هربا من الحرارة الشديدة التي تميز الأيام الأخيرة بالعاصمة وضواحيها، يفضل بعض المواطنين أن يتسوقوا في فترة الليل، ولكن، ولأنّ العاصمة تنام على الثامنة مساء، أو ربما قبل ذلك، وحتى في فصل الصيف، فإنّ أحياء قليلة تلك التي يمكن أن يتجه إليها المواطنون للتسوّق. مصطفى مهدي حي العربي بن مهيدي، البريد المركزي، ديدوش مراد، أو قلب العاصمة، على الساعة التاسعة ليلا، أغلب المحلات مُقفلة، بل إنّ بعض الأركان خيم عليها الظلام، كما لو كنا في مدينة نائية، وبعض المحلات المبعثرة هنا وهناك، أصحابها من سكّان المنطقة، أمّا المُواطنون الذين كانوا يتسوقون، او يتفسحون فهم أيضا من الساكنين بالجزائر الوسطى، لكن بعض الأحياء الشعبية تنقذ العاصمة، وتجعل بعض الأجواء تنبعث من هنا وهناك، مثل حي "لابروفال" بالقبة، والذي مررنا به في حوالي الحادية عشرة ليلا، كانت بعض المحال مفتوحة، وكان الموطنون يقتنون، آخرون يكتفون برية ما يعرض، يقول لنا رضا مسكاتي، صاحب محل لبيع الملابس بذات الحي، يقول: "أغلب أصحاب المحلات هنا من الحي، أي من سكانه، وهم يسهرون إلى ساعات الفجر، وهو الأمر الذي يحفز المواطنين على الخروج للتفسح، وخاصة لشراء الملابس، بعضهم يستعد حتى إلى عيد الفطر، بحجة أنّ الملابس يرتفع سعرها في المناسبات، وخاصة في مناسبة العيد، لكن إذا ما اتجهت إلى عين النعجة مثلا، فلن تجد محالاًّ مفتوحة، إلاّ تلك التي تبيع المواد الغذائية، وحتى في حي المنظر الجميل، أو حي الواحات، وربما إلاّ في القبة القديمة التي تكون هناك بعض الحركة، لهذا يأتي كثيرون إلى هنا، خاصّة العائلات التي تملك سيارة، والتي تستطيع التنقل". مراد الذي كان رفقة زوجته وأولاده قال لنا: "آتي إلى هنا في الليل، وأتجنب الخروج في النهار لتفادي الحرارة، خاصة وأنني رجل متقاعد، وأكاد لا أرى الضوء إلاّ من نافذة الغرفة، فانا مريض ولا احتمل حرارة الشمس، ولهذا فان الليل الوقت المناسب لكي نخرج للتسوق، أنا وزوجتي وأولادي، ونستغل الفرصة كذلك لكي نتفسح، ونتناول وجبة العشاء في مطعم من المطاعم". وفي أحياء أخرى راقية هناك أكثر حركة، مثل حي هواء فرنسا، والذي يقصده سكان العاصمة لتناول بعض المأكولات، والمرور ببعض المحال للتسّوق، واقتناء أغراض للبيتن وللعائلة، يقول لنا سيدعي تيسة، والذي قدم مع زوجته: "أتينا إلى هنا، نحن الذين نسكن بالمرادية، ولا نجد مكانا مناسبا نتجه إليه في الليل، إلاّ هنا، وبعض الأماكن الأخرى القليلة، خاصة تلك الساحلية مثل سطاوالي، وسيدي فرج، ولكنّ التنقل إليها والعودة منها يتطلب وقتا، ولهذا أفضل القدوم إلى هنا، وعلى كل حال، العاصمة تنام في الليل، ولولا أنني قدمت بسيارتي لما كنت تجرّأت على الخروج أصلا من البيت".