ماذا لو كان هؤلاء المسلمون العزل المقتولون بدم بارد أمام نظر العالم ينتمون إلى إحدى البلاد الأوربية؟ ماذا سيكون رد فعل الغربيين إذا حدث ما حدث مع غربيين، أيًّا كانت ديانتهم وعقيدتهم وأفكارهم ومطالبهم ؟ أظن أنهم لو كانوا مجموعة من (الشواذ) الأراذل، وخرجوا يطالبون ب"حقوقهم؟!" لتجاوبت معهم وتعاطفت مع قضيتهم منظماتُ حقوق الإنسان في الغرب والشرق والشمال والجنوب، ولقامت الدنيا من أجل نصرتهم ولم تقعد! ولكن ما داموا مسلمين يطالبون ب"تطبيق الشريعة الإسلامية" فذبحهم "شأن داخلي" و"لا يجوز التدخل في سياسات الدول الداخلية"! و"هذا نزاع متوازن بين فريقين، وتدخلنا قد يرجح كفة الصراع لمصلحة جهة دون الأخرى"... إلى آخر تلك الاسطوانة المكررة. لا تسأل عن الضمير الغربي لا نتوقع جديدًا في هذا الاتجاه قبل أن نبذل نحن الجهد المطلوب منا إعلاميًّا لإجلاء الحقائق وتصحيح الصورة المشوهة للمسلمين في الضمير الغربي بفعل الآلة الإعلامية الصهيونية. فلا تسأل: أين الضمير الغربي؟ فقد اختفى هذا الضمير في ظروف غامضة، ومن يجده يدله على بلاد المسلمين، حيث ترتكب بحقهم المذابح والانتهاكات، ولا أحد يتحرك، ولا أحد يعترض ويبدي اهتمامه وتجاوبه. أين لويس مورينو أوكامبو.. مدعى عام محكمة الجنايات الدولية؟ أين الرجل الذي يلاحق العسكريين المتهمين بجرائم قتل وإبادة ضد الإنسانية؟ ألم ير كيف تدخَّل العسكريون في نيجيريا (الجيش والشرطة) لصالح فريق بعينه، ولا يزالون إلى اليوم يتبعون نفس الأسلوب، وبدلًا من أن يوقفوا المذابح المرتكبة ضد (مسلمي نيجيريا) الذين هم في المقام الأول نيجيريون، وبدلا من أن يقفوا موقف المحايد النزيه، رأيناهم ورآهم العالم بأسره يشتركون في المذابح الجماعية والقتل الجماعي. ألم يرهم الحقوقي الشهير والقاضي الكبير أوكامبو؟ أم أنه مشغولٌ فقط بمذكرة توقيف الرئيس السوداني عمر البشير لحسابات غربية؟ ومشغول بملاحقة سيف الإسلام القذافي لحسابات غربية أيضًا؟ بوكو حرام.. أين الخلل؟ الأمة المريضة الضعيفة لا يعبأ بها أحد، وقد تجلى هذا واضحًا في مشهد قتل المدنيين المسلمين في نيجيريا على يد قوات الجيش والشرطة النيجيرية، وملموسًا في واقع الصراع الذي تُضطهد فيه الأغلبية المسلمة على يد أقلية نصرانية توصف بالتطرف الشديد. لو أن هؤلاء وغيرهم وجدوا أن الأمة الإسلامية – على الصعيد السياسي والدولي– تستحق أن تُهاب وتحترم، ما أقدموا على ما فعلوه ويفعلونه. وهذا الضعف لابد له من أسباب كامنة في الصف المسلم، ولابد له من جذور في الواقع الإسلامي، لا محالة. وقد سألتُ بعض الشباب عما يحدث في نيجيريا فوجدتهم لا يعرفون شيئًا عن نيجيريا سوى كرة القدم النيجيرية ونجومها القدامى والمحدثين، ولا يعلمون شيئًا البتة عن تاريخ ذلك البلد الإفريقي الكبير، ولا عن تاريخ الإسلام فيه، ولا يعرف الواحد منهم اسم عالم من علمائه أو مجاهد من مجاهديه، ولا فكرة لديهم عما يتعرض له الإسلام والمسلمون في نيجيريا وغيرها من بلاد إفريقيا من انتهاكات ومذابح