إ. محمد قال مفكرون ومثقفون وكتَّاب عرب أنَّ الفرصة أصبحت مواتيةً لنهضة قويَّة للأمَّة العربيَّة والإسلاميَّة, بعدما زالت العديد من الأنظمة القمعيَّة التسلطيَّة، مؤكدين أنَّ تحقيق الإصلاح والحكم الرشيد مستقبلا برقابة الشعب جعل مشروع النهضة قابلا للتحقق بعدما سبَّبَت الحكومات السابقة إحباطًا كبيرًا للعلماء والصناع, وانتهوا إلى وجوب تقديم قيمة مضافة تتمثل في مشروعات تفصيليَّة تبعد عن الشعارات والمبادئ العامَّة, تنير طريقًا وتضع أساسًا مبصرًا, جاء ذلك خلال مؤتمر عُقد بالقاهرة تحت عنوان "النهضة على ضوء التحولات السياسية في العالم العربي بعد ثورتي مصر وتونس", الذي رعاه "المنتدى العالمي للوسطية" بالأردن, ونظَّمه فرع المنتدى في مصر. وفي البداية قال مقدم المؤتمر الكاتب الصحفي خالد الشريف مدير مكتب الإسلام اليوم بالقاهرة: إن الثورة المصرية أثبتت أن الشعوب المسلمة لا تموت مهما لاقت من ظلم وطغيان؛ فالشعوب رغم قلة حيلتها وضعف عدتها إلا أنها قوية فتيَّة تصنع المعجزات وبالعزيمة والإرادة تستطيع أن تزيل أكبر الدكتاتوريات،كما أثبتت الثورات العربية أن الضعيف لا يظلُّ ضعيفًا طيلة حياته... وأن القوي لا تدوم قوته أبدَ الآبدين. وأكَّد الشريف أن الثورة المصريَّة كانت حلمًا يراود الشعراء والمفكرين والمثقفين ولكنه تحول في مَيْدان التحرير إلى حقيقة وواقع بفضل الله أولا، ثم بفضل السواعد الفتية والقلوب المؤمنة.. مصداقاً لقوله تعالى "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" . لا نهضة بدون حرية بعد كلمة الترحيب من رئيس المنتدى العالمي للوسطيَّة بالقاهرة منتصر الزيات جاءت الكلمة الأولى للقيادي بالجماعة الإسلاميَّة في مصر عصام دربالة, حيث أكَّدَ على أنه "لا نهضة بلا حرية أو كرامة, وهذه من أكبر مكتسبات الثورة, وهي الطريق إلى تحقيق النهضة الإسلاميَّة", كما تعرَّض لأهمية الإنسان, ذلك العنصر المكوّن للشعب, أحد أركان الدولة, وقال: "هو المحور في تكوين النهضة, فالشعوب عندما اجتمعت فإنها أسقطت أصحاب الكراسي, فكم من انتفاضات قامت ولكنها فردية لا تحقّق أركان الثورة, كتلك الخاصة بالقضاة وحدهم, أو العمال, أو الإخوان, أو غيرهم", كما أكد على أن النهضة يجب أن تكون في حالة تراكم, وعلى الحركة الإسلاميَّة أن تدرك هذه المسألة. وبيَّنَ القيادي الإخواني الدكتور محمد البلتاجي, وهو واحد من الذين أقاموا طوال فترة الثورة في ميدان التحرير, أنَّ الثورة لم تكن وليدة يوم أو لحظة, بل كانت نتيجة لسجالات دخلها الشعب مع النظام, بدايةً من الاحتجاجات العماليَّة والاحتجاجات على التعديلات الدستوريَّة وغيرها, وطالب بمشروع تتداخل حلقاته, يوحِّد الأمَّة في مكوناتها, يكون جزءًا من مشروع عربي أوسع, وهذا الأخير جزء من مشروع إسلامي أوسع, وعدم السماح بأي مشروعات تفرِّق الأمَّة, وقال: "نحتاج الدخول في تفاصيل المشروع, فلم يعد للشعارات والمبادئ العامَّة مكان, بل يجب أن نتناول تلك