الشيخ صالح العثيمين فإنه بمناسبة استقبال شهر رمضان أقدم لإخواني هذه الكلمة راجيًا من الله تعالى أن يجعل عملنا جميعًا خالصًا لوجهه وتابعًا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فنقول مستعينين بالله: 1- لا شك أن من نعمة الله على عباده أن منَّ عليهم بهذا الشهر الكريم الذي جعله موسمًا للخيرات ومغتنمًا لاكتساب الأعمال الصالحات وأنعم عليهم فيه بنعم سابقة ونعم مستمرة دائمة ففي هذا الشهر أنزل الله القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. وفي هذا الشهر حصلت غزوة بدر الكبرى التي أعزَّ الله فيها الإسلام وأهله وخذل فيها الشرك وأهله وسمِّي يومها يوم الفرقان. وفي هذا الشهر حصل الفتح الأعظم الذي طهّر الله فيه البيت الحرام من الأوثان ودخل الناس بعده في دين الله أفواجًا. وفي هذا الشهر أعطيت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويُزيِّن الله كل يوم جنته ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصيروا إليكِ. وتُصفَّد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ويغفر لهم في آخر ليلة. قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا ولكن العامل إنما يُوفَّى أجره إذا قضى عمله ومن صام هذا الشهر إيمانًا بالله واحتسابًا لما عند الله غفر الله له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه. 2- هذه التراويح التي نصليها من قيام رمضان وفي قيام رمضان إيمانًا واحتسابًا ما سبق من الأجر وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة . وهذه نعمة كبرى لا ينبغي للمؤمن أن يتركها بل ينبغي له أن يثابر عليها ويحافظ على التراويح مع الإمام من أوَّلها إلى آخرها. وكثير من الناس يضيعون قيامهم مع الإمام بالتجول في المساجد فيصلون في هذا المسجد تسليمة أو تسليمتين وفي المسجد الثاني كذلك فيفوتهم القيام مع الإمام حتى ينصرف ويحرمون أنفسهم هذا الخير الكثير وهو قيام الليلة. والأولى للإنسان إذا كان يحب أن يتخير من المساجد أن يذهب إلى المسجد الذي يريد من أول الأمر ويبقى فيه حتى ينصرف الإمام. 3- كثير من إخواننا أئمة المساجد يسرعون في التراويح في الركوع والسجود إسراعًا عظيمًا يُخِلّ بالصلاة ويشق على الضعفاء من المأمومين وربما أسرع بعضهم إسراعًا يخل بالطمأنينة التي هي ركن من أركان الصلاة ولا صلاة بلا طمأنينة. وإذا لم يخل بالطمأنينة فإنه يخل بمتابعة المأمومين إذ لا يمكنهم المتابعة التامة مع هذه السرعة وقد قال أهل العلم رحمهم الله: إنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يسن فكيف وهي قد تمنعه فعل ما يجب؟! فنصيحتي لهؤلاء الأئمة أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم وفيمن خلفهم من المسلمين وأن يؤدوا تراويحهم بطمأنينة وأن يعلموا أنهم في صلاتهم بين يدي مولاهم يتقربون إليه بتلاوة كلامه وتكبيره وتعظيمه والثناء عليه ودعائه بما يحبون من خيري الدنيا والا_خرة وهم على خير إذا زاد الوقت عليهم ربع ساعة أو نحوها والأمر يسير ولله الحمد. 4- أوجب الله الصيام أداء على كل مسلم مكلف قادر مقيم فأما الصغير الذي لم يبلغ فإن الصيام لا يجب عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة وذكر: الصبي حتى يبلغ . ولكن يجب على وليه أن يأمره بالصيام إذا بلغ حدًّا يطيق الصيام فيه لأن ذلك من تأديبه وتمرينه على فعل أركان الإسلام. ونرى بعض الناس ربما يترك أولاده فلا يأمرهم بصلاة ولا صوم وهذا غلط فإنه مسئول عن ذلك بين يدي الله تبارك وتعالى وهم يزعمون أنهم لا يُصَوِّمون أولادهم شفقةً عليهم ورحمة بهم والحقيقة أن الشفيق على أولاده والراحم لهم هو من يمرِّنهم على خصال الخير وفعل البر لا من يترك تأديبهم وتربيتهم تربية نافعة. وأمَّا المجنون ومن زال عقله بهرم أو نحوه فإنهم لا صيام عليهم ولا إطعام لعدم العقل عندهم. وأمَّا العاجز عن الصيام فإن كان يرجو زوال عجزه كالمريض الذي يرجو الشفاء فإنه ينتظر حتى يعافيه الله ثم يقضي ما فاته لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]. وأما العاجز الذي لا يرجو زوال عجزه: كالكبير والمريض الا_يس من البرء فهذا ليس عليه صيام وإنما الواجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا وهو بالخيار: إن شاء صنع طعامًا ودعا إليه فقراء بعدد أيام الشهر وإن شاء أعطى كل فقير خمس صاع من البر. والمرأة الحائض والنفساء لا تصوم وتقضي بعد الطهر بعدد الأيام التي أفطرت. وإذا حصل الحيض أو النفاس في أثناء يوم الصيام بطل الصوم ووجب عليها قضاء ذلك اليوم الذي حدث فيه الحيض أو النفاس كما أنه إذا انقطع الدم في أثناء نهار رمضان وجب عليها أن تمسك بقية يومها ولا تحتسب به بل تقضي بدله. والمسافر مخيَّر إن شاء صام وإن شاء أفطر إلا أن يشقَّ عليه الصيام فإنه يفطر ويكره له الصيام لأن في ذلك رغبة عن رخصة الرحيم الكريم وزهدًا فيها وإنْ كان الصيام لا يشق عليه ولا يفوت حاجته فالصوم أفضل لما في الصحيحين من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر ّ شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة .