الشيخ: قسول جلول من العوامل التي كان يتميز بها المجتمع الجزائري مبدأ التكافل في جميع مناحي الحياة لعل الظروف الصعبة التي عاشها جعلته يتصف بهذه الصفة حتى يتقوى ويستمر في الدفاع عن أرضه وعرضه أو انتمائه لدينه الذي أهتم ببناء المجتمع المتكامل ليكون مجتمعاً قوياً منيعاً قادراً على مواجهة التحديات كافة وحشد في سبيل ذلك جملة من النصوص والأحكام ((وَ_لْمُؤْمِنُونَ وَ_لْمُؤْمِنَ_تُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْض _ _يَأْمُرُونَ بِ_لْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ _لْمُنكَرِ))الآية 71سورةالتوبة (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان الآية 2 من سورة المائدة وهذا لجعل المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ويكون سدّاً منيعاً في وجه شتى أنواع المؤامرات والتحديات ومن هذا المنظور تقوم المساجد بأئمتها لإجلال وتبيان صفة وخلق التكافل الاجتماعي وخاصة في هذه الأوقات مذكرين أنه إلى وقت قريب كانت هذه الفضيلة الخلقية يتميز بها المجتمع غير أن ظروفا خاصة جعلت هذه الصفة تغيب من عائلاتنا وإحيائنا وقرانا وفي هذه الأيام نريد أن ننفض الغبار على هذا الخلق القرآن العظيم وخاصة كما في هذه الأيام التي تعالت فيها الأصوات مطالبة بالفتنة ونشر العداوة والبغضاء تارة بأسباب دينية وأخرى إقتصادية واجتماعية والتكافل والتعاون صفة مكتسبة لهذا المجتمع فلماذا بعض الناس يريدون تغييبها ...ونبينا صلى الله عليه وسلم يوجهنا إلى أحاديثه عن عَلِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ َأدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والتكافل الاجتماعي ليس مقصورا على النفع المادي بل يتجاوزه إلى جميع حاجات المجتمع أفرادا وجماعات ومناحي الحياة مادية أو معنوية أو فكرية على أوسع مدى لهذه المفاهيم فهي بذلك تتضمن جميع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات داخل المجتمع . ومفهوم التكافل من الناحية العملية اليوم ما زال لا يتسع ميدانياً ليشمل كافة حدود الدائرة التي رسمها الدين الحنيف وأحدث بها نقلةً نوعية من عالم الأنا والفرد والشخص إلى عالم المجتمع والدولة فدائرة هذا المفهوم ليست حكراً على الجانب المعيشي الذي يوفر للمحتاجين ضروريات حياتهم فحسب بل أصبح يتسع لحاجات المجتمع وضرورات الدولة التي تشمل كافة ميادين الحياة فالتكافل الاجتماعي هو العناية بالفقراء والمساكين هذا الخلق إلى رفع معانات ورسم الابتسامة على وجوه المحتاجين وتعتبر كرد فعل لولائك الذين أرادوا تغييبها في مجتمعنا ! هذا الخلق القرآني الذي دعا إليه الإسلام قال الله عز وجل : ((فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))الآية 38سورة الروم والمراد به أن يتحمل المجتمع أعباء رعاية أحوال الفقراء والمرضى والمحتاجين والاهتمام بمعيشتهم من طعام وغذاء وكساء ومسكن والحاجات الاجتماعية الضرورية وهذا النوع من التكافل له أولويته لأنه مما لايستغني عنه أي إنسان في حياته لأن النفوس إذا جاعت دفعت أصحابها إلى فعل كل شر ! تكافل في كل الميادين وكذا التكافل يكون في ميدان العلم والمعرفة أي نشر العلم والمعرفة وتغذية الروح بالعلم والتعلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما تصدّق الناس بصدقة مثل علم يُنشر ويقصد به توفير فرص التعليم لجميع الناس وتشجيع الطلاب على طلب العلم وتكاتف أفراد المجتمع فيما بينهم على إزالة آثار الأمية والجهل. والتكافل أيضا في العبادات التي شرّعها الإسلام هناك في الإسلام شعائر وعبادات يجب أن يقوم بها المجتمع ويحافظ عليها كصلاة الجنازة إقامة الجمعة وإقامة فريضة الحج وغير ذلك من العبادات التي تؤدى جماعةً. هذه الصورة من تكافل المجتمع وتعاونه في أداء العبادات هي سمة بارزة من سمات المجتمع الجزائري المسلم ولها أثرها الكبير في شد أواصر هذا المجتمع وتلاحمه ومما لا شك فيه أن هذه العبادات إنما أراد بها الله تعالى الجانب الجماعي التعاوني لقوله عز وجل : _وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ_. سورة المائدة :الآية 2 والتركيز على أهمية الجماعة وإبرازها بصور عبادية مختلفة ترسيخاً لمفهوم التكافل العبادي وإحيائه. وأيضا التكافل الأخلاقي قال تعالى: _ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ ِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه) الآية 110 سورة آل عمران ويقصد به حراسة القيم الإسلامية والمبادئ الأخلاقية السامية وحماية المجتمع من الفوضى والفساد والانحلال وإشاعة الفاحشة والله يقول( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا َلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ _ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) الآية 19 من سورة النور. و من منطلق الإيمان بأن المجتمع إذا فسد فإنه يفسد الجميع ويصعب بعد ذلك تدارك الفساد وإصلاحه ولهذا وجب على المجتمع المسلم أن ينكر على مرتكبي المنكرات الخُلقية وغيرها ويحارب الآفات الاجتماعية . كما يندرج في التكافل الأخلاقي شعور كل فرد نحو إخوانه في الدين بمشاعر الحب والعطف والشفقة وحسن المعاملة وأن يتعاون معهم في سراء الحياة وضرائها ويفرح لفرحهم ويأسى لمصابهم ويتمنى لهم الخير ويكره أن ينزل الشر بهم وقد دلّ على ذلك المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأيضا التكافل الاقتصاد يقال تعالى:_ ولا تؤتوا السفهاء أمولكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا)النساء الآية 5 ومعناه التكافل الاقتصادي أن يتعاون الجميع في المحافظة على ثروات الأمة من الضياع والتبذير كما يمنع سوء استعمال الاقتصاد فلا يجوز للمجتمع أن يفرط في ماله ويعطيه للسفهاء وأهل الجشع والطمع وآكلي المال العام ومضيعي ثروات الأمة وتقديمها إلى الأعداء بأ بخس الأثمان وأيضا التكافل في الحياة العامة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته . والمراد هنا أن يتحمل كل فرد مسؤولياته المتعلقة بنظافة الطرقات والأماكن العامة والمحافظة على البيئة قال تعالى:_ _وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ _. سورة المائدة : 2. هذا هو التكافل في كل ما يفيد الجماعة من عمل دنيوي أو ديني سياسي أو اقتصادي زراعي أو تجاري علمي أو أدبي وهو من البر الذي يحبه الله لعباده ويرغب لهم أن يتعاونوا. فالعمل النافع للمجتمع محبوب عند الله تعالى وهو من البر الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتعاون ونتضامن في تحقيقه.