الأستاذة صافي محمد مظهر أحمد ل أخبار اليوم : اللاجئون السوريون يسعون إلى تقديم صور مشرّفة عن الإسلام * الصورة الخاطئة عن الإسلام تجدها لدى من لم يلتق مسلما في حياته ولم يحتك به * من يحتك بالمسلمين المهاجرين يجد عندهم إيجابيات أخلاقية فتتغير نظرته لهم * الإعلام العالمي لعب دورا كبيرا في تشويه صورة الإسلام خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 * الخطاب الإسلامي اللين والحوار والتعامل بخلق القرآن هي أنسب طريقة للتعايش * نسبة العنصرية في ألمانيا قليلة ومضبوطة بالقانون * أسباب تراجع ألمانيا عن استقبال اللاجئين سياسية واقتصادية واجتماعية * التبادل الفكري والثقافي يحتاج جهدا وتنسيقا من منظمات اللاجئين والإدماج حوار: جمال بوزيان نستضيف في هذا العدد الأستاذة صافي محمد مظهر أحمد في هذا الحوار للحديث عن ظروف اللاجئين السوريين في ألمانيا ومدى اندماجهم في المجتمع الألماني وعن فرص العمل وكل ما له صلة بالمهاجرين من تعايش ومحافظة على الهوية الحضارية إضافة للجوانب الإبداعية في مجالي الشعر والرواية ونشاطاتها المتنوعة. صافي محمد مظهر أحمد أستاذة سورية دمشقية المنشأ عاشقة للشام درست في معهد تجاري بكلية دمشق ودرست اللغة العربية في جامعة بلاد الشام بدمشق تكتب الشعر والرواية وتهتم بمجالات أخرى في الإبداع مثل كتابة السيناريو نشرت مقالات كثيرة في عدة صحف.. صدر لها كتاب عن سيرة أحد دعاة الإسلام في أوروبا وديوانا شعر ورواية وشاركت في دواوين وكتب جماعية ولها ديوان شعر ورواية قيد الطباعة. دفعت الظروف القاهرة أ.صافي إلى الهجرة حاليا هي مقيمة في ألمانيا وقد انخرطت في حزب الخضر وعضو في نقابة ألمانية لفئة الكُتاب ومؤسِّسة وعضو في كيانات ثقافية وغيرها ومتطوعة في إحدى المنظمات.. تقدم من حين إلى آخر أمسيات شعرية في ألمانيا وخارجها. الجزء الأول أ.صافي محمد مظهر أحمد مرحبا بك في هذا الحوار عبر صحيفة أخبار اليوم الجزائرية. وبكم أهلا ومرحبا.. شكرا لكم على هذه الثقة والاهتمام وأرجو أنني على قدر ثقتكم وحسن ظنكم بي. - ما تزال شماعة الخوف من الإسلام الإسلاموفوبيا تؤثر سلبا على تعايش أهل الأديان في العالم عموما وفي ألمانيا خصوصا.. من يغذي هذا التقسيم غير الحضاري؟ وما أهدافه؟ وكيف يمكن مقاومته؟. الفوبيا من الإسلام أو الصورة الخاطئة عن الإسلام تجدها لدى من لم يلتق مسلما في حياته أو لم يحتك بمسلم بينما من يحتك بهم يجد عندهم غالبا إيجابيات أخلاقية حملوها من مجتمعهم فتتغير نظرته لهم على سبيل المثال التقينا بأناس في البداية كانوا يتحاشون الحديث معنا والاقتراب لمجرد أنهم يرون الحجاب فهم يظنون المحجبة إنسانا جاهلا ومتخلفا ولا تعرف شيئا وبعد دقائق من الحديث تتغير ملامحهم ويصير لديهم فضول لمعرفة المزيد عنا وصارت هناك صداقات حيث يأكلون طعامنا ويزورون بيوتنا. الإعلام العالمي لعب دورا كبيرا في تشويه صورة الإسلام خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 م في أبراج التجارة بنيويورك بالولايات المتحدةالأمريكية وأعتقد أن تشويه الإسلام بهدف دفع الناس بطريقة مباشرة وغير مباشرة للخوف أو الحذر منه ومحاربته هي عملية ممنهجة من القوى المسيطرة على العالم فالإسلام الحقيقي يشكل لبعضهم رعبا لأنه إن تمت الدعوة له بيسر ودون هجمات مضادة إعلامية وتنفيذية لانتشر انتشار النار في الهشيم. مؤكد لا يخلو الأمر من وجود بعض العنصرية الصريحة هنا وهناك وبعضها