رأي يعود بالأمازيغ إليهم: تاريخ الكنعانيين وتراثهم وأساطيرهم بقلم الدكتور وليد بوعديلة* - الجزء الأول- تحتفل الجزائر بالسنة الأمازيغية الجديدة وتعيد كتابة تاريخ متصالح مع ذاتها وأمازيغيتها ولان الجزائري يحتاج لعرفة هذا الجانب الجيهول من الذاكرة البعيدة الممتدة لما قبل ميلاد المسيح فقد أردنا التنبيه لبعض نقاط الشبه في التاريخ الكنعاني القديم وفي اساطيره وموروثه الشعبي بين الانسان المازيغي والانسان الذي سكن منطقة بلاد الشام وتحديدا فلسطين. بل وإن الشبه الفيزيولوجي والثقافي والفكري وعقلية التحرر والثورة ضد المعتدي مستمرة لليوم و كذلك حب الهجرة بين الأمكنة و الثقافات والتمسك بالارض وشجر الزيتون ومن ثمة تأتي أهمية البحث في اصل الكنعانيين. في اصل الامازيغ اختلفت الآراء حول اصل الامازيغ واشتد الخلاف مؤخرا بعد ظهرت اكتشاف لوجود بشري قديم بمنطقة سطيف ومجمل الاراء تختصر في مواقف أربعة هي: يرى رأي بان أصل الامازيغ أوروبي استنادا إلى معطيات لغوية وبشرية توحي بأن الإنسان الأمازيغي من نسل الغاليين... ويرى رأي ثان بأن الامازيغ هم أبناء هذه الأرض الإفريقية و يستند البعض إلى كشوفات علم الآثار والفنون القديمة مفادها أنه تم العثور على أول إنسان في التاريخ في بعض مناطق أفريقيا وبالتالي فالإنسان الأمازيغي لم يهاجر إلى شمال أفريقيا ولكنه وجد فيها منذ البداية ويذهب اتجاه آخر إلى ربط سكان هذه المنطقة بالمشرق وجزيرة العرب حيث إنهم نزحوا من هناك إلى شمال أفريقيا نتيجة لحروب أو تقلبات مناخية وغيرها و يميل المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون إلى اعتبار الأمازيغ كنعانيين من ولد كنعان بن حام بن نوح عليه السلام ولا نريد ان نفصل في المسألة فهي تحتاج لبحث انثروبولوجي اجتاعي ثقافي ولبحوت في الاثار والحفريات لكن سنقدم بعض الحقائق والمعلومات عن تاريخ الكنعانيين و نذكّر القارئ الكريم باعتماد مجموعة من الكتب المتخصصة ومنها تاريخ فلسطين القديم لظفر الاسلام خان ميخائيل نسطور(أصل تسمية كنعان ترجمة فاضل جتكر ) زياد منى: تاريخ فلسطين القديمة حسن الباش: الميثولوجيا الكنعانية والاغتصاب التوراتي يوسف الحوراني: مجاهل تاريخ الفنيقيين (من خلال سانخونياتين البيروتي وفيلون الجبيلي) .... -في التجذر التاريخي الكنعاني: عندما نبحث في تاريخ الكنعانييين نتجه لمنطقة فلسطين و هي أرض تمتد في التاريخ العميق للبشرية وقد شهدت الكثير من الهجرات والحروب واختلفت مجالات التفاعل والتواصل بين أبناء الأرض والشعوب القادمة المهاجرة. لقد (عرفت فلسطين عبر التاريخ القديم سلسلة من الهجرات العربية والسامية وسلسلة طويلة من الحروب والغزوات وسلسلة من الإمبرطوريات الغازية التي مرّت بها وأقامت فيها أو حكمتها فقد هاجر إليها وأقام بها عدد من القبائل السامية... وجاء كذلك: الحثّيون والمصريون والبابليون والآشوريون والكلدانيون وغزاها اليونانيون والفرس والرومان وحكمها الأبناء الكنعانيون العرب الأصليون) ولعل تلك الأزمنة بكل امتداداتها الحضارية قد أثرت في ذهنية وقيم الإنسان الفلسطيني كما أسهمت في تنويع مصادره الثقافية الشعبية وتعددت المشاعر