عودة تدريجية للحياة الطبيعية كورونا.. من القلق والخوف إلى التعايش والمواجهة تحول تعامل وعلاقة الإنسان بفيروس كورونا خلال الأسابيع القليلة الأخيرة بعد أن استأنف أغلب مواطني دول العالم أنشطتهم اليومية على غرار الجزائر وعادت عجلة الحياة إلى الدوران بعدما أصابها لأشهر عطب كورونا الذي غير الكثير. نسيمة خباجة الصورة بدات من أوائل شهر مارس شوارع المدن الفارغة تذكر بالسلسلة الأمريكية تشيرنوبيل القلق باد على الجميع وجو الربيع البديع تحوّل إلى مشاهد هيتشكوكية نراقبها من بعيد عبر النوافذ أو في خرجات مسروقة باحتياط وانضباط عسكريين. الخوف وسم المشهد العام من ضيف جاء غامضاً ومفاجئاً دون موعد مؤجِلاً المواعيد والترتيبات وأدخل الكل في اعتكاف قسري بعد أن أُغلق على الجميع ودخل الكل في روتين وأيام طويلة تكرّر نفسها لا يتغير فيها إلاّ عدّاد كورونا يسجّل الإصابات المتتالية ويحصد الأرواح. علاوة على إرباك حياتنا وأنشطتها اليومية تسبّبت جائحة كورونا للكثيرين في أزمات نفسية صعبة ليس فقط بسبب الكساد الاقتصادي وتبعاته الاجتماعية بل كذلك لتوليده أحاسيس الخوف والقلق مع توارد أخبار الوفيات والإصابات والإجراءات المقررة لمحاصرته وعدم اليقين من مستقبل البشرية من عدو غير مرئي. احتفاء بالعودة التدريجية للحياة الطبيعية اليوم وبعد أن رفعت أغلب البلدان الحجر الصحي أو باشرت في تدابير تخفيفه يلامس تجاوز الشعور بعدم الطمأنينة وخفوت حالة الهلع مع تأقلم الناس مع حقيقة وجود فيروس يعيش بيننا لينخرطوا مجدداً في طقوسهم اليومية السابقة مع تسجيل إقبال كبير على المقاهي والمطاعم والشواطئ والاحتفال بلحظاتها على منصات التواصل الاجتماعي عبر صور وعبارات تنتقم من أيام الحجز المنزلي وتحتفي بعودة الحياة. إلياس شاب يقول أنه في صباح اليوم الأول من إعلان تخفيف الحجر الصحي قصد مقهاه المفضل الذي أعاد فتح أبوابه يضيف: حرصت على الالتزام التام بالحجر الصحي طيلة الأشهر الماضية ولم أكن أخرج إلا للضرورة القصوى خوفاً من الإصابة بالفيروس ونقله لأسرتي سعدت كثيراً برفع الحجر واستقبلت المرحلة الجديدة بمذاق القهوة في مقهاي المفضل . وصال طالبة تكشف بدورها أن سعادتها كبيرة باستئناف الحياة الطبيعية ورجوعها إلى ممارسة مختلف أنشطتها اليومية والاستمتاع بفصل الصيف تقول: في بداية الإعلان عن الجائحة ودخول الفيروس لم أشعر بالخوف لكن بعد فرض الحجر الصحي وإعلان الطوارئ تسلل إلي الشعور بالخوف على أفراد عائلتي خاصة المسنين جدي وجدتي . تضيف: لم أسلم من بعض المعاناة النفسية خلال الأسابيع الأولى لكن بدأت أعتاد الواقع الجديد شيئاً فشيئاً وأقلعت عن متابعة أخبار أعداد الإصابات والوفيات وإحصائها . بعد رفع الحجر تشرح وصال: أشعر أن خوفي من الفيروس تبدد بدأت أعود إلى حياتي الطبيعية ألتقي بأفراد عائلتي وأزور جدتي من حين لآخر .. والأهم من كل ذلك هو استطاعتي الارتباط مرة أخرى بالطبيعة التي افتقدتها خلال هذا الحجر . حب الحياة التخوّفات المسجلة في بداية انتشار فيروس كورونا تبقى بحسب الخبراء في علم النفس الاجتماعي متوقّعة وعادية لكونه كان جديداً وقويّاً ومن ثم ردة الفعل الطبيعية من الإنسان هي الخوف كموقف نفسي وعاطفي مقبول خلال تلك الفترة أمام معطيات الواقع والجهل بحقيقة الفيروس . ان التعامل مع الجائحة أفرز سلوكات نفسية مختلفة باختلاف البنية النفسية والخلفيات المعرفية للفرد حيث إن هناك من تعامل بمنطقية وعقلانية وتأقلم مع الظروف