* 15 حالة انتحار لأطفال الجزائر في شهر واحد إن كانت نتائجا البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط قد أدخلت الفرحة في نفوس الكثيرين فإنها في نفس الوقت سبّبت أزمات نفسية وانهيارات عصبية لكثير من الطلاّب الذين لم يسعفهم الحظّ في التحصّل على تأشيرة الدخول إلى الجامعة. فقد شهدت عدّة ولايات من الوطن محاولات انتحار لمن فشلوا في اجتياز هذه الامتحانات، وتعدّ ولاية خنشلة من أكثر الولايات التي شهدت محاولات للانتحار، حيث تسابق فاشلون في (الباك) على محاولة وضع حدّ لحياتهم، علما أن الإخفاق الدراسي ليس السبب الوحيد لما أقدموا عليه. مع ظهور نتائج البكالوريا والزغاريد التي تعالت في كثير من البيوت لم يجد الكثير من الرّاسبين في شهادة البكالوريا سوى محاولة الانتحار كحلّ يخلّصهم في اعتقادهم الخاطئ من الألم والحسرة على ضياع شهادة تفتح آفاقا كبيرة في المستقبل، ولعلّ ما شجّع هؤلاء الشباب هو انتشار هذه الظاهرة في الجزائر بشكل مخيف. الجزائريون.. ينتحرون تفشّت في الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة عن مجتمعنا الجزائري المسلم ألا وهي ظاهرة الانتحار التي صارت كموضة لكلّ من يصادفه مشكل ولا يجد حلاّ له، والتي صارت انعكاسا للفشل وعدم الحاجة إلى استمرار الحياة، لكن ما يجب أن يدقّ ناقوس الخطر فعلا من أجله هو انتشار هذه الظاهرة لدى الأطفال. ومع صعوبة المعيشة وضغوط الحياة والعمل والمشاكل الاجتماعية صار العديد من الجزائريين يفكّرون في الانتحار معتقدين أنه إيقاف لجميع آلامهم النّفسية والجسدية، مع أن هذا اعتقاد خاطئ لكلّ إنسان يؤمن بوجود اليوم الآخر (يوم الحساب). وكعيّنة لمن فكّروا في الانتحار فور صدور النتائج سألنا الآنسة (كريمة - 19 سنة) عن سبب تفكيرها في الانتحار فكانت إجابتها بأن أهلها علّقوا عليها كلّ الآمال لتدخل الفرحة إلى قلوبهم لكنها أخفقت في ذلك، لذلك لم تجد طريقة لتجنّب رؤية ردّة فعلهم ولومهم سوى الانتحار، وأضافت أنها فكّرت أيضا في جيرانها ومعارفها ونظرتهم إليها بعد رسوبها. ما الذي يدفع الشباب إلى الانتحار؟ عند سؤالنا لبعض الشباب ممّن تراودهم فكرة الانتحار عن الدافع والسبب الذي يجعل حياتهم رخيصة كانت إجاباتهم مختلفة، فمنهم من يرى أن غلاء المعيشة والبطالة هو دافعهم إلى التفكير في الانتحار، فيما يرى آخرون أن المشاكل الاجتماعية والإهمال الأسري من أهمّ أسباب إقدامهم على الانتحار. وقد وجدنا حالة شابّ يبلغ من العمر 30 سنة، حاول الانتحار عدّة مرّات لكنه فشل في كلّ محاولاته وأرجع سبب إقدامه على الانتحار إلى غلاء المعيشة وانعدام فرص العمل، حيث قال إنه في كلّ مرّة يذهب للبحث عن عمل إلاّ ووجد الأمر مستحيلا إن لم تكن له واسطة، وردّا على سؤالنا عن سبب اختياره الانتحار كحلّ لمشاكله أجاب بأنه لم يعد يجد شيئا يعيش من أجله فاختار الموت على الحياة، فبالنّسبة له موته أفضل من حياته. أطفال في أعمار الزهور يفضّلون الموت ربما الانتحار عند الشباب قد يكون مفهوما بعض الشيء لكن غير المعقول هو أن أطفالا في عمر الزهور يحاولون الانتحار، حيث شهدت عدّة ولايات من الوطن حوادث انتحار لأطفال دون سبب معيّن سوى التقليد لما يشاهدونه من رسوم متحرّكة لم تعد تخلو من مشاهد العنف والقتل التي تترسّخ في ذهن الطفل. وعلى سبيل المثال نذكر (كونان) الذي يضمّ عدّة مشاهد تصوّر الجرائم بتفاصيلها الدقيقة كالقتل والشنق وغيرها من الجرائم التي يمكن للطفل أن يطبّقها بسهولة، دون أن ننسى الأفلام والمسلسلات التي يشاهدها الأطفال دون رقابة وهذا ما يدفعهم إلى تقليد وحبّ اكتشاف نتيجة ما يحدث إن هو طبّق ما رآه. أرقام مخيفة شهدت الجزائر خلال شهر واحد 15 حالة انتحار وسط الأطفال في مختلف مناطق البلاد، أكثرها مأساوية ما حدث بولاية تيزي وزو، ثلاثة أطفال انتحروا بطريقة متشابهة خلال 24 ساعة فقط، وكلّهم كانوا متأثّرين بالسلسة