واضطهاد وتنصير. الواقع النيجيري الإسلامي أما عن الواقع النيجيري الإسلامي فهناك كثير من القضايا التي لابد من مدارستها ومراجعتها، وأولها قضية الوحدة؛ فعلى حساب الفرقة بين المسلمين هناك سيطرت أقلية نصرانية متطرفة، وأحكمت قبضتها على مقاليد البلاد، سياسيًا وأمنيًا وإعلاميًا. القضية الأخرى الهامة هي قصور الفهم وعدم الوعي بمدلول الشريعة لدى النيجيرين بصفة عامة، وهذا يتطلب جهداً أكبر من الإسلاميين للوصول إلى الناس وتصحيح مفاهيمهم وتوعيتهم بأن الشريعة ليست محصورة في دائرة تطبيق الحدود فحسب، وقد حدثت بالفعل أخطاء منهجية في بعض الولايات ووجدت فيها أجهزة الإعلام النيجيرية صيدًا ثمينًا، فروجت لها بطريقة ساخرة، أساءت لسمعة الشريعة الإسلامية، وأظهرتها للناس بصورة تنفِّر منها، بل ومن الإسلام بصفة عامة. القضية الأخيرة والخطيرة هي أهمية الأخذ بأسباب التمكين، وهو ما زهدته (بوكو حرام) وما سبقها، في إطار السعي لتحكيم الشرع على الغالبية المسلمة. لقد تعامل المسلمون في نيجيريا بسذاجة شديدة فيما يخص مسألة التعامل مع الغرب؛ فليس معنى أن الانجليز هزمونا ونحَّوْا شريعتنا عن الحكم أن نعتزلهم ولا نتحاور معهم ولا نستفيد من علومهم ولا نستثمر تفوقهم التقني والتجريبي لصالحنا. لقد أهمل المسلمون هناك علوم الدنيا وفنونها – ظنًّا منهم أن ذلك من الإسلام ويخدم قضيتهم- فاستأثر بها غيرُهم، وأصبحت حكرًا عليهم، فسيطروا على المراكز الحساسة في الدولة، ومنهم رجال الأعمال الكبار والمستثمرون والإعلاميون وأصحاب الرأي والفكر، وهم المسيطرون على الأعمال التجارية المهمة، وهم أصحاب المهارات العلمية الفائقة في كافة المجالات، فضلا عن سيطرتهم السياسية والأمنية. هذا الوضع أفرز ذلك الواقع الشاذ الغريب، وهو أن نسبة لا تتجاوز ال20% من النصارى المتعصبين والوثنيين يتسلطون على ما يزيد على 80% من المسلمين، يضطهدونهم ويذبحونهم ويهضمون حقوقهم ويمارسون ضدهم أبشع الانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم كله. هنا لا نملك إلا استدعاء دعاء الفاروق عمر رضي الله عنه: "اللهم أني أشكو إليك جلَد الفاجر وعجز المؤمن". * لو كانوا مجموعة من (الشواذ) الأراذل، وخرجوا يطالبون ب"حقوقهم؟!" لتجاوبت معهم وتعاطفت مع قضيتهم منظماتُ حقوق الإنسان في الغرب والشرق والشمال والجنوب، ولقامت الدنيا من أجل نصرتهم ولم تقعد! ولكن ما داموا مسلمين يطالبون ب"تطبيق الشريعة الإسلامية" فذبحهم "شأن داخلي" و"لا يجوز التدخل في سياسات الدول الداخلية"! * سألتُ بعض الشباب عما يحدث في نيجيريا فوجدتهم لا يعرفون شيئًا عن نيجيريا سوى كرة القدم النيجيرية ونجومها القدامى والمحدثين، ولا يعلمون شيئًا البتة عن تاريخ ذلك البلد الإفريقي الكبير، ولا عن تاريخ الإسلام فيه، ولا يعرف الواحد منهم اسم عالم من علمائه أو مجاهد من مجاهديه، ولا فكرة لديهم عما يتعرض له الإسلام والمسلمون في نيجيريا وغيرها من بلاد إفريقيا من انتهاكات ومذابح واضطهاد وتنصير. بقلم: هشام النجار