كانت محط ترغيب وترهيب السلطة الانقلابية السياسة تحجب الرؤية عن المنظمات الحقوقية بمصر منذ ثورة 25 جانفي التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك أصبحت المنظمات الحقوقية المصرية أعلى صوتا وأنشط أداء، وأصبح مألوفا أن تغص الشاشات ومختلف وسائل الإعلام بشخصيات حقوقية، تقدم نفسها على أنها المدافع الأبرز عن حقوق الإنسان، والمراقب الأول لما قد يحدث من انتهاكات لهذه الحقوق. لكن المثير أن أصوات هذه المنظمات توارت إلى حد كبير منذ نجاح الجيش في عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من شهر جويلية الماضي، رغم أن الأيام اللاحقة لهذا العزل شهدت تطورات كبيرة، كان أبرزها فض اعتصام مؤيدي مرسي في ميداني رابعة العدوية والنهضة بشكل عنيف، راح ضحيته آلاف الأشخاص بين قتيل ومصاب. وأثار ذلك شكوكا باحتمال طغيان الأجندة السياسية على الواجبات الحقوقية لهذه المنظمات، وهي الشكوك التي سرعان ما تعاظمت في الأيام الأخيرة بعد قرار السلطة الجديدة اختيار بعض رموز المنظمات الحقوقية لعضوية المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي طالما كان محلا لانتقادات تتهمه بتجاهل انتهاك حقوق الإنسان من جانب السلطة. ويصنف عمر عبد الهادي -المحامي والناشط السياسي- الحقوقيين بمصر إلى ثلاث فئات أولاها تم استقطابها من جانب السلطة الحالية عبر تعيينها في المجلس القومي لحقوق الإنسان، والثانية هي منظمات شكلية صنعها نظام مبارك لتحسين صورته أمام الرأي العام العالمي. أما الفئة الثالثة -كما يقول عبد الهادي- فتضم مجموعة من الحقوقيين آثرت الاحتجاب في الوقت الحالي، وأحجمت عن التعليق على المشهد السياسي خوفاً من بطش الدولة العسكرية، التي ظهرت ملامحها بوضوح منذ عزل مرسي. ويلفت عبد الهادي -وهو المنسق العام لجبهة الضمير التي تشكلت قبل أشهر قليلة وعبرت عن تأييدها لمرسي- النظر إلى أن غالبية المراكز الحقوقية تحصل على تمويلها من الخارج، بعد موافقة أجهزة الدولة، مما يعنى تحكم السلطات في مصادر التمويل. ويضيف بأن الحقوقيين يعلمون جيدا أن كشفهم الحقائق يقابله وقف تلقي التمويل لمراكزهم. وحول مدى تأثر موقف المجتمع الدولي باتجاهات المراكز الحقوقية المصرية، يؤكد عبد الهادي أن الرأي العام العالمي لا يستقي معلوماته ولا يحدد مواقفه استنادا إلى مواقف حقوقيي مصر، مشيرا إلى وجود فروع لمؤسسات دولية داخل القاهرة، يمكنها تحديد ما يحدث على الأرض مثل (هيومن رايتس ووتش) و(منظمة العفو الدولية). على الجانب الآخر، يؤكد الناشط الحقوقي نجيب جبرائيل -وهو رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان- أنه من الظلم وضع جميع المنظمات الحقوقية العاملة بمصر في سلة واحدة، ويعترف بأن بعضها لا يمارس عملا جادا، كما أن بعضها أقيم لمنح الشهرة لأصحابها. لكن جبرائيل يؤكد أن هناك منظمات تعمل بشكل جاد، ويضرب مثلا بمنظمته، مؤكدا أنها أصدرت ثلاثة بيانات إدانة لفض اعتصامي (رابعة العدوية) و(نهضة مصر) بالقوة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن عشرات المنظمات المصرية تسعى حاليا لإنشاء مجلس حقوقي وطني يوازي المجلس القومي لحقوق الإنسان. وأظهر جبرائيل عدم رضاه عما حدث في الأيام الأخيرة من تعيين بعض رؤساء المنظمات الحقوقية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان التابع للدولة، وقال إنهم سيواجهون تناقضا بين مهمتهم الجديدة وما يجب عليهم القيام به من كشف انتهاكات الأجهزة الحقوقية. ومع ذلك فإنه يرفض وصف ذلك بأنه تسييس لعمل المنظمات الحقوقية، ويفضل وصفه بأنه (نوع من الملاءمة).