جميعنا يعرف أن ولاية أراكان، التي تقع على الساحل الغربي في ميانمار المعروفة أيضا باسم بورما، من أكثر البقاع خطرا على المسلمين في العالم، حيث تحوّلت توترات شديدة ومواجهات محدودة إلى أعمال عنف جماعية بين السكان الراخين من البوذيين وأقلية الروهينجا، التي يبلغ تعدادها نحو 800 ألف نسمة وترجع جذورها في بورما إلى قرون. خلال تلك المواجهات، شن البوذيون هجوما على أماكن يقطنها مسلمون، وأشعلوا النيران في عدد من القرى، ودمروا المدارس والمساجد، مما أسفر عن مقتل عدد كبير من السكان الروهينجا، ومن بين الضحايا، كانت السيدة عائشة، 55 عاماً، تعيش في سيتوي، عاصمة ولاية أراكان، والتي اضطرت إلى الرحيل عن منزلها إلى مخيم للنازحين بعد أن لقي زوجها وشقيقها حتفهما. وبينما كانت عائشة تغادر بورما على متن قارب مع اثنين من أحفادها وأقاربها، ولكن السلطات أجبرتهم على العودة إلى أحد المخيمات، حيث يتواصل احتجاز الروهينجا بعد أكثر من عام على أعمال العنف، وهي مخيمات تكاد تخلو من أية سلع أساسية أو خدمات. من جانبها، كشفت نشرة الأوضاع الإنسانية الصادرة عن منظمة الأممالمتحدة في سبتمبر الماضي، أن نحو 180 ألف شخص في المخيمات، إلى جانب مجتمعات أخرى معزولة في ولاية أراكان، يحتاجون إلى مساعدات لإنقاذ حياتهم، مشيرة إلى أن أغلبيتهم من المسلمين، منهم ما يربو على 103 آلاف طفل، وعلى رغم هذا، فإن المنظمات الإنسانية تُمنع بشكل كبير من الوصول إلى هؤلاء المحتاجين. لم تُؤثر أعمال العنف ضد الروهينجا فحسب على هذه الأقلية وحدها، وإنما امتدت آثارها أيضاً لتطال المسلمين الآخرين في ميانمار، حيث اقتحم بوذيون، في سبتمبر الماضي، منطقة تقطنها عرقية كامين المسلمة في مدينة ثاندوي بإقليم أراكان، وكانت من بين القتلى عجوز تبلغ من العمر 94 عاما. كما أفادت تقارير بوقوع هجمات على عشرات من الأماكن في أنحاء ميانمار، وفي مدينة ميكيتلا، على سبيل المثال، نفذت مجموعة مذبحة لطلاب ومدرسين مسلمين في مدرسة إعدادية، من بين آخرين غيرهم، حيث قال الناجون من المذبحة محققين تابعين لحركة أطباء من أجل حقوق الإنسان تفاصيل مخيفة بشأن عمليات ضرب وتعذيب وتشويه وحرق على مرأى ومسمع من ضباط الشرطة ومئات من المتفرجين الذين رحبوا بهذه الأعمال الوحشية مرددين شعارات مثل اقتلوهم!. قد يكون الحافز الأساسي وراء أعمال العنف هذه هو تأثير حركة 969، وهي عبارة عن حملة يقودها رهبان بوذيون يدعون إلى التطهير على أساس ديني ويحرضون على مقاطعة المحال المملوكة لمسلمين. ويبقى تهديد اندلاع أعمال عنف مستقبلية ضد جميع المسلمين في بورما قائماً أيضا، وخصوصاً ضد مجموعة الروهينجا. ولا يشمل قانون عام 1982، الذي ينظم حقوق منح الجنسية في بورما، الروهينجا من بين الجماعات العرقية المعترف بها في تلك الدولة، ولذا فهم رسمياً من دون جنسية، ويتم نبذهم على نطاق واسع في أنحاء بورما كمهاجرين غير شرعيين، ولابد لهم من الحصول على موافقة رسمية للزواج والسفر حتى إلى بعض القرى المجاورة، ولا يسمح لهم بإنجاب أكثر من طفلين. كما يضطر كثير من السكان الروهينجا، ولاسيما الأطفال، إلى العمل من دون أجر لدى السلطات الحكومية أو الجيش، ويواجهون بصورة منتظمة الاعتقال والاحتجاز التعسفي ومصادرة ممتلكاتهم وأعمال عنف جسدي وجنسي، ولاشك أن أكثر ما يثير السخط في خضم أعمال العنف ضد الروهينجا والمسلمين الآخرين في بورما هو ما يتردد عن الدعم الممنهج من قبل السلطات في بورما، إذ كشفت التحقيقات التي أجرتها حركة أطباء من أجل حقوق الإنسان وجهات أخرى أن رهبانا بوذيين وسياسيين محليين حرضوا على أعمال العنف وقادوا كثيراً من الهجمات. أما قوات الشرطة، فقد أخفقت ورفضت في بعض الحالات، وقف أعمال العنف وربما شاركت فيها في حالات أخرى، في حين تعرض مئات من المسلمين للسجن تحت مزاعم إثارة العنف، بينما تم توقيف عدد ضئيل من الجناة، وبات جليا أنه يكاد لا يكون هناك ردع في بورما لهؤلاء الذين يهاجمون المسلمين. صحيح أن بورما أحرزت، خلال الأعوام القليلة الماضية، تقدمًا ملحوظًا على صعيد الإصلاحات السياسية، ولكن المبعوث الخاص للأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان في بورما توماس أوجيا كوينتانا، دعا في تقريره الأخير الشهر الماضي إلى إعارة الانتباه إلى الأزمة المحتدمة في ولاية أراكان، كما أعرب (عن قلقه من أن التمييز الفعلي ضد مجتمعات المسلمين في بورما سيصبح أمراً دائما). وفي الوقت الذي تحاول حكومة بورما جذب استثمارات خارجية ومساعدات فرصا للمجتمع الدولي للمساعدة والتشجيع على حماية جميع السكان من الجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي، وفيما يعتبر استجابة كبيرة للضغوط الخارجية، أبدى أعضاء في الحكومة عزمهم على معالجة أزمة الروهينجا، وقد أجرى الرئيس ثين سين زيارة إلى ولاية أراكان الشهر الماضي هي الأولى منذ اندلاع أعمال العنف في عام 2012. وبرغم ذلك، لم يكن هناك سوى تقدم ضئيل تجاه تخفيف معاناة الروهينجا أو حماية المسلمين من مزيد من التمييز والعنف، بينما ظل القادة الداعمون للديمقراطية في بورما خانعين في مواجهة أعمال العنف ضد المسلمين. لا شك أن الأزمة في بورما، تنتظر مبادرة حثيثة من زعماء بورما، والمراقبة عن كثب من أصدقائهم في الخارج، فإن مزيداً من أعمال العنف الممزوجة بالتعصب الديني والإثني والتورط من قبل الدولة يمكن أن يفضي إلى اندلاع أعمال عنف كارثية من شأنها التأثير سلباً على تلك الدولة بأسرها.