المبطن الذي نلحظه في التعاملات ولكن وأقولها بصراحة وأسف إنها لا تصل لمستوى العنصرية التي يعاني منها السوريون في بعض البلاد العربية وخاصة لبنان التي فتحنا لها بيوتنا وقلوبنا عند ما التجأوا إلينا على مدى حروبهم وصراعاتهم. وأنا برأيي أجد أن الخطاب الإسلامي اللين والحوار والتعامل بخلق القرآن هي أنسب طريقة لتبيين روح الإسلام السمحة والتعايش فالعنف لا يجر إلا عنفا وقد اكتوينا من الفتن والدمار والدماء. - هل المجتمع الألماني عموما مجتمع عنصري؟. لا يوجد هناك مجتمع كل أفراده يتسمون بسمة واحدة كل مجتمع فيه الجيد والسيء والواعي والغافل والمنفتح على الآخر والمنغلق والعنصرية أو دعنا نقول التمييز العنصري موجود في كل المجتمعات والمجتمع الألماني كباقي المجتمعات فيه من هذا وذاك ولكن ليس كما يصوره البعض فمن الشعب الألماني الكثير من الطيبين والمتعاطفين مع قضيتنا فعلى سبيل المثال منذ أيام كنت مشاركة في فعالية ثقافية يقرأ فيها المهاجرون بعضا من تجاربهم خلال رحلة اللجوء وبينما أنا أقرأ نصي وجدت الفني المسؤول عن أجهزة الصوت وهو ألماني يبكي ودموعه تنهمل تعاطفا مع قصة رحلتي المحفوفة بالمخاطر كذلك أعرف الكثير من الألمان الذين أخذوا بيد بعض اللاجئين فتكفلوا بتعليمهم اللغة ومساعدتهم في تعريفهم بحقوقهم والحصول عليها. والأهم من ذلك أن نسبة العنصرية التي قد نواجهها وهي حالات فردية مضبوطة بالقانون فلا يستطيع الفرد إيذاءك بشكل مباشر أو توجيه إهانة لك إلا ما ندر وبكل أسف هذا لا يساوي جزءا يسيرا من العنصرية التي يتعرض لها اللاجئون في لبنان وبعض الدول العربية على يد إخوانهم في الدم والعروبة. - يرى ملاحظون أن ترحيب ألمانيا باللاجئين السوريين تحديدا كان واضحا في عهد أنجيلا ميركل التي شغلت منصب مستشارة ألمانيا من 2005 إلى 2021.. ما أسباب التراجع؟. أسباب التراجع بالتأكيد متوزعة بين سياسية واقتصادية واجتماعية حسب ما نرى ونسمع فبعض الأحزاب السياسية التي علا صوتها منذ البداية برفض استقبال اللاجئين قد ارتفعت أسهمها وصارت في موقع القرار وكان لها دور كبير في تحديد الهجرة غير الشرعية إلى ألمانيا كما أن فترة وباء كوفيد 19 تسببت بضائقة اقتصادية إضافية مما أشعر الحكومة بالضغط أمام الأعداد الكبيرة التي تدفقت وكانت غير متوقعة ولم تكن البلد متهيئة بما يكفي لاستقبالها كأماكن السكن والمقاعد الدراسية في المدارس والجامعات ومما يمكن قوله إن ألمانيا استقطبت اللاجئين لحاجتها للأيدي العاملة في المجالات الخدمية والصناعية أولا ثم التخصصات الأخرى ولكنهم تفاجأوا بأن اللاجئين السوريين معظمهم على مستوى عال من التعليم الأكاديمي الذي حملوه من بلدهم أو يسعون لتحصيله هنا وأن السوريين شعب صاحب فكر وإمكانات لا يمكن تحجيمها في المجال الخدمي فعلى سبيل المثال بينت الإحصائية أن أعلى نسبة أطباء لاجئين هم السوريون وهذه النسبة فقط من غير الحاصلين على الجنسية الألمانية بعد وكذلك المتفوقون في الثانوية العامة وغيرها يشكل اللاجئون نسبة كبيرة منهم والجدير بالذكر أن ألمانيا لم تتراجع عن استقبال اللاجئين بل غيرت سياسة استقبالهم وفتحت باب الهجرة الشرعية من خلال قانون تجميع النقاط (موجود على الإنترنت) مما يمدها بعمالة جاهزة للانخراط بسوق العمل فلا تحتاج أن تنفق عليها من أجل دروس اللغة أو دفع المساعدات لهم ريثما يتهيؤون للدخول في سوق العمل ومن ناحية أخرى شددتْ على الطرق غير الشرعية للحد منها وقد