لا يزال قرار عرض مسلسل الصحابي الجليل عمر بن الخطاب على قنوات التلفزيون الجزائري عشية حلول الشهر الفضيل يثير جدلا واسعا في أوساط المشايخ والمفتين الجزائريين، حيث تباينت آراء المفتين بين مبيح ومحرم لعرض المسلسل ومشاهدته في حين أجازت لجنة الإفتاء في وزارة الشؤون الدينية عرضه في غياب نص يمنع تجسيد الصحابة وظهورهم، وهو ما يصنع فتنة حقيقية في أوساط ملايين المشاهدين الجزائريين المترددين في اتخاذ قرار بمشاهدة المسلسل أو عدم مشاهدته. بالرغم من الفتوى التي أصدرتها وزارة الشؤون الدينية مؤخرا والتي تجيز عرض مسلسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، إلا أن آراء المفتين والمتخصصين في العلوم الشرعية لا تزال متباينة حول جواز أو تحريم عرضه، حيث عبر بعض الشيوخ عن استنكارهم لإقدام القنوات التلفزيونية الجزائرية العمومية على عرض فيلم يجسد أحد صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فيما نقى البعض الآخر وجود أي حرج أو مانع شرعي يحول دون عرض المسلسل التاريخي. أبو سعيد: "لا يجوز تجسيد صحابة النبي" أكد الشيخ أبو سعيد بلعيد بن أحمد إمام مسجد بني تامو بالبليدة في اتصال لنا معه أمس الأربعاء أن التمثيل في حد ذاته محرم شرعا، مضيفا أن تجسيد الصحابة أمر غير جائز في الشريعة الإسلامية، وأضاف في حديثه عن مسلسل عمر بن الخطاب الذي سينطلق عرضه في القنوات التلفزيونية الجزائرية وفي عدد من الفضائيات الأخرى مع أول أيام شهر رمضان أن تجسيد شخصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لا يجوز بوجود أحكام شرعية قديمة من جامع الأزهر ومن علماء السعودية تحرم تجسيد الصحابة والأنبياء، واستنكر في ذات السياق تأدية دور الفاروق من طرف ممثل مسيحي مع أن هذا الأمر محرم حتى على المسلمين على حد تعبيره مشيرا إلى أن تجسيد شخصية الصحابي تعد حطا من قيمته وإنقاصا لهيبته وضرب الشيخ أبو سعيد بهذا الصدد مثلا بالأفلام التي تروي سير بعض الرؤساء والتي لا يتم التفكير في كتابة نصها أو إخراجها إلا بعد وفاة الرئيس لأن عرضها في حياته فيه إهدار لهيبته، وفي ذات السياق استنكر إمام مسجد بني تامو تجسيد دور الصحابي الجليل من طرف ممثلين معروفين بأداء أدوار تروي (قصص الحب والغرام)، مذكرا بمسلسل خالد بن الوليد الذي أداه باسم ياخور والذي يدين بالمسيحية أيضا، وعبر أبو سعيد عن استيائه من الصورة التي نقلت عن الصحابي والذي ظهر بمظهر الرجل الذي يحارب من أجل النساء، "فأينما وجدت امرأة جميلة حارب من أجلها). وفي سياق آخر نفى أبو سعيد بلعيد أن تكون لمثل هذه الأفلام فائدة في نشر سير الصحابة والتعريف بهم، موضحا أن دراسة أمريكية أجريت مؤخرا أثبتت أن الإنسان يمكنه تذكر 90 بالمائة من أحداث القصص إذا قرأها من كتاب بينما لا يحتفظ إلا بحوالي 2 بالمائة فقط من القصة إذا شاهدها مصورة (على شكل فيلم أو مسلسل). بن حليمة: "الأصل هو تنزيه الصحابة" ومن جهته، أكد الشيخ يوسف بن حليمة إمام مسجد العربي التبسي بحسين داي في حديث له مع (أخبار اليوم) بالعاصمة أن الأصل في الشريعة الإسلامية هو تنزيه الصحابة وعدم تجسيدهم لأنه ليس هناك من يستطيع أن يكون بمرتبة صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، مضيفا أن أداء دور