الإمام الحسن البصري واحد من أبرز العلماء وقيل عنه إمام العلماء والمفكرين المصلحين والزهاد في جيل التابعين، وهو من ثقاة المحدثين، ورائد مدرسة الفلسفة السياسية في تاريخ الإسلام، وناله الاضطهاد والأذى لنقده للظالمين والفاسدين فطاردوه في البلدان وتوعدوه بالعقاب الشديد· الحسن بن يسار البصري، كنيته أبو سعيد، ولد في سنة 21 ه/ 642م، بالمدينة المنورة، وتوفي رحمه الله الخميس في أول رجب سنة 110 هجرية، وكان أبوه يسار من رقيق ميسان، وأمه خيرة مولاة لأم سلمة زوج الرسول، صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنها، وتربى في بيت النبوة، ومما يُروى عن طفولته رضاعته من أم سلمة زوج الرسول عليه الصلاة والسلام، أثناء غياب أمه عنه في فترة الرضاع· ونشأ الحسن البصري بالمدينة في كنف الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وتولى كتابة ولاية خراسان أثناء ولاية الربيع بن زياد عليها، في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وفي البصرة أقام الحسن وإليها نسب وفي مسجدها غدت مدرسته أشهر مدارس ذلك العصر، فلقد تتلمذ عليه فيها أئمة عصره حتى ليمكن القول إنه خرج من تحت عباءته أبرز علماء ذلك التاريخ، وبلغ في علوم العربية والإسلام الحد الذي أصبح فيه الانتساب إليه وإلى مدرسته إجازة الاعتماد للعلماء· جيل التابعين وكان الحسن البصري من جيل التابعين وليس من جيل الصحابة ومع ذلك فقد روي أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، عندما سمعته يرتل القرآن قالت: (من هذا الذي يشبه كلامُه كلام الأنبياء؟!)، وفيه قال حجة الإسلام الغزالي: (كان الحسن البصري أشبه كلاما بالأنبياء وأقربهم هديا إلى الصحابة وكان غاية في الفصاحة تتصبب الحكمة من فيه)· ولم يكن الحسن البصري فقط واحدا من ثقاة المحدثين والرواة لحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إنما كان إماما ورأسا لأول مدرسة لرواة ورواية التاريخ العربي الإسلامي تبلورت في تاريخنا الحضاري، فالناظرون في المصادر الأولى لتاريخنا الإسلامي يرون عند التأمل أن الحسن البصري وتلامذته هم نواة أول مدرسة روت أحداث هذا التاريخ· وكانت أحداث التاريخ السياسي الإسلامي بما فيه من صراعات على الخلافة والإمارة منذ خلافة الراشد الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، في مقدمة الأحداث التي حظيت من هذه المدرسة التاريخية بالرواية والتحقيق والنقد والتقويم وكانت حروب تلك الحقبة تسمى في المصطلح العربي الدماء، وكانت ثوراتها تسمى الفتن، ولريادة الحسن البصري وإمامته في هذا الميدان ولإحاطته بتاريخ الحروب والثورات تحدث عنه المؤرخون فقالوا إنه كان عالما في الفتن والدماء أي عالما في تاريخ الثورات والحروب· الخلافة الإسلامية وكان الإمام الحسن من أئمة المعارضة لما أحدثه بنو أمية في فلسفة الحكم الإسلامي ونظام الخلافة الإسلامية، ولهذا لم يؤيد من خلفاء تلك الدولة الأموية سوى خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز، إذ تولى قضاء البصرة في عهده، وكان له ناصحا وعليه مشيرا، يكتب له الرسائل قبل وبعد تولي عمر بن عبد العزيز إمارة المؤمنين والمراسلات بينهما نموذج من نماذج فكر السياسة والإدارة والإصلاح لواقع الأمة في ذلك التاريخ· ولم تصل معارضة الحسن للدولة الأموية إلى درجة الخروج عليها وحمل السلاح ضدها، لأنه كان كمؤرخ يدرك ما جرَّته مثل هذه الأحداث من مآس وآلام على الذين كان كثيرٌ منهم من تلامذته، بل وعلى عامة الناس، فكان يشترط لتأييد مثل هذه الأحداث وللانخراط فيها أن تجتمع للحدث أسبابُ التمكن أي غلبة الظن في النصر· ولم يسلم الحسن البصري من أذى بني أمية واضطهاد ولاتهم على العراق وخاصة أذى الحجاج بن يوسف الثقفي فقطعوا عنه العطاء وأحاطوه بالعيون والجواسيس، بل اضطر إلى الهرب من ملاحقتهم عندما هموا بسجنه حتى ماتت ابنتُه وهو هارب فلم يستطع الصلاة عليها ولم يحضر مواراتها التراب، ولكن هذا الاضطهاد الذي استمر لسنوات لم يمنعه من إعلان نقده وإدانته لمظالم الدولة الأموية· وعندما أخذت الدولة الأموية تبرِّر أفعالها وساندتها في ذلك فرقة المُرْجئة التي تدعو إلى إرجاء ذلك إلى الله تعالى يوم القيامة، عندما أخذ هذا الفكر يبرر لذلك الواقع الظالم، كان الحسن البصري طليعة الذين تصدوا لمناهضة الفكر الجبري، فكانت مدرسته الفكرية التي اشتهرت بمدرسة أهل العدل والتوحيد، هي أولى المدارس التي تبلورت في تاريخنا الحضاري· * عندما أخذت الدولة الأموية تبرِّر أفعالها وساندتها في ذلك فرقة المُرْجئة التي تدعو إلى إرجاء ذلك إلى الله تعالى يوم القيامة، عندما أخذ هذا الفكر يبرر لذلك الواقع الظالم، كان الحسن البصري طليعة الذين تصدوا لمناهضة الفكر الجبري، فكانت مدرسته الفكرية التي اشتهرت بمدرسة أهل العدل والتوحيد، هي أولى المدارس التي تبلورت في تاريخنا الحضاري·