تكون أحد الأسباب الاجتماعية التي دفعت ألمانيا للحد من اللاجئين الشرقيين هو قدوم الأوكرانيين الذين يشبهونهم نوعا ما في نمط الحياة والدين فالبعض هنا ما يزال لا يملك مرونة تقبل الآخر المختلف بلون البشرة وبعض السلوكيات فالبعض مثلا يخشى من المظاهر العربية أو الإسلامية التي بدت منتشرة في المجتمع كالمساجد والحجاب واللحى واللباس المختلف رغم أن كثيرا منا يسعى ليعطي صورة جميلة ومشرفة عن دينه من خلال التعاملات الإنسانية الراقية وهذا لا يعني أنه لا يوجد من اللاجئين للأسف ذلك الذي يشوه هذه الصورة من خلال التفافه مثلا على الضرائب أو تقاعسه عن العمل رغبة في العيش على المساعدات التي تقدمها له الدولة. - كيف ترين دعم الحكومة الألمانية لإدماج اللاجئين في المجتمع وفي توفير فرص العمل وغيرها مما يحمي حقوقهم دون تمييز أو ترحيل مفاجئ؟. بكل شفافية أرى أن ألمانيا قدمت ما هو كاف للاجئين ليضع قدمه على أول الطريق وعليه هو أن يجتهد فيكمل هيأت لنا الدولة الألمانية المسكن ودورات اللغة المجانية وكذلك مساعدات مادية تكفي للحد الأدنى للمعيشة ريثما ننتقل لمرحلة العمل والإنتاج وللأمانة هذا ما لم يحصل عليه السوري في بلاد العرب والمسلمين حتى تلك الدول التي تنبع اراضيها نفطا وتقدر على فعل ما فعلته ألمانيا وأكثر أما بشأن فرص العمل فهي كما في كل مكان مرهونة بإمكانات الفرد ومتاحة للجميع رغم أنني لا أخفيك أن هناك بعض العقبات التي قد تعاني منها المحجبة في الحصول على بعض الأعمال في بعض المجالات. ومما يجب ذكره أيضا أن الدولة لم تقصر في استحداث مجالس للاندماج وفتحت مجالات لإنشاء منظمات وجمعيات المجتمع المدني والتي من شأنها أن تعمل لمساعدة اللاجئين والأخذ بيدهم ولكن لا أخفيك أن بعض أبناء جلدتنا من القائمين عليها اتخذوها بابا للتكسب على حساب الجالية بحيث ينفقون ما لا يكاد يذكر على مشاريع التبادل الثقافي والاندماج من التمويل الذي يحصلون عليه من الدولة. للأمانة لم أر في هذه المنظمات والجمعيات النفع المرجو منهم وأستغرب كيف ما تزال ألمانيا تقدم لهم التمويل المادي. - هل تلاحظين حرصا شديدا من اللاجئين العرب والمسلمين في ألمانيا للحفاظ على الهوية الحضارية لسانا ودينا؟. الحرص هو دائما من أولويات النخب كما في كل مجتمع وهنا أيضا تجد النخبة هم من يحرصون كل الحرص على تعليم أبنائهم اللغة الأم ويحافظون على الأخلاق والقيم والدين. ومن النخبة أيضا من يقدمون تطوعا دورات اللغة العربية والقرآن الكريم وقد قدمت أنا تطوعا بعضها والأهم من ذلك أن ألمانيا تفسح المجال والمكان لذلك كما أنك تجد هنا بعض العوائل التي سحبها التيار وأشغلتهم الحياة فلا يهتمون إن تعلم أبناؤهم لغتهم الأم أم لا وألمانيا تقيم أيضا في بعض مراكزها دورات لتعليم اللغة الأم لكل الجاليات وهناك نسبة من الفتيات المحجبات في المدارس ونسبة من الأطفال الذين يصومون رمضان وهذا ما لاحظته من خلال عملي حاليا في مدرسة ألمانية. - وهل يبرز دور هيئة الأممالمتحدة بشأن اللاجئين؟. هيئة الأممالمتحدة مفوضية اللاجئين وقيامها بدورها بشأن اللاجئين تستطيع استقراءه من خلال أحوال اللاجئين في لبنان وتركيا وبقية البلاد العربية وغير العربية وحياتهم في المخيمات. ومن خلال معاناتهم حرقا وبردا وغرق خيامهم بمياه الأمطار إضافة للترحيل القسري والاعتقال في سجون بعض الدول. - قد يحدث سوء فهم حين إدماج اللاجئين في المجتمعات الأوروبية وغيرها على حساب هويتهم