بقلم: صبحي حديدي حقل الاختصاص في اللائحة الاسمية للمدعوات والمدعوين إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي انعقد مؤخراً في دمشق (وهي ليست وثيقة رسمية لأنّ هذه السطور تعتمد ما نُشر في موقع زمان الوصل ) يتضمن تنويعات مهنية شتى تبدأ من الطبيب والجراح والمهندس والأستاذ الجامعي ولا تنتهي عند منشد ثوري و راهب دكتور في العلوم الكتابية و شيخ قبيلة وتاجر . ثمة في المقابل اختصاصات طريفة مثل إصلاح البناء والدستور أو حضور العشاء والمؤتمر أو نائب اتحاد العام للفلاحين حرفياً أو عضو في الائتلاف الوطني سابقاُّ ... هذا تفصيل شكلي بالطبع يخصّ بعض القصور الإداري ولا يمسّ الجوهر لكنه لا يصحّ أن يُعزل أو يُستبعد تماماً عن أنساق تقصير أخرى يتوجب ألا تُصنّف في خانة الشكليات أو الأخطاء الثانوية. هذه اللائحة المعتمدة هنا أوّلاً لأنها لم تقترن بأيّ مقدار من الشفافية حول معايير دعوة هذه المواطنة أو ذاك المواطن ولأنّ المعيار المجتمعي المعلَن لم يكن غائماً وفضفاضاً ومضللاً فحسب بل أسفر عملياً عن تكريس درجات ضارّة ومعيبة من الانتقائية المسبقة. صحيح في المقابل ومن باب إنصاف عمل اللجنة التحضيرية أنّ تنوّع الاختصاصات كان واسعاً وشاملاً إلى درجة تمييع صفة التخصص الفعلية في بعض الأمثلة (كأن يختصّ أحد ب المجتمع المدني وأخرى ب دعوة لحضور المؤتمر العام ) وكان هذا العنصر كفيلاً بإضفاء روحية التنويع والتعدد على النقاشات في المحاور الستة الشاملة بالفعل للقسط الأعظم من مشكلات المرحلة الانتقالية ومقتضياتها: العدالة الانتقالية البناء الدستوري الإصلاح المؤسسي الحريات العامة والحياة السياسية المبادئ الاقتصادية العامة دور منظمات المجتمع المدني في تأسيس وبناء الدولة السورية. هنا أيضاً لم تتوفر الحدود الدنيا من الشفافية حول المعايير التي اعتمدتها اللجنة التحضيرية لتوزيع المشاركين على قاعات مناقشة المحاور الأمر الذي كان سيصادق على أو يطعن في جدارة هذا أو ذاك للخوض في ملفات شائكة ينطوي عليها كلّ محور. مرجّح استطراداً/ وحتى تتكشف جملة كافية من الحقائق أنّ اللجان المتفرعة وُضعت أمام مسودات أوراق معدّة مسبقاً لم تُمنع المناقشة حولها (كما شهد عدد من المشاركين) ولكن في الآن ذاته لم تُمنح الفرصة للتدخل الواسع في الصياغات النهائية إنْ لم يكن بقرار تنظيمي مسبق حتّم هذه الصيغة المتعجلة من الإقرار فعلى الأقلّ لأنّ الزمن المتاح كان قصيراً على نحو قياسي لم يتجاوز ساعات معدودة. في عبارة أخرى يصحّ الافتراض بأنّ البنود ال18 التي انتهى إليها المؤتمر وأعلنتها اللجنة التحضيرية بحضور الرئيس المؤقت وإليه أحيلت ليست نتاج مداولات المؤتمر تماماً أو فعلياً أو بدرجة عالية بل هي خلاصات قُدّمت إلى المشاركين فقبلوا بها وكَفوا أنفسهم (وسلطات الشرع الحاكمة واللجنة التحضيرية وغالبية مواطنيهم في أربع رياح سوريا...) شرّ القتال والسجال والجدال! *اختلال التوازن بين إيجابيات المحتوى وعثرات الشكل ولعلّ عنصر التنوّع الهائل في مهن واختصاصات المشاركين يخفف الانتقاد الأبرز لعمل اللجنة التحضيرية أي الفترة الزمنية القصيرة التي فصلت بين توجيه الدعوات وموعد انعقاد المؤتمر وكانت نتيجتها اضطرار عدد من المدعوين المتواجدين خارج سوريا إلى التغيّب أو الاعتذار لأسباب تتصل بترتيب أوضاعهم وتدبّر حجوزات السفر. لكنّ العنصر ذاته إذْ يدقق المرء في لوائح محافظات دير الزور والرقة والحسكة حيث تبسط قسد سيطرتها لا يبرر البتة ضعف التمثيل الكردي والمسيحي (الآشوري والأرمني تحديداً) حتى بذريعة أنّ قسد أو المجلس الوطني الكردي غير ممثّلَين لأنّ التمثيل في المؤتمر مجتمعي وليس سياسياً أو حزبياً. فالذريعة هنا واهية إذا أحصى المرء عدد المشاركين ممّن حملوا صفات الأنشطة السياسية المختلفة. وبمعزل عن أيّ ركون