والأفكار باعتبار التقاء الأديان والحضارات في الأرض الواحدة وهو ما يحمل مرجعيته الثقافية التاريخية مع الذاكرة الفلسطينية (يكاد يكون لجميع الأنبياء والرسل الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم صلة بفلسطين فنبيٌّ يمُّر بها ونبيُّ يدعو فيها ونبيٌّ يدفن فيها وعيسى عليه السلام رفعه الله إليه منها ومحمد (ص) أسرى به إليها وعُرج به إلى السماء منها). فكيف لا تكون أرض الأنبياء وملتقى الأديان؟. سكنت الشعوب السامية فلسطين منذ القدم والهجرة الكنعانية هي أقدم الهجرات إلى المنطقة مع العلم أنّ الكنعانيين هم (أحد فروع الأموريين الذين قد جاءوا إلى فلسطين في زمن لا يقل عن بداية الألف الثالثة التي سبقت ميلاد المسيح وقد انصهروا تمامًا مع من سبقوهم من المهاجرين). واختار الكنعانيون ساحل بلاد الشام وجنوبها الغربي وفلسطين. ومن المنظور التاريخي فإن الكنعانيين والأموريين من قبيلة كبرى واحدة.وتشمل بلاد كنعان أي ما يسمى حاليا (فلسطين وسوريا ولبنان والأردن). وتأتي الدلائل التاريخية المؤكدة على هجرة الفلسطينيين من شبه الجزيرة العربية فقد (كان الفلسطنيون وهم قبائل ينتسبون إلى أصول سامية أقاموا على الساحل الفلسطيني بين غزة والخليل وشمال يافا أمَّا الكنعانيون الذين نزلوا ساحل بلاد الشام أمام جبل لبنان في القرن الثاني عشر ق. م. باسم الفينيقيين فقد سكنوا بين الكرمل ومصب نهر العاصي... وبنوا الحصون والقلاع والأسوار يلتجئون إليها عندما يشعرون بقدوم الغزاة أو الفاتحين). تقدم هوية حضارية كنعانية تفاعلت مع غيرها كما أن أبناء شعوبها (طبعوا فلسطين بطابعهم الخاص وأنشأوا المدن العامرة التي لا يزال معظمها اليوم حتى بقيت تحافظ على اسمها أو حرِّفت تحريفًا بسيطًا مثل أريحا وبئر السبع وأسدود وبيت لحم ورفح وعكا وغيرها...). وقد سكن فلسطين عرب آخرون غير الكنعانيين أقاموا بين (مصر فلسطين والحجاز) وهم الذين سحبوا يوسف بن يعقوب من البئر الذي ألقاه فيه إخوته وينسب إليهم النبي شعيب أمّا (المعنيّون) فقد نزلوا فلسطين واستقروا جنوبها. كما أسّسوا (غزة) لتكون مركزًا تجاريًا لقوافلهم التجارية والحقيقة أنّ إنشاء المدن ظاهرة عرف بها الكنعانيون العرب في فلسطين وكانت مدنهم فضاء ثقافيًا وتجاريًا لمختلف العناصر الحضارية المحلية والأجنبية وهذه المدن احتفظت بأسمائها حتى اليوم... في الخلفية الأسطورية الكنعانية: يعد اسم كنعان اسما ساميا وقد قيل أنَّ كلمة (كيناخو) تعني الصباغ الأرجواني الأحمر في النصوص الأكادية وهذه الكلمة صفة مشتقة من كنعان أي بلاد الأرجوان أوْ أرض الغروب أو الأرض الغربية كما أن عبارة كنعان و(أمورو) جاءتا مترادفتين في رسائل تل العمارنة ويجمع المؤرخون أن معنى كلمة كنعان هو الأرض الأرجوانية ويؤكد زياد منى بأن هيرودوت المؤرخ الاغريقي لم يشر في كتابه (التاريخ) عندما تكلم عن فلسطين أية إشارة إلى وجود عبرانيين أو كتاب التوراة بل لم يشر إلى مملكة داود أو سليمان المزعومة مهما كانت هذه الإشارة ولو عابرة ولم يرد في كتابه أي ذكر لوجود (هيكل أورسليم) لكن هيرودوت يطلق على المنطقة الممتدة من جنوبي دمشق إلى حدود صحراء سيناء اسم