أذن إبراهيم في الناس بالحج فأجابوا ودعاهم فلبوا ... جاءوا إليه رجالاً على أرجلهم وركبانا على كل ضامر جاءوا للحج من كل فج الشوق يحدوهم والرغبة تسوقهم .. فهل مرَّ بك ركب أشرف من ركب الطائفيين وهل شممت عبيراً أزكى من غبار المحرمين وهل هزَّك نغم أروع من تلبية الملبين ... لقد كان شوق السلف الصالح للبيت - مع بعد الشقة وصعوبة الترحال وقلة الظهر وشدة الحال _ شيئاً لا يوصف يصدق عليهم قول القائل : هتف المنادي فانطلق يا حادي ***** و ارفق بنا إن القلوب صوادي تتجاذب الأشواق وجد نفوسنا ***** ما بين خاف في الضلوع و باد و تسافر الأحلام في أرواحنا ***** سفراً يجوب مفاوز الآماد و نطوف آفاق البلاد فأين في ***** تطوافنا تبقى حروف بلاد هتف المنادي فاستجب لندائه ***** و امنحه وجدان المحب 00و ناد لبيك 00 فاح الكون من نفحاتها ***** و تعطَّرت منها ربوع الوادي لبيك 00 فاض الوجد في قسماتها ***** و تناثرت فيها طيوف وداد لبيك 00فاتحة الرحيل و صحبه ***** هلا سمعت هناك شدوا الشادي هذا الرحيل إلى ربوع لم تزل ***** تهدي إلى الدنيا براعة هاد هذا المسير إلى مشاعر لم تزل ***** تذكي المشاعر روعة الإنشاد إنه الشوق إلى أرض الرحمات إنه الشوق إلى أرض العطايا و الهبات فحق للنفوس أن تتوق و حق للأرواح أن تحلق أملاً في الوصال فخذ من خبرهم ما يبعث فيك الرغبة ويحرك في قلبك الشوق تعال معي نستعرض بعض حديث الأشواق : 1) ذكر بعض أهل السير أن شقيق البلخي أبصر في طريق الحج مقعداً يتكأ على إليته يمشي حيناً و يضعن حيناً يرتاح حيناً و يمشي أخرى كأنه من أصحاب القبور مما أصابه من وعثاء السفر و كآبة المنظر قال له شقيق يا هذا أين تريد قال أريد بيت الله العتيق قال من أين أتيت ؟ قال من وراء النهر قال كم لك في الطريق ؟ فذكر أعواماً تربوا على عشر سنين قال فنظرت إليه متعجباً قال يا هذا مما تتعجب قال أتعجب من بعد سفرك و ضعف مهجتك قال أما بعد سفري فالشوق يقربه و أما ضعف مهجتي فالله يحملها يا شقيق أتعجب ممن يحمله اللطيف الخبير إذا شاء. 2) قدم ابن جريج وافدا على معن بن زائدة لدين لحقه فأقام عنده إلى عاشر ذي القعدة فمر بقوم تغني لهم جارية بشعر أمية بن ربيعة : هيهات من أمةِ الوهاب منزلنا إذا حللنا بسيف البحر من عدن و احتل أهلك أجياداً فليس لنا إلا التذكر أو حظ من الحزن تالله قولي له في غير معتبة ما ذا أردت بطول المكث في اليمن إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها فما أصبت بترك الحج من ثمنِ قال فبكى ابن جريج و انتحب و أصبح إلى معن و قال : إن أردت بي خيراً فردني إلى مكة و لست أريد منك شيئاً قال : فاستأجر له أدلاء و أعطاه خمسمائة دينار و دفع إليه ألفاً و خمسمائة فوافى الناس يوم عرفة .