الشعارات بالتفصيل", وفي ختام كلمته وجه كلمة لمنتدى الوسطيَّة على تنظيم المؤتمر, للإجابة على التساؤلات المثارة, ومساهمته في محاولة إدامة حالة تحرِّك الكتلة الساكنة. وطالب أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة صلاح سلطان بالانتقال "من زيارة المساجد إلى عمارتها, ومن القراءات العشوائيَّة إلى الدراسات الميدانيَّة, ومن الفُرقة والخلاف إلى الوحدة والائتلاف, فلا نغرق في بئر الجماعة وننسى نهر الأمَّة, والانتقال من العصبيَّة إلى الأُخوَّة, ومن احتكار الرجال للأنشطة الفكريَّة إلى مشاركة المرأة لهم في صناعة نهضة الأمَّة, ومن العذوبة الحارقة إلى الزوجية الرائقة, ومن الاعتداء والاقتتال إلى التسامح والتعايش, ومن فكر الفتاوى الفردية إلى فكر الفتاوى الجمعية, ومن الفقر والمسكنة إلى الغنى والرحمة, ومن ردود الفعل إلى التخطيط والعمل". وقال الداعية الإسلامي الشيخ محمد حسان, إنه لا بدَّ لكي نصل للنهضة أن ندرك حقيقة الإسلام الوسطي.. فالإسلام يمنعنا من أن نُكره أحدًا على الدين وأن نكره أحدًا على الرأي، وعاب على الليبراليين حجرهم على الإسلاميين ورفضهم إبداءهم الرأي، برغم أنهم شركاء في هذا البلد، ونوَّه أن الإسلام "يمنعنا من محاسبة الآخرين فنحن دعاة لا قضاة.. ويمنعنا من احتقار وازدراء الآخرين" مؤكدًا أن التنوع في العالم الإسلامي من أسباب النهضة القويَّة، داعيًا لتناسي الخلافات والاجتماع على الأصول، وقال: "مصر تجمعنا وليس من حق أحد أن يقول البلد بلدنا.. البلد بلد المسلمين والأقباط ويجب على الجميع أن يعبِّر عن رأيه في أدبٍ واحترام للآخر". الفضل للحكام وفي الجلسة الأولى للمؤتمر أدان رئيس المنتدى العالمي للوسطيَّة بالأردن الدكتور مروان الفاعوري بالفضل للحكام العرب في إشعال الثورة, بسدهم الأبواب جميعها, وجعلهم الشعوب تسلك هذا المسلك الوطني الحضاري, وأضاف في عرضه لورقته التي كانت تحت عنوان "متغيرات الخطاب الإسلامي بعد نجاح ثورتي مصر وتونس" أن "المعالجة الأمنيَّة الهمجيَّة لم تؤثرْ على الفكرة الثوريَّة, فالشباب كان واعيًا", وطالب الحركات والجماعات الإسلاميَّة "بتجنب الخطاب الحماسي والانتقال إلى الخطاب الإصلاحي, وتجنب لغة الأنا ولغة الإقصاء, وحسم الصراع بين الدولة الدينيَّة والدولة المدنيَّة, وتبيان أن الدولة المدنيَّة لا تتعارض مع مفهوم الدولة ونظامها في الإسلام, وإدماج الإسلاميين في الحياة السياسية وعدم إقصاء أحدهم, لأن محاكم التفتيش في العالم العربي ولَّت إلى غير رجعة". أما القيادي بالجماعة الإسلاميَّة الدكتور صفوت عبد الغني, فقد تناول في ورقته التي كانت بعنوان "أولويات الحركة الإسلاميَّة مرحلة ما بعد الثورة الإصلاح والنهضة", التي ركَّز فيها على محورين, الأول محور "ضرورة التجديد السياسي كمدخل وملمح هام في أولويات الإصلاح والنهضة", وأكَّد فيه على أن المقصد العام للتشريع هو حفظ نظام الأمة, كما تناول طبيعة التشريع الإسلامي, وطبيعة المجال