فلسطين. ويرى بعض المؤرخين أن تاريخ المدن الكنعانية الفلسطينة يعود إلى سبعة آلاف عام وقد انتشر أحفاد كنعان وهم (12 فرعاً) في الشام وفلسطين ويقال أن بعلا هو والد كنعان كما ذكر اسم كنعان في رسائل تل العمارتة التي تعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد(. لقد كانت المنطقة أرضًا لمختلف الأساطير كما أن أعياد قيامة إلاله المصري (أوزيرس) التي كانت تنظم في جبل الكنعانية تحوي الكثير من الأساطير التي تمتد إلى حضارات أخرى يقول شوقي عبد الحكيم (بقدر ما تناسبت أو تقاربت الأساطير والتراث الحضاري بعامة لبابل وآشور أو حضارة ما بين النهرين بالإضافة إلى حضارة العرب القحطانيين من جانب وبين جيرانهم من الفرس... من جانب آخر حدث نفس القدر بالنسبة للحضارتين المجاورتين: المصرية القديمة والحضارة الكنعانية الفينيقية في مدن دول الشام وفلسطين). هذه بعض دلائل الامتزاج وليس ذلك فحسب بل إن الآلهة الكنعانية الفينيقية قد ظهرت حسب بعض البحوث الأثرية في حفريات قرطاجية من قبيل الآلهة (بعل هامان) والإله (أشمون) و(أدويس) والإله المصري (بس) إله مصر وغرب آسيا. لقد تعرضت الذاكرة الحضارية الكنعانية إلى محاولات الطمس والتشويه لكن- مع ذلك- بقيت حاضرة في الوجدان وفي الفكر من خلال ديمومة استمرارية المعطيات التراثية المختلفة خاصة في ظل الهجرات أي تغريبة الأساطير الكنعانية (غرب المتوسط) فقد (نقل الكنعانيون القدماء الكثير من معتقداتهم وطقوسهم وصناعاتهم إلى البلاد التي سافروا إليها أو تاجروا مع أبنائها على الشواطئ الإغريقية والأوروبية وبوجه خاص إلى بلاد الإغريق وأرض مصر القديمة) ومن ثم وقع التفاعل الثقافي وتحقق إشعاع الموروث الكنعاني رغم محاولات التدمير التي استهدفت الآثار الفنية والفكرية بنسبها إلى حضارات أخرى (الإغريق) أو محاربة المنتميين إلى الثقافة الكنعانية كما فعل الاستشراق الأوروبي لكن هذه الثقافة صعدت وانفتحت على غيرها وذلك ما تؤكدِّه الكشوف الحفرية التي تؤكِّد على الحوار الكنعاني (الفينيقي) مع الشعوب الأخرى نتيجة الهجرات السامية القديمة. إنّ الأساطير والحكايات الشعبية نتاج للمعتقدات الشعبية والفكر الكنعاني ينبض بالكثير منها انطلاقًا من أساطير أصل الكون وهي أساطير تستحضر المشاهد الغريبة التي تجمع الهواء والريح و(نجد فكرة البيضة كقاعدة أساسية للوجود في الفكر الكنعاني عن التكوين ولعلّ تقليد بيضة الفصح ذاته لا يزال في الممارسة مع هذا العيد منذ فصح الكنعانيين الذي يعني ولادة الريح من جديد كل سنة) فتتحول البيضة إلى عنصر أصل الوجود كما أنّ الصيدونيين يفترضون وجود الرغبة والضباب قبل كل شيء ومنهما يلد الهواء (المستوى الأعلى للوعي) والريح (النموذج الحي للوعي) وهنا ينطلق بحث أساطير الكنعانيين في بدء التكوين حيث تحضر الأسطورة عند الشعب الكنعاني مثل غيره من الشعوب لأن (كل الشعوب عرفت الأسطورة والتقت عندها فهي تراث الإنسان حيثما أو أينما كان على بعد المكان وعلى اختلاف الزمان يلتقي الإنسان بالإنسان عند نسيج الأسطورة المتشابه الموحّد ومنه يستمد الإنسان عطرًا لا يمحّي يذكره بقدرته على الخلق والمحاكاة والإبداع) يتبع..