صحابي من طرف ممثل اعتاد على أداء أدوار مع نساء وبصورة إباحية أحيانا هو حط من قيمة الصحابي ودعا بهذا الصدد إلى التنزه عن أداء أدوار الصحابة والأنبياء، مذكرا بمسلسل النبي يوسف عليه السلام والذي عرض في أكثر من قناة فضائية. وفي حديثه عن مسلسل عمر الفاروق الذي سيعرض قريبا على قنوات التلفزيون الجزائري العمومية، أشار إمام مسجد العربي التبسي إلى أنه من غير الممكن معارضة هيئة شرعية كجامع الأزهر الذي أجاز عرض المسلسل، مبديا تحفظه حول الشخصية التي تؤدي دور الصحابي الجليل، حيث أكد بن حليمة أن الإشكال لا يكمن في ظهور الصحابي بل في الشخصية التي تجسده مستغربا أن يتم تجسيد شخصية الفاروق من طرف ممثل اعتاد على أداء أدوار بطريقة تخالف الأحكام الشرعية، أما عن كون الممثل سامر إسماعيل الذي أدى دور عمر الفاروق في المسلسل يدين بالديانة المسيحية فقد استنكر يوسف بن حليمة ذلك قائلا: (هذا أدهى وأمر، كنا نتحفظ على الشخصيات المسلمة فيأتي كافر لأداء دور عمر !). أما عن الحكم الشرعي من متابعة المسلسل والذي يحير الكثير من المواطنين فقد أباح بن حليمة مشاهدته، موضحا أنه ليس على الجمهور أي ذنب وإنما يقع الذنب على المشرفين الذين قاموا بتقديم هذا المسلسل. ميغاري: (لا وجود لنص شرعي يحرم تجسيد الصحابة) ومن جانبه أكد عيسى ميغاري مستشار ومساعد مدير قناة القرآن الكريم أن الفضائية الجزائرية الدينية ماضية في قرارها ببث المسلسل التاريخي الذي يروي سيرة الصحابي وأحد الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب وذلك لعدم وجود أي نص شرعي يحرم تجسيد صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأضاف في هذا السياق أن المجلس العلمي للقناة التلفزيونية قد أقر بعد اجتماعه منذ شهر أفريل الماضي جواز عرض مسلسل عمر الفاروق لعدم وجود أي مانع شرعي مشيرا إلى أن المجلس العلمي يضم شيوخا أغلبهم من وزارة الشؤون الدينية منهم الدكتور كمال بوزيدي والشيخ بن محمد والشيخ هارون بريك والشيخ بوشنان وغيرهم، وأقر الجميع عدم وجود حرج في عرض المسلسل لغياب المانع الشرعي. واستغرب ميغاري الحملة التي تقودها بعض الأطراف ضد عرض المسلسل مع أن هناك أعمالا تاريخية عرضت من قبل دون أن تسبب هذه الضجة كفيلم الرسالة الذي جسد عددا من الصحابة أمثال حمزة عم النبي (صلى الله عليه وسلم) وبلال الحبشي وهند بنت عتبة، مضيفا أن المحتجين على عرض المسلسل قد قدموا حججا غير مقنعة كالاعتراض على تجسيد شخصية عمر لأنه من المبشرين بالجنة مع أن حمزة أيضا مبشر بالجنة ولم يحتجوا على تجسيد شخصيته في فيلم الرسالة من قبل ، على حد قوله-، مضيفا أن بعض الشيوخ استنكروا تجسيد شخصية عمر لأن ذلك سينقص من هيبته لا سيما وأن الممثلين الذين يؤدون أدوار الصحابة عرفوا بأدوارهم المخالفة للشريعة الإسلامية وهو ما رد عليه مستشار ومساعد مدير قناة القرآن قائلا: (تجسيد دور حمزة لم ينقص من قيمته وتجسيد شخصية هند لم يقلل من هيبتها) مضيفا أن تجسيد شخصية عمر بن الخطاب من طرف أيا كان لن ينقص من قيمة الصحابي الجليل أيضا. وفي سياق آخر كشف محمد ميغاري أن قناة القرآن الكريم قد رفضت مؤخرا عرض مسلسل لمريم العذراء وذلك تطبيقا لحكم شرعي يحرم تجسيد الأنبياء وأصولهم وفروعهم المباشرين.