هكذا اختصه النبي الكريم وميّزه شعبان.. شهر سقي الزرع يتميز شهر شعبان بأنه شهر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو الشهرٌ الذي أحبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضَّله على غيره من الشهور فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام وكان أحب الصوم إليه في شعبان ووقفتنا التربوية هنا: هل تحب ما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تجد في نفسك الشوق لهذا الشهر كما وجده الحبيب؟ وهل تجعل حبك للأشياء مرتبطاً بما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هو اختبار عملي في أن تحب ما يحب الله ورسوله لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به . *شهر عرض الأعمال كما أن شهر شعبان هو الشهر الذي فيه تُرفع الأعمال إليه سبحانه وتعالى فقد روى الترمذي والنسائي عن أُسَامَة بْن زَيْد من حديث النبي صلي الله عليه وسلم .. وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلى رَبِّ العَالمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملي وَأَنَا صَائِمٌ ففي هذا الشهر يتكرَّم الله على عباده بتلك المنحة عظيمة منحة عرض الأعمال عليه سبحانه وتعالى وبالتالي قبوله ما شاء منها وهنا يجب أن تكون لنا وقفة تربوية. فإن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا العام فبم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع الأعمال؟ وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله ؟ هي لحظة حاسمة في تاريخ المرء يتحدد على أساسها رفع أعمال العام كله إلى المولى تبارك وتعالى القائل إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فهل تحب أن يرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل وجهاد وتضحية أم تقبل أن يرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود وضعف همة وقلة بذل وتشكيك في دعوة وطعن في قيادة راجع نفسك أخي الحبيب وبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى مولاها في شهر رفع الأعمال. يقول ابن رجب في كتاب لطائف المعارف: (وقد قيل في صوم شعبان: إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط). ومن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: وكان أحب الصوم إليه في شعبان (أخرجه أحمد) ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان قال ابن رجب: إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور قال ابن حجر: في الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان وقال الإمام الصنعاني: وفيه دليل على أنه يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره وذكر العلماء في تفضيل التطوع بالصيام في شعبان على غيره من الشهور أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها فيلتحق بالفرائض في الفضل وهي تكملة لنقص الفرائض. *حال السلف الصالح في شعبان وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استهل شهر شعبان أكبوا على المصاحف فقروؤها وأخذوا في زكاة أموالهم فقووا بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان ودعا المسلمون مملوكيهم فحطوا عنهم ضرائب شهر رمضان ودعت الولاة أهل السجون فمن كان عليه حد أقاموا عليه وإلا خلوا سبيله . قال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع وشهر شعبان شهر سقي الزرع وشهر رمضان شهر حصاد الزرع وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح ومثل شعبان مثل الغيم ومثل رمضان مثل المطر ومن لم يزرع ويغرس في رجب ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟! ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا الأمر واضحاً قال سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القراء وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن فأدرك زرعك أخي الحبيب في شهر شعبان وتعهده بالسقي وتفقده ألا يصاب بالجفاف . *دورة تأهيلية إن استغلال شهر شعبان والنشاط والاجتهاد فيه كمقدمة لشهر رمضان كان من هدي سلف الأمة. فشعبان كان بمثابة دورة تأهيلية أو تدريبية لشهر رمضان بمقدار إجادته وإتقانه فيه يكون توفيقه ونجاحه في شهر رمضان لذلك وجب علينا أن نحسن استغلال شهر شعبان وأن نجدد النيات فيه ونجعله كمقدمة لشهر رمضان والبدايات الصحيحة تؤدي إلى نهايات ناجحة.