بات العنف يعشش داخل الوسط الجامعي، بشكل عادي، بعدما كان الاحترام في سنوات ليست بالبعيدة سيد الموقف بين كل أطراف الجامعة، وأجمع أساتذة ومختصون على ضرورة إيجاد حلول ناجعة لإنقاذ المنظومة الجامعية، وتساهم عدة عوامل في انتشار العنف في الوسط الجامعي على غرار الطائفية التي باتت تنخر المجتمع الجزائري، والابتعاد عن الشريعة الإسلامية، وتتفكك الروابط الأسرية، وانتشار البيروقراطية في الإدارات وغيرها من العوامل التي رفعت من معدلات العنف في الجامعات. وأعلن ممثلون عن نقابات الطلبة والأساتذة الجامعيين وموظفي قطاع التعليم العالي، السبت، بالجزائر العاصمة، عن تأسيس التنسيقية الوطنية لمكافحة العنف في الوسط الجامعي، في إطار مبادرة وطنية مفتوحة لكل الهيئات والجمعيات والشخصيات المعنية بالقطاع. ووقعت النقابات المتمثلة في الاتحاد العام الطلابي الحر والمجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي واتحادية التعليم العالي والبحث العلمي والثقافة والإعلام، على "ميثاق الشرف الجامعي" الذي يعتبر الإطار المرجعي للتنسيقية الوطنية لمكافحة العنف في الوسط الجامعي. وكشف المنسق الوطني للمجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي عبد الحفيظ ميلاط، خلال مداخلة له بمنتدى يومية "الحوار" حول موضوع "العنف في الجامعة الجزائرية: الدوافع، الآثار وكيفية المعالجة"، أن التنسيقية الوطنية هي "مبادرة لمحاربة العنف" بكل أشكاله داخل الحرم الجامعي، "حيث تتعاون نقابات الأساتذة والطلبة والموظفين لأول مرة في تاريخ الجامعة الجزائرية، في إطار موحد". وقال السيد ميلاط الذي سيتولى رئاسة التنسيقية، أنه سيتم "إنشاء فروع على مستوى كل جامعات الوطن"، بهدف "القيام بالدور التوعوي إلى جانب رصد حالات العنف بكل أشكاله ومحاولة التدخل"، موجها الدعوة إلى الإدارة لتكون ضلعا رابعا في المبادرة التي سيتم فتحها لمختلف النقابات والهيئات والجمعيات والشخصيات المعنية بالقطاع. ميلاط: "المنظومة الجامعية تعيش سابقة خطيرة لابد إغاثتها" قال عبد الحفيظ ميلاط المنسق الوطني للمجلس الوطني لأساتذة التعليم الجامعي (كناس)، أن المنظومة الجامعية في تدهور مستمر ومن سنة لأخرى، من خلال انتشار العنف بكل أشكاله من لفظي ومعنوي وجسدي، مشيرا إلى أن الاعتداءات باتت ظاهرة يومية، حيث اعتبر أن الجامعة تعيش سابقة خطيرة من نوعها، لابد من تدخل الوصاية للحد منها. وأرجع عبد الحفيظ ميلاط لدى تدخله في منتدى صحيفة الحوار والذي جاء تحت عنوان انتشار العنف في الجامعات الجزائرية، سبب انتشار العنف في الوسط الجامعي إلى تسلط بعض الأطراف داخل الجامعات وبعض المسؤولين، وبالتحديد الإدارة على حد تعبيره، قائلا أنهم أصبحوا يعتبرون الجامعة ملكية خاصة والضحية الطالب والأستاذ والموظف. وأشار المتحدث في سياق حديثه إلى أن هناك أشخاص يعملون على خلق الشحناء داخل الجامعة بين الأستاذ والطالب والعكس، قائلا انه قبل اقتراح الحلول لابد من إيجاد الأسباب الحقيقية التي أدت إلى استفحال ظاهرة العنف في الجامعات. بن طيبة: "لابد من تطبيق العمل بأرضية رقمية على الجميع" من جهته، دعا سليم بن طيبة أمين