التي فرضها هذا الطارئ الصحي وهناك من تملّكته مشاعر الخوف وعدم اليقين من مستقبل الأحداث والوضعية الوبائية. يمكن تحليل الظرفية الماضية من خلال ثلاثة مكونات عقلانية واجتماعية وجسدية طبعت المرحلة الأخيرة. في البداية تم إعطاء الأولوية للمكون الجسدي الصحي من خلال الترتيب للحماية الجسدية للأفراد عبر إقرار مجموعة من التدابير الاستثنائية كفرض الحجر الصحي ووضع الكمامات بعدها و خلال الأسابيع الأخيرة تغّيرت طريقة التعامل بباقي المكونات من خلال الإجماع على التعايش مع الفيروس بحذر والانشغال بالبعد الاجتماعي والعقلاني المعرفي المتعلّق به. التعامل مع الجائحة أفرز سلوكات نفسية مختلفة باختلاف البنية النفسية والخلفيات المعرفية للفرد فالدافع الأساسي للإنسان هو حب الحياة وليس الخوف من الموت كما أن دافع الرغبة في الحياة يوجّهنا حسب السياق التاريخي نحو السبل الفضلى الممكنة للوجود ويدفعنا نحو التأقلم مع جميع المتغيرات المحيطة بنا مع وجود التهديد أو تراجعه فالتأقلم سلوك إنساني مترسّخ ينم عن استعداد فطري للإقبال على التعايش مع مختلف الوضعيات. الحدث الأبرز لكل قرن أحداثه البارزة والمؤثرة ويرى كثيرون أن حدث القرن الحادي والعشرين الأبرز والأكثر تأثيراً وقوة إلى حدود الآن هو جائحة فيروس كورونا بالنظر إلى الهزة التي أحدثها على مختلف الأصعدة ويرى المختصون في علم الاجتماع ان وباء كورونا كحدث جماعي وعالمي من هذا الحجم من الطبيعي أن تنجم عنه العديد من المخاوف لكون العالم لم يواجه جائحة كورونا بل بالموازاة معها واجه ما يمكن تسميته بوباء الخوف الناجم أساساً عن الوباء والمعلومات الغزيرة والأخبار المواكبة له بمختلف القنوات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت في نشر الرعب وفي التضخيم الإعلامي لهذا الفيروس . ممّا زاد من منسوب الخوف في المجتمع ليس من عواقبه المرضية وإنما أيضا ممَّا يمكن أن ينتج عنه من كساد اقتصادي وفقدان العمل وتردي شروط المعيشة أمام استمرار الحجر الصحي تضرّرت الصحة النفسية لكثيرين وتعمقت الأزمة بسبب الكساد الاقتصادي فاستمرار كوفيد 19 في المقاومة أربك توقعات السياسات الصحية بحيث إن الرهان كان في البداية معلقاً على الأمن الصحي على حساب الأمن الاقتصادي وهذا هو الخيار الذي ذهبت فيه العديد من الدول التي سنت سياسة صحية عممت الحجر الصحي مع استثناء بعض الخدمات الإدارية والأنشطة الاقتصادية . رهان التعايش مع الفيروس للخروج من الأزمة تم قلب معادلة الأمن الصحي والأمن الاقتصادي وأصبح الرهان معلقاً على الأمن الاقتصادي ولا سيما أن تبعات الكساد الاقتصادي لا تقل خطورة عن الأضرار الصحية ليفرض رهان التعايش مع هذا الفيروس كقدر للمجتمعات بعد أن مكّنت أيام الحجر الصحي من مراكمة خبرات وطنية ودولية في مجال التحكم الوبائي في هذا الفيروس وتطوير العديد من الآليات الطبية والتكنولوجية واللوجيستكية في مجالات الرصد والتتبع والكشف وكذلك البرتوكولات العلاجية التي ساهمت في التقليل من خطورة هذا الوباء وفي تخفيض معدل الوفيات التي يتسبب بها. ضرورة الالتزام بالتدابير الوقائية اليوم مع خروج أغلب المواطنين من الحجر الصحي واستئناف مجمل الأنشطة الحياتية والاقتصادية يوصي أطباء واختصاصيو علم الفيروسات ومنظمة الصحة الدولية بوجوب أخذ الاحتياطات الضرورية والالتزام بمختلف التدابير الصحية المعلن عنها من أجل تفادي الإصابة بالفيروس التاجي وحدوث موجة ثانية منه قد تكون أقوى وأكثر فتكاً .