الحضارية.. كيف تفرزين بين هذا وذاك وكمثال ما وقع للمهاجرين الأوائل من شمال أفريقيا نحو أوروبا؟. بشأن الإدماج في هذه المرحلة لا أجدها تماثل ما تحدثت عنه في مثالك عن الهجرات القديمة فالوعي بالحقوق والواجبات صار متاحا للجميع لذلك لا يمكن للإدماج اليوم أن يلغي الهوية وهم مقتنعون تماما أن ما تحمله من تراثك ولغتك وثقافتك سيلعب دورا في حسن استيعابك للثقافات المختلفة ومواءمتك بين الثقافتين والتوفيق بينهما. وهم حاليا وبحسب رؤيتي لا يسعون إلى سلخ المهاجرين عن ماضيهم ولكل إنسان أن يختار أسلوب الاندماج الذي يريده فمنهم من يرغب بالانصهار في المجتمع انصهارا يلغي ملامح هويته الأصلية ومنهم من يرغب بالانعزال كما فعل الأتراك في ألمانيا فكونوا لأنفسهم مجتمعا داخل المجتمع الألماني رغم أن الألمان لا يرغبون بالسماح لتكرار هذا النمط ويحاولون معالجته قدر جهدهم ومنهم من يستطيع أن يندمج الاندماج الصحي المتوازن وفيه التلاقح فيأخذ الإنسان جيد المجتمع الجديد ويصدر لهم جيد ما يحمل معه من مجتمعه. لا أعتقد أن المهاجرين الجدد يعانون من مشكلات في الإدماج بشكل قهري حاليا. ولكن على هامش الحديث أعتقد أن أوروبا عامة غير مهتمة بالكبار ودرجة اندماجهم لأنها تعول على الجيل القادم من الأطفال الذين انخرطوا في مدارسهم وتربوا في مجتمعهم وهؤلاء لا بد مندمجون تلقائيا بحكم عامل الزمن وطول أمد الاحتكاك. - هل رصدت تفاعلا فكريا وثقافيا وأدبيا بين الحركات الإبداعية الألمانية وما تحمله الفئات النشطة من اللاجئين في المجالات نفسها؟. لا ننكر أن هناك بعض التلاقح الثقافي من خلال الفعاليات المقامة ولكنها ما تزال محدودة وغير عالية المستوى إلا ما ندر بسبب اختلاف اللغة وعدم قدرة الترجمة على جذب الجمهور الألماني للإقبال عليها بشغف. قدمت عدة أمسيات شعرية وبعض الندوات والمقطوعات المسرحية في مدن ألمانية مختلفة وكان بصراحة أكثر الحضور من العرب وقد استمتعوا كثيرا وعبروا عن شوقهم لسماع الشعر العربي الأصيل وبعضهم ألمانيون أو من جنسيات أخرى لكن من الصعب أن تصل الترجمة بالشعر العربي الأصيل إلى ذات المستوى الذي هو عليه باللغة الأصلية لذلك يفقد الكثير من قيمته الفنية والبلاغية وهذا أهم سبب لعدم تقديره حق قدره. يلعب أيضا مدى اندماجك وكمية العلاقات العامة التي تقيمها دورا في وصولك لبعض الاهتمام وهذا قد يصعب على البعض لأسباب متعددة. ما تزال العملية التبادلية تحتاج المزيد من الجهد والتنسيق وكما قلت آنفا منظمات المجتمع المدني المخصصة للاندماج واللاجئين مقصرة في مساعيها لإبراز الوجه الثقافي كما يجب. - حدثينا عن اختيارك لحزب الخضر بألمانيا ونشاطاتك عبره؟. نحن باعتبارنا من مؤيدي المجتمع المتنوع والتعايش وجدنا أن هذا الحزب مظلة لمطالبنا بالتقبل والتعايش.. كما كان انضمامي لحزب الخضر خطوة مني للتعرف على كيفية صناعة العمل السياسي في ألمانيا إذ يجب علينا ألا نحجب أنفسنا عن مواقع القرار التي يمكن من خلالها حماية حقوقنا واخترت هذا الحزب لأنه أكثر الأحزاب دعما للبيئة واللاعنف والعدالة الاجتماعية والديمقراطية القاعدية كذلك الحريات المدنية وحركات السلام ومحاربة التمييز العنصري. أما عن نشاطي فهو كنشاط أي عضو منتسب لحزب يشارك بآرائه ويوصل مطالب الجالية التي ينتمي لها ويشرح مشكلاتهم التي يعانون منها ويقترح الحلول لدراستها كما نشارك في انتخاب ممثلينا في هذا الحزب ممن نثق بأنهم قادرون على إيصال أصواتنا.