تعيش الامة الاسلامية هذه الايام اجواء الحج وشعائره المباركة التي تنقي النفوس، وتنير الأفئدة، وتطهر القلوب وتقوي المعنويات، وتوحد المسلمين على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، والظروف العصيبة التي تجتاح المجتمعات العربية والاسلامية واتجاه بعضها للفوضى وعدم الاستقرار، تستوجب أن تعمل الامة على أن يكون الحج فرصة لجمع شتات المسلمين، ومد يد التعاون والدعم وجعل الاخوة الإسلامية فوق كل اعتبار. وبهذا الصدد، أوضح الدكتور نصر فريد واصل ل"الاتحاد" ان اجتماع الحجيج من مختلف أنحاء العالم في صعيد واحد من أهم مقاصد الحج، موضحا أن الوافدين الى بيت الله الحرام من كل أصقاع الارض يحرصون على اداء فريضة واحدة طاعة لربهم الواحد ملتمسين غفرانه ورحمته معبرين عن تمسكهم بحبل الله المتين وصراطه المستقيم. وقال إن روحانيات الحج العميقة التي لا يعلم سرها غير الله تعالى متعددة ويستشعرها الحاج عندما يأتي إلى هذه الاراضي المقدسة، حيث يرى نفسه عضوا في جسد أكبر وفردا في أمة عظيمة لا تعرف التقسيمات السياسية ولا الحدود الجغرافية، والحاج يشعر بارتباطه القوي المتين بالأمة الإسلامية عندما يطوف مع إخوانه المسلمين من مختلف البلاد بالكعبة المشرفة ويقف في عرفات ويبيت في منى والمزدلفة بالرغم من اختلاف الألوان والأجناس والثقافات واللغات. ويؤكد أن الله تعالى اختص الامة الاسلامية بقيمة الأخوة العالمية التي لا تعيقها حدود أو تقطع أوصالها مسافات. وأضاف أن منهج الاسلام وعباداته ومقاصده تهدف الى توحيد المسلمين وجمع كلمتهم وجعلهم كرجل واحد في الألفة والمحبة وتبادل المنفعة، وتمتين علاقة الاخوة الانسانية التي تربط الفرد المسلم في أقصى الغرب بالمسلم في أقصى الشرق، والعربي بالعجمي، والأبيض بالأسود، وجعل الله هذه العلاقة علامة الإيمان، ويقول الله تعالى:»انما المؤمنون اخوة « 10 الحجرات. وقال ان الله تعالى شرع الحج للمسلمين حتى يجتمعوا في صعيد واحد على اختلاف أجناسهم ومذاهبهم وبعد بلادهم وأقطارهم، سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحد على أحد مهما كانت مكانته ومنزلته إلا بالتقوى، ليتعارفوا ويحبوا بعضهم ويتذكروا سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، والصحابة، رضوان الله عليهم، الذين جاهدوا في سبيل الله لنشر الدين الحنيف، ويقول الحق سبحانه: «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق». ويضيف أن جمع الناس على مبدأ التوحيد والتعاون والتقوى من ابرز اسرار الحج، والحجيج يتوافدون على الاراضي المقدسة ويجتمعون في أماكن محددة ويرفعون كلمة التوحيد ويقولون:«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» ويعتصمون بالحبل المتين، مصداقا لقوله تعالى: «وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون». ويقول الدكتور مصطفى العرجاوي أستاذ الشريعة بجامعة الازهر: الحج شعيرة عظيمة ويهذب الأخلاق ويقوم السلوك ويزكي النفوس ويقوي الإيمان ويعمق الاخوة الانسانية، ويعد من أفضل الأعمال والقربات لله عز وجل، والالتزام بمناسكه واستشعار معانيه ومقاصده العظيمة في القول والعمل، جزاؤه الجنة بإذن الله تعالى الذي وعد بذلك على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال:«الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». وأكد أن الحج تجسيد لوحدة الامة وترابطها وتعاونها، حيث يقف الناس صفا واحدا متحابين متحدين متاخين لا تفرقهم الاهواء ولا تشتتهم دعوات التنابذ والتخاصم ومحاولات التفرقة، استجابوا لكلمة الحق سبحانه: «ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم» وشعائره توثق الصلات وتقوى التعارف، وترسخ التشاور وتبادل الآراء والتجارب والخبرات والافكار التي تساهم في تقدم الأمة، ورسم طريق نهضتها. وأضاف أن الحج مؤتمر عالمي للمسلمين يتكرر في أيام وأوقات معلومة ومحددة من كل عام، وقدسيته وتفرده ومنافعه جعلته عبادة جماعية واجتماعية كبرى ومناسبة ضخمة للتجمع على صعيد واحد بالمشاعر المقدسة تتجلى في يوم الحج الأكبر عند الوقوف بعرفة. وشدد على ضرورة توظيف هذه الشعيرة للقضاء على دعوات التشدد والتطرف والتكفير والعنف، وواجب العلماء والفقهاء والمفكرين أن يعملوا على زيادة وعي الامة بواقعها وما فيه من ازمات ومشكلات وطرق الخروج الامن من الكبوات، واتخاذ هذه الشعيرة فرصة للتحذير من مخاطر الفتن والشقاق والتناحر بين المسلمين واثارة النعرات الطائفية التي تجلب البغضاء والفساد والخراب.