يستقبل بعض سكان العاصمة فصل الصيف برعب وخوف وفزع، ذلك أنّ بعض الضيوف غير المرحب بهم يحتلون البيوت، بل وقد يطردون أصحابها منها إلى حين، وهي حيوانات مفترسة، البعض منا لم يُشاهدها في حياته قط، والبعض الآخر تعلم كيف يتعايش معها، وآخرون يتركون لها بيوتهم مع مقدم الصيف، (أخبار اليوم) تنقلت بين تلك الأحياء، وعاشت مع تلك الأسر بعضا مما تعانيه، ونقلت لكم عينات مثيرة وغريبة كذلك· مصطفى مهدي كانت البداية من حجُّوط، وتحديدا من قرية بوفاضل، والتي تعلم سكانُها كيف يتعايشون مع الحيوانات المفترسة، التي تصول وتجول بحريّة، وتعلم كلّ سكانها كيف يقتلونها، وحتى الصغار منهم، تعلموا كيفية الهرب ومراوغتها، وكأنّ قدرهم أن يعيشوا معها، زرنا عائلة صبيحي محمد، وتحدثا إلى الأب الذي قال: (لم يعد أمر الأفاعي يُخيفنا، نعلم أنّ بعضها مؤذية، وأقول لكم هنا، أنّ أنواعا كثيرة من الأفاعي تسكن هنا، وحتى أبناؤنا علمناهم كيفية التصدي لها)· وحتى تتضح الصورة فالحي يقع على بعد كيلومتر واحد على مقر دائرة حجوط، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع تخبطه في مشاكل كثيرة، أكثرها سوءا انعدام أدنى شروط النظافة، وهو الأمر الذي يعتبر السبب الأساسي لتفشي ظاهرة الحيوانات المفترسة تلك· ويقول محدثنا: (إذا ما غبنا عن البيت ليومين فقط، فإننا نعود لنجد تلك الأفاعي قد سكنته، لا نتعرض لها عندما تكون في مجموعة، بل نكتفي بفتح الأبواب لتخرج منها، ولكن، وإن اعتدنا نحن عليها، فإنّ الضيوف الذين يأتوننا سرعان ما يُغادرون، ما إن يشاهدوها، أو حتى يعلموا أنّ هناك أفاعي بالمكان)· قال محدثنا هذا قبل أن يضيف مازحا: (أمّا الضيوف غير المرغوب فيهم، فإننا نخبرهم مباشرة بأمرها، لكي يرحلوا)· العصا التي تحوّلت إلى أفعى ما وقع لسهيلة، وهي في العقد الثالث، ابنة السيد محمد قبل حوالي الشهرين، يشبه ما يحدث في بعض الأفلام، هي التي اعتادت مثل باقي أفراد العائلة أن تتعايش مع تلك الحيوانات، إلاّ أنه كاد أن يغمى عليها وهي تصطدم بأفعى يبلغ طولها حوالي المترين، تقول: (في مرة من المرات كنت أنظف البيت، وكنت أبحث عن المكنسة، ورأيت طرفها، أو هكذا تهيأ لي في البداية، تحت السرير، وعندما قبضت عليها بيدي، اكتشفت أنها أفعى كبيرة، زحفت بسرعة فائقة، فارتعدت خوفا، وكاد أن يغمى علي)· طفل في العاشرة يربي خنزيراً وقد يحسب البعض أنّ مثل هذه الحوادث لا تقع إلاّ في الولايات الداخلية، أو على الأقل لا وجود للظاهرة في العاصمة، ولكن ما اكتشفناه بعد زيارتنا لبعض الأحياء أنّه بالعكس من ذلك، كثيرة منها متضررة، وتقع في قلب العاصمة، مثل ما هو واقع في حي (بوسكول) ببوزريعة، والذي يمر من تحت واد، وهناك غابة وأحراش، وخنازير كذلك، وقنافذ تعيش مع السُكّان براحة وسكينة، تخرج خاصة في الصيف، السيدة راضية عليلاتي، تحكي لنا ما وقع لابنها تقول: "نعلم أنّ هناك خنازير في حينا، ولكننا نعرف كيف نتجنبها، وأين تذهب، ولكن ما لم أكن أعلمه أن ابني كان يربي خنزيرا في بيتنا· أجل، لا تستغربوا، ابني صاحب العشر سنوات، وجد مرّة خنزيرا صغيرا ولدته أمه وتركته، فعثر عليه ابني، وأحضره إلى هذه الغرفة التي نضع فيها الخردوات عادة وراح يربيه، وبقي كذلك أسبوعا كاملا، يحضر له الطعام والحليب، ولم يخبرني لأنه يعلم أنني سأؤنبه، خاصّة وأنني عادة ما أحذره منها، واكتشفت الأمر صدفة، ولم أتوقع فعلا أن يكون ابني هو الفاعل، وحتى عندما سألته في البداية أنكر الأمر، إلى أن أسرّ لي صديقه، والذي كان شريكه في هذه المغامرة، أسرّ لي بأنهما من قاما بتربية ذلك الخنزير، وأنهما أشفقا عليه، فتخيلوا لو أنّ أم ذلك الخنزير مثلا اشتمت رائحته وأتت إلى منزلنا، أو كبر عندنا، لكان قد التهم ابني، ورغم أنّ أبناء الحي يتطوعون بداية كل صيف بتطهير تلك الغابات، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع من أن وجودها يبقى مشكلا يؤرقنا)· شيخ الحي·· كلب ضال ما يحدث في سيدي يوسف أمر عجب، المنطقة التي يطلق عليها أصحابها الوادي، وفعلا هناك وادي يمر منها، ولكن ليس هذا فحسب، ولكن أيضا كلاب ضالة تؤرق السُكّان، بل وتغير عاداتهم في الحياة، يقول لنا مراد بوشكندة: (هناك كلاب ضالة تفتك بالمارّة، ولا أحسب أنها كلاب عادية، شكلها غريب، تحسبها ذئاب، بل توجد ذئاب أيضا، ونحن نسمع صوتها، ولكن تلك الكلاب شكلها غريب ومخيف، وهناك كلب عجيب، يخرج يوميا على الساعة السادسة أو السابعة، وقد اعتدى على كثير من أبناء الحي، حتى صرنا لا نخرج عندما تظلم خوفا منه، فلقد أصبح شيخ الحي الذي يُسيطر عليه، والذي يمنع السكّان من التجوّل فيه، حتى أنّ البعض ممّن يتأخرون في الشارع، يُفضّلون المبيت خارجا، لأنّهم يخافون العودة في تلك الساعة)· ...هاي ليكم بعض سكان تلك المناطق فضلوا مغادرة تلك الأحياء هربا من الظاهرة، فباعوا بيوتهم، أو أجرّوها، أو تركوها مهجورة، أو عفوا، تركوها لهؤلاء القاطنين الجدد، فيما صار آخرون يغادرون تلك البيوت في فصل الصيف لأنّ الحيوانات تكثر بالحي، ولم يستطيعوا تحملها، أو وقعت لهم حوادث معها، و هو الأمر الذي جعلهم يقولون لتكل الحيوانات المفترسة: (هاو ليكم الحي)·