كان معاوية بن أبي سفيان يقول: "إني لآنف أن يكون في الأرض جهل لا يسعه حلمي، وذنب لا يسعه عفوي، وحاجة لا يسعها جودي". وعن زياد بن أبيه قال: "ما غلبني معاوية في شيء إلا مرة واحدة، استعملت فلاناً، فكسر متاعي، فخشي أن أعاقبه، ففرّ مني إلى معاوية، فكتبت إليه: إن في هذا أدب سوء لمن استعملته، فكتب إليّ: إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة، أن نلين جميعاً فيمرح الناس في المعصية، ولا نشتد جميعاً فنحمل الناس على المهالك، ولكن تكون أنت للشدة والفظاظة، وأكون أنا للين والألفة". وذُكر أن رجلاً من التابعين مدحه رجل في وجهه، فقال له: يا عبد الله! لم تمدحني، أجرّبتني عند الغضب، فوجدتني حليماً؟ قال: لا، قال: أجرّبتني في السفر، فوجدتني حسن الخلق؟ قال: لا، قال: أجرّبتني عند الأمانة، فوجدتني أميناً؟ قال: لا. فقال: ويحك! ما لأحد أن يمدح أحداً ما لم يجربه في هذه الأشياء الثلاثة. أغلظ رجل للأحنف بن قيس في الكلام -وكان رحمه الله قد اشتهر بحلمه- فقال الرجل: "والله يا أحنف! لئن قلت لي واحدة لتسمعنّ بدلها عشراً". فقال له: "إنك إن قلت لي عشراً، لا تسمع مني واحدة". وجاء رجل إلى الأحنف فشتمه فما رد عليه، فأعاد الرجل فسكت عنه، فأعاد فسكت عنه، فقال الرجل: "والهفاه!! ما يمنعه من أن يرد علي إلا هواني عنده". وقال رجل مرّة لسالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: "يا شيخ السوء!"، فقال له سالم: "ما أراك بعدت يا أخي". كان الفضيل بن عياض إذا قيل له: "إن فلاناً يقع فيك"، يقول: "والله لأغيظن أمره -ويعني بذلك إبليس"، ثم يقول: "اللهم إن كان صادقاً، فاغفر لي، وإن كان كاذباً، فاغفر له". وشتم رجل الربيع بن خيثم، فقال له: "يا هذا! قد سمع الله كلامك، وإن دون الجنة عقبة، إن قطعتُها، لم يضرّني ما تقول، وإن لم أقطعها، فأنا شرّ مما تقول". قال أحد السلف: "لما ولي عمر بن عبد العزيز خرج ذات ليلة، ومعه حرسه الذين يحرسونه، فدخل المسجد فمر في الظلمة برجل نائم فعثر به، فرفع النائم رأسه إليه، فقال: أمجنون أنت؟ فرد عليه عمر: لا. فهمّ به الحراس، فقال لهم عمر: اتركوه؛ إنما سألني: أمجنون أنت؟ فقلت: لا".