمر تعقيداً بانفجار الانتفاضة الثانية وكانت تلك نهاية موسم الحديث والانشغال بالقضية الفلسطينية الذي بدأ مع ولاية كلينتون. بداية الدمار بدأت الألفية الثالثة بوصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض هو الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش الابن لتتشكل إدارة أمريكية يمينية من المحافظين الجدد تعتقد أنها قادرة على تشكيل العالم كما تريد بما في ذلك وضع حد للقضايا الإقليمية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وقد أصدر الرئيس بوش تصريحاً مثيراً في 2 أكتوبر 2001 أعلن فيه عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه وأثار التصريح ضجة كبيرة حيث رحبت به الأطراف العربية بينما هاجمه بشدة رئيس وزراء العدو الإسرائيلي في ذلك الوقت إرييل شارون وكانت تلك بداية ساخنة لموسم جديد من مواسم الحديث عن القضية الفلسطينية. تشكلت الرباعية الدولية من أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة وطرحت في أفريل 2003 خريطة الطريق التي تتبنى رؤية حل الدولتين عبر تفاوض مباشر بين الطرفين ينتهي بإقامة دولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيل بحلول عام 2005 وهو ما لم يحدث بطبيعة الحال وانتهت ولايتا بوش الابن في نهاية العام 2008 بكل ما فيها من حروب واضطرابات دولية وإقليمية من دون التوصل إلى حل للقضية وانتهى معها موسم آخر من مواسم الحديث عن القضية الفلسطينية. وجاءت رئاسة باراك أوباما ليبدأ موسم جديد للقضية الفلسطينية فأول اتصال هاتفي له في اليوم الأول له في البيت الأبيض كان مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وفي اليوم التالي عين ممثلاً خاصاً له في الشرق الأوسط من أجل عملية السلام وتبدى أن أوباما يتبنى أسلوباً مختلفاً عن السياسات الأمريكية المنحازة إلى إسرائيل. وتمشياً مع هذا الأسلوب الجديد فإن أوباما في كلمته في جامعة القاهرة في جوان 2009 بعد عدة شهور من توليه الرئاسة. وفي أول زيارة له إلى الشرق الأوسط قال إنه لا يمكن القبول بوضع الشعب الفلسطيني وإن الولاياتالمتحدة لن تدير ظهرها لرغبة الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة خاصة بهم. وهكذا رفع العرب سقف طموحاتهم بالنسبة لتوجهات أوباما للعمل على حل عادل للقضية الفلسطينية. ومرّت الولاية الأولى لأوباما وبدأت الثانية والعدو الإسرائيلى مستمر في سياساته العدوانية انتهت رئاسة أوباما والقضية الفلسطينية تتراجع والاختراق الإسرائيلى للنظم العربية يتزايد والاستيطانية بمباركة أمريكية وتراجعت الطموحات العربية حتى تحطمت على تصريح أوباما نفسه الذي اعتبر فيه الهجوم الإسرائيلى على قطاع غزة في جويلية 2014 والذي استمر 51 يوماً وسقط فيه أكثر من ألفي شهيد فلسطيني اعتبر أن ذلك العدوان يدخل ضمن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس . وقبل أن تنتهي الولاية الثانية لأوباما بعدة أشهر كان قد قدم لإسرائيل أكبر مساعدة عسكرية في تاريخها عندما وقع اتفاقيةً تقضي بتقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 38 مليار دولار على مدى عشر سنوات. هكذا انتهت رئاسة أوباما والقضية الفلسطينية تتراجع والاختراق الإسرائيلى للنظم العربية يتزايد حتى بلغ الأمر برئيس حكومتها نتنياهو أن يصرح أن دولاً عربية عديدة أصبحت أقرب إلى التحالف مع إسرائيل في مواجهة إيران. السير نحو الهاوية وبينما يستعد البيت الأبيض لاستقبال وافد جديد استبق المرشح الجمهوري والذي فاز بالرئاسة بعد ذلك دونالد ترامب دخوله إلى البيت الأبيض بافتتاح موسم جديد للقضية الفلسطينية في حملته الانتخابية بتصريحاته المستفزة عندما قال سنغيّر مكان السفارة الأمريكية إلى عاصمة الشعب اليهودي الأبدية القدس وإسرائيل هي الديمقراطية الحقيقية الوحيدة والمدافعة عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط ومنارة أمل لأشخاص عديدين ثم كان تصريحه المفاجئ في أثناء استقباله رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتصف فيفري الماضي بالتخلي عن حل الدولتين وهو الخيار الذي تبناه ثلاثةٌ من أسلافه الرؤساء الأمريكيين عندما قال إنه مع أي حل يصل إليه الطرفان سواء كان حل الدولتين أو غيره وهو بالطبع سيكون الحل الذي يفرضه العدو الإسرائيلي. وفي التوقيت نفسه يتجدّد الحديث عن حل للقضية الفلسطينية صادر من داخل أروقة العدو الإسرائيلي تساهم فيه مصر بتبادل أراض من سيناء تضاف إلى قطاع غزة تؤهله ليكون دولة للفلسطينيين. هكذا يتجدّد الحديث عن القضية الفلسطينية مع وصول كل وافد جديد إلى البيت الأبيض وكأنه موسم يبدأ وينفض ننشغل به بعض الوقت ثم ننصرف إلى مشاغل أخرى حتى تنتهي ولاية الرئيس الأمريكي ويأتي رئيس جديد وموسم جديد للحديث عن القضية الفلسطينية وكأنها أصبحت ظاهرة موسمية. ومن موسم إلى موسم تتآكل الأرض الفلسطينية بالمستوطنات الصهيونية وإجراءات تهويد القدس. وفي ظل تهافت سلطة رام الله وحصار المقاومة في غزة هل يأتي علينا يومٌ لا نجد فيه ما نتحدث عنه أو ننشغل به حيث لن تكون هناك أرض ولا هوية ولا قضية.