الدنيا دار ابتلاء للمؤمن يعيش فيها ليصبر ويحتسب الأجر عند الله، يعاني من الهموم وصعوبات الحياة، وما يثبته إلا يقينه بالله تعالى ودعائه المستمر أن يبدله الله خيرا من متاع الدنيا الزائل ونعيمها الزائف، ليكون مع الذين أنعم الله عليهم في الجنة دار المقام. وهذه إحدى صور جزاء الله للمؤمنين وصبرهم على الدنيا في الآخرة وكأنهم ارتاحوا بعد يوم متواصل من العناء والتعب والجهد المضاعف، نعم، تكون الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة وكأنها يوم مر بشره وخيره. قال ابن عباس رضي الله عنه: (وذلك أن ولي الله في الجنة على سرير، والسرير ارتفاعه خمسمائة عام وهو قول الله عز وجل (وفرش مرفوعة)، قال: والسرير من ياقوت أحمر وله جناحان من زمرد أخضر، وعلى السرير سبعون فراشا حشوها النور، وظواهرها السندس، وبطائنها من استبرق، ولو دلى أعلاها فراشا ما وصل إلى آخرها مقدار أربعين عاما، وعلى السرير أريكة وهي الحجلة وهي من لؤلؤة عليها سبعون سترا من نور وذلك قوله عز وجل (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون) يعني ظلال الأشجار، على الأرائك يعني السرة في الحجال). وفي حديث للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَقَالَ الْحَارِثُ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الْهَيْثَمِ الطَّائِيِّ، وَسُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَا: إِنََّّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْبُضْعِ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: نَعَمْ، مَقِيلٌ شَهِيٌّ، وَذَكَرٌ لَا يَمَلُّ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَّكِئُ فِيهَا الْمُتَّكَأَ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ، وَلَا يَمَلُّهُ، يَأْتِيهِ فِيهِ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَقَرَّتْ عَيْنُهُ). وفي رواية عن ثابت قال: (بلغنا أن الرجل ليتكئ في الجنّة سبعين سنة عنده من أزواجه وخدمِهِ، وما أعطاه الله من الكرامة والنَّعيم، فإذا حانت منه نظرةٌ فإذا أزواج له لم يكن رآهنَّ قبل ذلك، فيقلن قد آن لك أن تجعل لنا منك نصيباً). وهكذا يتنعم المؤمن مستلقياً على السرير أربعين أو سبعين سنة، له ما يشتهي من الطعام والنساء والخدم، بل إن نساءه يتزايدن باستمرار دون معرفته. فالله يريد له نعيم فوق نعيم. كذلك فإن أسرَّةِ الجنَّة (موضونة) أي منسوجة ومضفورة بالذهب واللآلئ. وهي سرر (مرفوعة) أي عالية ناعمة كثيرة الفرش ومرتفعة السُّمك. ووصف الفرش الذي على السرر والأرائك قائلاً (متكئين على فُرُشٍ بطائنها من اسْتبَرْقٍ) أي الديباج المزين بالذّهب. وعلى الأسرة أيضاً (رفرف خُضرٍ وعبقريٍ حسان) وهنا أورد ابن كثير عدة معاني للرفرف والعبقري نظراً لعدم اتفاق الرواة والمحدِّثين على المعنى، ومما قاله: الرَّفرف: المحابس المتدلي أو الوسائد أو رياض الجنّة.