عام اتحادية التعليم العالي والبحث العلمي والثقافة والإعلام، المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للعمال الجزائريين، لضرورة إعادة ربط عائلة التعليم العالي بكل أطرافها والبدء بعمل أرضية رقمية تطبق على الجميع لتفادي المشاكل واستئصالهم من البداية. وأشاد بن طيبة سليم، باللقاء الأول الذي جمع ثلاثية الجامعة، قائلا أول مرة منذ الاستقلال تلتقي ثلاثية الجامعة لاقتراح قوة الحلول والمتكونة من (نقابة الطالب، نقابة الأستاذ، ونقابة الموظف)، حيث دعا في هذا الصدد إلى ضرورة معرفة أسباب العنف لمعالجتها، مشيرا إلى أن الجامعة هي القاطرة التي تؤثر على المجتمع في حين بات العكس وبات المحيط الضيق للجامعة هو من يؤثر على الجامعة على حد تعبيره. وعلى حسب رأي المتحدث فان مشكل الطالب والذي يعتبر نواة العنف داخل الجامعة ينطلق من بداية تسجيله، والبيروقراطية التي باتت ترافق الطالب خلال تسجيله أو تحويله الذي بات يقدر عليه من استطاع إليه سبيلا –حسبه- آو ما شابه، دافعا مهما لتعنيف الطالب، مطالبا في هذا السياق بتطبيق القانون على مستوى الجامعة، وان يكون الجميع سواسية أمامه. وعن كيفية اختيار المسؤولين، أكد بن طيبة انه لابد من تغيير السياسة المنتهجة في اختيار المسؤولين والابتعاد عن البيروقراطية، داعيا إلى اللجوء للانتخاب إن اقتضى الأمر من اجل الشفافية والخروج بالجامعة من الجو الذي دفعت إليه، كما أشار أمين عام اتحادية التعليم العالي والبحث العلمي والثقافة والإعلام، إلى أن الخدمات الجامعية لها دور كبير جدا في تفشي ظاهرة العنف في الجامعات، وبهذا على حد قوله فإن الإدارة لها دور مهم في تعنيف الجامعة. دواجي: "لسنا هنا من أجل تسويد الجامعة" ومن جانبه، قال الأمين العام لاتحاد العام الطلابي الحر دواجي صلاح الدين، أن تنظيمه الطلابي لا يسعى لإعطاء صورة سوداوية عن الجامعة الجزائرية، بل تنظيمه يعمل على إعطاء الأمل في الجامعة الجزائرية والخروج بأمان مما يتربص بها. وأضاف دواجي صلاح الدين، أن العنف في الجامعات هو بداية لتهديد استقرار الجامعة، مؤكدا أن العنف ليس وليد اليوم بل موجود من أمد بعيد لكن غياب الضوابط جعل الظاهرة تستفحل أكثر، داعيا في هذا الصدد إلى ضرورة وضع ضوابط لرقي الجامعة ووقف العنف، مشيرا إلى أن عدد الطلبة في الجامعة الجزائرية يفوق 2 مليون طالب. وفي هذا السياق، شدد المتحدث على ضرورة الانتقال من معركة الكم إلى معركة النوع، وعن دوافع استفحال العنف في الجامعات قال دواجي أن تعنيف الطالب من قبل عامل آو موظف عادي بالجامعة من دون سبب عامل من عوامل انتشار العنف، لأنه يحدث تصادم بين النظام الثانوي المقيد الذي كان يعيشه الطالب وبين النظام الحر للجامعات، وبهذا قال أن الجامعات تعيش اختلالات عميقة من حيث كيفية التنسيق بين مختلف أطراف الجامعة، "لابد على المسؤولين القيام بدورهم المنوط كفى من إثارة النعرات مع الشركاء الاجتماعيين، نحن نقابات ولسنا خصوما للإدارة لا يمكن تصوير الطالب على انه مجرم أو العكس". رواجعية: "لابد من تصحيح شامل للجامعات.." أكد رواجعية احمد أستاذ جامعي، على ضرورة القيام بعملية تصحيح شاملة