الكرتونية (المحقّق كونان). وهنا نذكر حالة (الصادق) 11 سنة، الذي شنق نفسه بحزام بدلة الكاراتي التي كان يمارسها، حيث عثر عليه جثّة هامدة في غرفته في بلدية إرجن، ولم تمض ساعات حتى اهتزّت مدينة تيزي وزو مرّة أخرى على وقع انتحار طفل آخر يدعى (زيدان) 12 سنة، شنقا ببلدية تيزي راشد تقليدا لشخصيته الكرتونية المفضّلة (المحقّق كونان). وبنفس الطريقة عثر ببلدية أغريب على طفل آخر يبلغ من العمر 11 سنة مشنوقا إلى جذع شجرة في حدود التاسعة ليلا، والذي هو أيضا ذكر المقرّبون منه إنه كان مولعا بمتابعة (المحقّق كونان). وإن كان الفشل المدرسي من أهمّ أسباب الانتحار فإن حالة الطفل (وليد) المتفوّق والهادئ بطبعه صنعت الاستثناء في ولاية تيارت، حيث قام بإحراق نفسه أمام زملائه والسبب هو عدم إصغاء مديرة المدرسة إلى شكواه ضد أستاذه الذي أخطأ في حساب علاماته فلم يجد وسيلة ليعبّر بها عن سخطه جرّاء الظلم الذي تعرّض له سوى الانتحار. ولعلّ أغرب حالة انتحار هي للمراهق (عنتر) الذي يبلغ من العمر 15 سنة، والذي حاول الانتحار بمجرّد أن أمّه هدّدته بأن والده سيعاقبه بعدما قام بتكسير الهاتف النقّال الخاص بوالده، ليقوم بعدها برمي نفسه من الطابق الثالث ولحسن الحظّ لم يمت ليتعرّض على إثرها لعدّة كسور في الحوض وأطرافه العلوية. قهر اجتماعي واقتصادي حسب الإحصائيات فإن حوالي 35 بالمائة من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب والفصام والإدمان، و65 بالمائة من الحالات ترجع إلى عوامل متعدّدة مثل التربية وثقافة المجتمع والمشاكل الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والأمراض الجسمية أو تجنّب العار. وتعدّ أكثر الطرق شيوعا في الانتحار هي الشنق، تليها القتل بالسلاح. ويرى الأخصّائيون النّفسانيون أن الانتحار يحدث حين يختلّ التوازن بين غريزتي الموت والحياة لدى الشخص، وأن الانتحار لا يولد لحظة وقوعه أو محاولة تنفيذه وإنما هو مخطّط ضمن مخطّطات الشخص وقد يراه الخيار الوحيد في تلك اللّحظة وأنه أفضل الحلول للتخلّص من المشاكل. ويرى آخرون أن الانتحار خطوة تختلط فيها عدّة أحاسيس منها الانعزال واليأس والاكتئاب، ويشعر الإنسان بألم لا يطاق ولا يوجد حلّ عنده سوى الانتحار كحلّ أخير. لكن هذه الظاهرة عند الأطفال تختلف في مفهومها وأسبابها عند الكبار، فالطفل الذي يحاول الانتحار يحاول التقليد فقط دون وعي منه بما يفعل وعواقب ذلك، وكلّ هذا نتيجة لاضطرابات نفسية يعاني منها الطفل جرّاء مشاهد الرّعب والقتل التي شاهدها أو بسبب العنف الأسري. الانتحار حرام شرعا أمّا رأي ديننا الحنيف فهو واضح في قضية الانتحار، فتعدّي الإنسان على نفسه أي قتل الإنسان نفسه متعمّدا يعدّ عملا من الكبائر ذلك أن حياة الإنسان ليست ملكا له، بل هي ملك للّه عزّ وجلّ، هو سبحانه وتعالى ينهي حياة الإنسان متى شاء. الانتحار حرام في الإسلام لقوله عزّ وجلّ: {ولا تقتلوا أنفسكم إن اللّه كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على اللّه يسيرا} النّساء/ 29 -30. ولو لم يكن بعد الموت بعث وحساب لهانت كثير من الأنفس على أصحابها، لكن بعد الموت حساب وعتاب. ويبقى الإيمان باللّه عزّ وجلّ وبقضائه وقدره هو ما على الإنسان أن يتحلّى به، ويجب أن يسود الحوار داخل الأسرة ومحاولة حلّ المشاكل جماعيا ومقاسمة الإنسان همومه مع غيره، وأن لا يقنط من رحمة اللّه، ومن لم يتحصّل على شهادة البكالوريا أو شهادة التعليم المتوسط هده السنة فالفرصة مازالت قائمة ويمكن إعادة اجتياز الامتحان السنة المقبلة، سواء في المؤسسات التربوية أو كأحرار. فالمؤمن مصاب وللعائلة دور كبير في احتواء الأشخاص الذين تراودهم فكرة الانتحار بمراقبتهم وعرضهم على أخصّائيين نفسيين، وبقليل من العطف والتفهّم ومراقبة البرامج التي يشاهدها الأطفال يمكن التخفيف من هذه الظاهرة ولو قليلا، سواء عند الكبار أو عند الصغار.