الجيش الذي مازال غازياً للعراق وأفغانستان ومالئ الدنيا وشاغل الناس طوال 10 سنوات بحرب على الإرهاب المتمثل في تنظيم "القاعدة" وطالبان بشكل خاص، واقع في فخ عدو داخلي وخفي كحصان طروادة أشد فتكاً عليه من أي عملية قام بها التنظيمان ضده في أي مكان وزمان. في شهر واحد، وهو جوان الماضي، انتحر 32 جندياً يقاتلون في أفغانستان والعراق، طبقاً لإحصاء صدر عن قيادة الجيش الذي قال إن العدد يفوق أي انتحارات قام بها جنوده منذ الحرب الأمريكية في فيتنام التي استمرت 11 عاماً وانتهت قبل 35 سنة. وفي الإحصاء أن 21 جندياً انتحروا أثناء خدمتهم، في إشارة الى القتال بالعراق وأفغانستان، حيث للجيش الأمريكي 19 فرقة طبية تضم أطباء نفسانيين وأخصائيين اجتماعيين لمساعدة الجنود على تخطي الضغوط النفسية الناجمة عن الظروف المحيطة، فيما انتحر 11 آخرون في بقية الوحدات وفي ظروف غير قتالية، لكنهم سبق وخدموا في البلدين، وهي نسبة لو استمرت على هذه الحال فقد تبلغ أكثر من ضعف عددها العام الماضي، حيث نال جنرال الانتحار من 162 جندياً. ويقول "البنتاغون"، وهو وزارة الدفاع الأمريكية، إن 70 بالمائة من المنتحرين هم جنود متواجدون في ساحات القتال بالبلدين "إلا أن الواحد منهم لم يكن قد قاتل ودخل الميدان بعد"، وفق تعبير الجنرال بيتر شياريللي، وهو نائب رئيس شؤون الجنود بالجيش الذي احتفل في أوائل جوان بانخفاض عدد منتحريه في الشهر الذي قبله، فإذا بالشهر الماضي يخيب ظنه بوصول عدد القاتلين لأنفسهم الى رقم يسيل شهية القيّمين على كتاب "غينيس" للأرقام القياسية. وفي الإحصاءات الانتحارية من أرشيف الجيش الأمريكي وسواه عن عمليات انتحار ارتكبها الجنود الأمريكيون في السنوات الأربع الأخيرة نقرأ أن 102 انتحروا في 2006، ثم قل العدد في 2007 ووصل الى 89 عملية انتحار، وهناك 32 وفاة غامضة حدثت ذلك العام ومازال الجيش الأمريكي يحقق فيها الى الآن للتأكد مما اذا كانت انتحارات، فيما وصل العدد في 2008 الى 121 عملية انتحار. والانتحار لدى الأمريكيين "بديل" سريع على ما يبدو، ففي أوائل العام الحالي صدرت دراسة أشارت إلى أن 8 ملايين أمريكي لديهم ميول للانتحار كل عام، بحسب ما قالت "الهيئة الاتحادية الأمريكية للصحة العقلية" في تقرير ورد فيه أيضاً أن 32 ألف أمريكي كمعدل ينتحرون سنوياً في البلاد. وبنت الدراسة استنتاجها على تحقيقات قامت بها الهيئة طوال 5 أشهر وطالت 46190 أمريكياً من كل الأعمار والمستويات في 10 ولايات مهمة. وللانتحار لدى جنود أقوى دولة في العالم أسباب، منها الصدمة النفسية وتأثير احتدام القتال على النفس وكثرة اعتياد الجندي على اطلاق النار، كما وبعده عن ذويه وضعف الوجدان الديني والإحباطات المتنوعة، وغيرها الكثير. لكن بعض الأسباب يبدو مضحكاً في بعض الأحيان ويثير التساؤلات، ومنها: كيف يحارب الإنسان أشد المقاتلين في العراق وأفغانستان ثم ينتحر لأي سبب بسيط، وعلى السريع؟ قالوا وكتبوا عن جندي كان يخدم في العراق قبل 4 سنوات وتلقى رسالة من زوجته تعلمه بأنها تريد الطلاق ولم تعد تصبر على العيش معه بالتقسيط، فانتفض للحال وكان ردّه سريعاً: طوى الرسالة بيديه ووضعها في فمه ثم أطلق رصاصة في صدغه بالرأس وأصبح جثة. لو انتظر ذلك الجندي العجول ما معدله الزمني قراءة 5 أسطر، أي تقريباً نصف دقيقة على الأكثر، لكان لايزال حياً الى اليوم، ففي آخر الرسالة كتبت له زوجته جين: أنا أمزح طبعاً مايكل، وأحبك ولن أتخلى عنك، وبانتظارك ولو طال الانتظار سنوات.