للمنظومة الجامعية، قائلا أن مشكلة العنف ليست مشكلة الجامعة فحسب بل هو انعكاس للعنف في المجتمع المدني والسياسي على حد السواء، وتعود لعدة أسباب. ومن بين أسباب العنف وانتشاره، قال الأستاذ الجامعي انه يعود بالدرجة الأولى لإفلاس المنظومة التربوية واستعمال مزيج بين المناهج وهذا الأخير ساعد على إفلاس المنظومة التربوية، العنف المنتشر بين مؤسسات الدولة وموظفيها، وهو أيضا ضحايا مؤسساتهم من خلال الإجراءات التعسفية، الطرق الملتوية التي تستعمل في تحويل ملفات الطلبة الخاصة بتحويل الاختصاصات، وهذا يعني على حد تعبير الأستاذ أن الإدارة عنيفة وبذلك يصبح الطالب عنيف. وأضاف في نفس السياق، انه باتت هناك مساومات من قبل طلبة من اجل الحصول على زيادة في النقاط أو التحصل على الشهادات، وهذا ما ساهم في انحدار المستوى خاصة بعد الثمانينات (تلاشى الجيل الثمين)، كما أكد أن هناك مزيج بين الديانات التي خلقت بدورها اضطراب نفسي وعقلاني لدى الشباب (الريح الطائفية)، مشيرا إلى أن العنف في الجامعات يعود بالدرجة الأولى للتربية والأخلاق الدينية التي تتلاشى في كل مرة. مصيطفى: "الجامعات تعيش إشارات العنف ولم تدخل بعد في العنف المنظم" وبدوره، أكد بشير مصيطفى الخبير الاقتصادي والوزير الأسبق المكلف بالإحصاء والاستشراف لدى مكتب الوزير الأول، أن ما تعيشه الجامعات الجزائرية اليوم ليس عنف بل هي مجرد إشارات تنبأ بدخول الجامعة الجزائرية في دوامة عنف منظمات داخل الجامعات تتغذى من المخدرات في حالة ما إذا لم يتم تدارك الوضع، مشيرا إلى أن العنف ليس سلوك جديد وإنما هو سلوك دولي له أسبابه. ومن بين الأسباب المساعدة لتنامي ظاهرة العنف بالجامعات التي طرحها الخبير الاقتصادي هي: التحول السوسيواقتصادي من سنة 1994 إلى غاية اليوم، من الاشتراكية لاقتصاد السوق، تفكك المنظومة التربوية، الأثر المضاعف مابين المدرسة وما قبل الجامعة وأثناء الجامعة، المحيط الداخلي المتمثل في الإدارة، المحيط الخارجي المتعلق بالمؤثرات الإعلامية والثقافية، تفكك نظم التقييم وطريقة التقييم، مشيرا إلى أن أغلب حالات العنف أثناء الامتحانات أو خلال الإعلان عن النتائج، إلى جانب نقص كاريزمة الأساتذة، التحول النفسي للطالب لدى انتقاله من الثانوية للجامعة، أثر التراكم في إشارات العنف دون تحليله. وعن الحلول التي قدمها بشير مصيطفى قال أنه لابد من حلول قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، القريبة تتعلق بإطلاق دراسة سوسيوتربوية تشمل المدرسة والجامعة على حد السواء، مع تنصيب خلايا لليقظة، البدء في إصلاحات 7 زائد 7 أي (14 سنة)، إطلاق حوار سوسيونفسي في الجامعات بين الطلبة والإدارة، مع ضرورة إطلاق ميثاق أخلاقيات الجامعة توقع عليه كل الأطراف تحسبا للعنف القادم، تجسير العلاقة مع الجامعة والمحيط الديني وجعل الدين معيار من معايير التربية. أما عن الحلول البعيدة المدى، فقال مصيطفى أنه لابد من نظام التقييم وربط الجامعة بالمحيط التربوي، مع ضرورة التأمين المهني للطالب، وإصلاح نظام التعليم العالي استشراف 30 سنة، وفك الارتباط المادي بين الأستاذ والطالب مع تطبيق صيغ الردع القانوني.