إلى نظريات المؤامرة والتأويلات الافتراضية قد يظلّ مشروعاً الترجيح بأنّ عقد هذا المؤتمر الوطني بدأ استحقاقاً مبكراً مطلوباً من أغلبية غير ضئيلة في الشارع الشعبي وغامت وظائفه سماته ومكوناته وسط هرج ومرج وسائل التواصل الاجتماعي وحوّلته جهات حكومية أوروبية ودولية إلى شرط ابتدائي للحكم على مصداقية السلطات الجديدة المنتصرة. كذلك انقلب الاستحقاق المشروع في نهاية المطاف والمطلوب مبدئياً إلى خطوة أولى لا مناص من قطعها كي تبرهن هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها أنها تنتقل بالفعل من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة حسب تعبير الشرع القائد الجهادي المُحَوّل إلى رجل دولة مكلّف بمهامّ رئاسة الجمهورية. هذه العثرات وسواها اكتنفت الشكل ولم تكن منعدمة التأثير على المحتوى كما ينبغي لعلاقة جدلية بين هذَين العنصرين في أيّ بنية لكنها على سبيل إنصاف الحصيلة الختامية لهذا الحدث الهامّ لم تُضعف القسط الأعظم من قيمة المخرجات ال18 التي انتهى إليها المؤتمر وخلّفت في آن معاً عدداً من المفاهيم ذات الدلالات المبهمة أو المعلّقة أو حمّالة تأويلات متضاربة وغير حاسمة. ليس كافياً في البند الأوّل التنويه إلى الجمهورية العربية السورية في سياق وحدتها و سيادتها على كامل أراضيها ورفض أي شكل من أشكال التجزئة والتقسيم أو التنازل.. . كي يُفهم أنّ مفردة العربية ثابتة ولا مجال لبدائل مطروحة تحت تسميات الجهورية السورية أو جمهورية سوريا أو سوريا ببساطة (وهل في الحالة الأخيرة يبقى حرف الألف أو التاء المربوطة). *حيثيات دستورية هذه حيثيات دستورية قد يساجل البعض محقّاً من حيث المبدأ إلا إذا كان البند 4 يطلب الإسراع بإعلان دستوري مؤقت يتناسب مع متطلبات المرحلة الانتقالية ويضمن سد الفراغ الدستوري بما يسرّع عمل أجهزة الدولة السورية بمعزل كما يُفهم عن انتخاب جمعية تأسيسية تتولى صياغة دستور دائم أو حتى هذا الإعلان ذاته ما دام الشرع قد ألمح إلى 4 أو 5 سنوات قبل إقرار دستور جديد دائم. خاصة استطراداً في ضوء البند 5 الذي يطلب ضرورة الإسراع بتشكيل المجلس التشريعي المؤقت الذي سيضطلع بمهامّ السلطة التشريعية وفق معايير الكفاءة والتمثيل العادل ويوحي ضمناً بأنّ هذا المجلس سوف يُشكّل أي يُعيّن ولا يُنتخب في اقتراع عام. البند 6 في المقابل يدفع الإبهام أكثر حين يشير إلى تشكيل لجنة دستورية لإعداد مسودة دستور دائم للبلاد على نحو يحجب وظيفة المجلس التشريعي لصالح لجنة دستورية مشكّلة ولا يخفّض ضبابية الدلالة القانونية إذا لم يُدخلها في تضليل إشكالي. البنود 7 و8 و9 تتناول تعزيز الحرية كقيمة عليا في المجتمع و ضمان حرية الرأي والتعبير و احترام حقوق الإنسان و ترسيخ مبدأ المواطنة و نبذ كافة أشكال التمييز على أساس العرق أو الدين أو المذهب و تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بعيداً عن المحاصصة العرقية والدينية ... وغنيّ عن القول إنّ هذه العناصر تدخل في صلب أيّ منظومة حكم ديمقراطية لكنّ مخرجات مؤتمر الحوار لا تستخدم مفردة الديمقراطية بتاتاً اتباعاً للنهج الذي تسير عليه الفصائل الإسلامية عموماً و هيئة تحرير الشام خصوصاً والرئيس المؤقت على نحو أخص وأكثر فداحة في الواقع. مفردة الشورى بديل الديمقراطية لدى الفصائل غائبة أيضاً رغم أنّ الإلحاح على النظام الديمقراطي مطلب شرائح واسعة في المجتمع السوري صاحب التجارب العريقة في الممارسة الديمقراطية قبل سنة 1963 وهيمنة حزب البعث. يبقى أنّ اختلال التوازن بين إيجابيات المحتوى وعثرات الشكل لا يطمس خلاصة مركزية حول القيمة الاستثنائية لمداولات السوريات والسوريين بصدد آفاق المستقبل في مكان كان قبل 8 (ديسمبر) 2024 قصر استبداد وفساد وتدمير بلد وتخريب معمار وطني واجتلاب احتلالات وارتهان مصير.