ليس من عادة ملكة هولندا ولا أعضاء الأسرة الملكية إطلاق التصريحات في وسائل الإعلام، إلا في مُناسبات أو أحداث كبيرة تمس حياة الشعب الهولندي بصفة خاصة، أو كارثة عالمية تفرض نفسها على الرأي العام الدولي، لكن من الواضح أنه طاف الكيل وخرجت (بياتريكس) ملكة هولندا هذه المرة عن صمتها، ولمست العصب الحساس في جسد ساسة بلادها، بداية من التوبيخ غير المباشر ل (خيرت فيلدرز) زعيم اليمين المُتطرف، المعروف بعدائه للإسلام والمُسلمين، مروراً بالأحزاب الهولندية من أقصى اليمين لأقصى اليسار، وانتهاء برئيس الحكومة (مارك روتا) من الحزب الديمقراطي المسيحي· حينما بدأت ملكة هولندا رحلتها الخليجية للإمارات وسلطنة عُمان، وكان بصُحبتها الابن (فيلم الكسندر) ولي العهد، وزوجته الأميرة (ماكسيما)، كانت عيون ساسة اليمين المُتطرف في بلادها تراقب أنفاسها وخلجاتها· وتسارعت التعليقات وردود الأفعال التي تعبر عن الرأي العام تجاه ما قامت به الملكة من تغطية رأسها، فنجد من يرحب بهذا الاحترام للأديان مثل قول بعضهم (كل الاحترام للملكة التي كانت مثالا يُقتدى به)، بينما يقول معلق آخر (جميل أن تظهر الملكة احترامها، لكن للأسف فإن المسلمين في هولندا لا يظهرون دائما احترامهم)، ويرى مسؤولون ملكيون أن الملكة تصرفت (من منطلق احترامها للتقاليد الإسلامية)، وهو نفس ما قاله وزير الخارجية الهولندي يوري روزنتال· ونجد على الجهة الثانية المعارضين المتشددين الذين رفضوا بل وهاجموا الملكة بسبب احترامها للإسلام، وأشهرهم بالطبع الهولندي المتطرف (خيرت فيلدرز) المعروف بعدائه للإسلام، الذي دأب على تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وتصيد الأحداث ليخلق الأزمات بهدف أن يعصف بالعلاقات الهولندية العربية في مهب الريح، وبالفعل اشتاط غضباً بحثاً عن شرارة يُفجر بها أزمة، فما كان منه إلا أن وجه انتقادات لاذعة لملكة بلاده، واصفاً إياها بأنها: (بارتدائها الحجاب فهي تشجع قهر المرأة حيث أن الحجاب يرمز لظلمها؟) على حد زعمه، وقد أطلق هذه الانتقاد عقب الزيارة الثانية لمسجد في العاصمة العُمانية مسقط، عقب زيارة سبقتها لمسجد الشيخ زايد في أبوظبي· وجدير بالذكر أن (فتنة) فيلدرز لم تكن أول ما أثار انتقادات المسلمين تجاهه، إذ سبق له وأن أدلى بتصريحات عنصرية تجاههم، دفعت عضو البرلمان الهولندي إلى الشعور بأن حياته مهددةٌ بالخطر وأجبرته على تغيير أماكن إقامته باستمرار والاستعانة بحراسة مشددة· فما كان من ملكة هولندا إلا أن عبرت عن رأيها وحقها في التعقيب على اتهامات فيلدرز، حيث قالت: (إنه لمن الحماقة أن يُنظر للحجاب على أنه رمزٌ لقهر المرأة)، وهو الأمر الذي اعتبرته وسائل الإعلام الهولندي بأنها بتصريحاتها قد لمست العصب الحساس في جسد السياسة الهولندية، بعد أن طرح اليميني المتطرف استجواباً في مجلس النواب، تعرض من خلاله لتكرار ما قاله كثيرا بأن: (حجاب المسلمات هو رمز للأسلمة لاضطهاد المرأة وتمييزها عُنصرياً)· وجاءت تصريحات ملكة هولندا عقب لقائها بوسائل الإعلام بمناسبة عودتها من رحلة لمنطقة الخليج، مشيرة إلى أن لباسها كان احتراما للدول الإسلامية المستضيفة، في الوقت الذي أشارت فيه الأميرة ماكسيما بأن المرأة في الخليج تحتل مكانة مرموقة، في التعليم والحياة العامة وسوق العمل ولها دور قيادي، كما أن 75% من الإناث في الجامعات· يذكر أنه في زيارتها لأكبر مسجد في العالم ارتدت (بياتريكس) ملكة هولندا عباءة سوداء طويلة وتحلت بحجاب أزرق، وذلك قبل دخولها مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في أبو ظبي، وكان بصحبتها الأميرة (ماكسيما) في رداء إسلامي حيث غطت رأسها حتى أخمص قدميها، وذلك في جولة للمسجد الذي استغرقت عملية بنائه 10 سنوات، على مساحة 22000 متر مربع، وتم كسوة حوائطه وأرضيته بالمرمر الإيطالي، وافترش ب 6000 متر مربع من السجاد الإيراني، الذي استغرقت عملية تشغيله مدة عامين وعملت فيه 1200 من الفتيات الإيرانيات·