السياسي, ومفهوم السياسة الشرعيَّة, وبيَّن ضعف وقصور الاجتهاد السياسي, أما المحور الثاني: نتعرض فيه لتلك القواسم المشتركة لدى التيارات الإسلاميَّة لأولويات الإصلاح الداخلي والخارجي, وطالب فيه بإعادة البناء الهيكلي واعتماد العمل المؤسسي, واستيعاب دور الشباب داخل بنية التيارات الإسلاميَّة, وإزالة الصورة النمطيَّة والتشويه المتعمَّد لدى الشعوب تجاه الحركات الإسلاميَّة, وضرورة تجديد الخطاب الإسلامي المطروح لشئون المجتمع وبناء الدولة, وتوحيد الصفّ الإسلامي في المجال السياسي عن طريق تبنِّي العمل الائتلافي الجبهوي بعيدًا عن التشرذم والتفرُّق, والحوار والتنسيق مع كافة القوى السياسيَّة والوطنيَّة. وفي ورقته التي كانت بعنوان "الحركات الشعبيَّة وأثرها في تعزيز الديمقراطيَّة" بيَّن الكاتب الدكتور محمد مورو أن "الحركات والجماعات السياسيَّة ذات المرجعيَّة الإسلاميَّة الحضاريَّة والثقافيَّة هي الأقدر على قيادة مشروع النهضة, ولا أقصد هنا الجماعات الإسلاميَّة المعروفة فقط, إنما كل الجماعات باستثناء الحركات الماركسية والليبرالية, وهناك شروط لهذا الحزب أو الجماعة, فإذا تصرفت بمعزل عن الأمة فإنها تتحول إلى ورم خبيث, وإذا نشطت ومعها باقي خلايا الجسد نهض الجسد كله, وأكَّد على أنه يجب تقوية المجتمع ومؤسساته وليس جهاز الدولة, والتمدد الأفقي وليس الرأسي". المستقبل وقدم رئيس حزب الامة السوداني ورئيس وزراء السودان الأسبق في ورقته التي كانت بعنوان "المستقبل: آفاته وتحدياته" إثباتًا لحقيقة الاحتلال الداخلي وحتميَّة السعي لتحقيق الاستقلال منه وبيان ماهيَّة التحديات, والمخاطر, والتداعيات, وواجبنا لصنع النجاح وتجنب الاخفاق, كما أصل لحقوق الإنسان, وأكَّد على تهاوي مشروعات القوميَّة العربيَّة القديمة, أي قبل الحرب الأطلسيَّة الأولى, والجديدة, أي بعد الحرب الأطلسيَّة الثانية. وبيَّن المهدي أنه "على طول الأعوام العشرة الماضية درج كثير من الكتاب والمفكرين والأدباء والشعراء في العالم العربي يعزفون على وترٍ واحد شاكين غياب الحريات وتحكم الاستبداد والفساد ويقابلون مؤتمرات القمم العربيَّة بالسخرية, وتواكب ذلك مع شعور الأنظمة بالرضا عن الذات والاطمئنان على ما أقنع به نفسه وحلفاءه ألا بديل له إلا دمار الوطن, وكانت الحقيقة أن ما يُقال عن الاستقرار في مصر وتلك الأنظمة ما هو إلا وهم". رَأَس جلسات المؤتمر الأمين العام لهيئة الأعمال الخيريَّة بدولة الإمارات الدكتور عبد الرحمن النعيمي, والدكتور عبد الإله ميقاتي, وقدَّم كل من أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنيَّة أحمد نوفل, والنائب السابق في مجلس النواب الأردني الدكتور محمد الحاج, والكاتب الصحفي المصري عامر عبد المنعم, والصحفي المصري الشاب محمد الصياد, أوراقًا نوقشت في المؤتمر, كما أُلغي حضور كلٍّ من المفكر التونسي راشد الغنوشي, والداعية والمؤرخ الليبي علي الصلابي, لظروف الثورة في البلدين الشقيقين.